الخميس 31 آذار , 2022 01:10

الحلف العسكري ما بين الكيان المؤقت والدول المطبّعة: سرابٌ حتى الآن

رئيس وزراء الكيان المؤقت نفتالي بينيت خلال زيارته للبحرين

في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام العالمي على حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تطرح إشكاليتين في الكيان المؤقت وبعض الدول العربية (خصوصاً المطبّعة)، حول ما إذا حان الوقت في المنطقة، لتطبيق نموذج مماثل لقوة عسكرية مشتركة؟ وما إذا كان هناك مكان لإسرائيل في تحالف إقليمي عسكري من هذا النوع؟

وقد عالج الباحثان "كوبي مايكل" و" يوئيل جوزانسكي" هاتين الإشكاليتين، من خلال استعراض الإمكانيات والمعوقات أمام هكذا مشروع، وتوصلوا الى العديد من الخلاصات المهمة.

وهذا هو النص المترجم:

على الرغم من توقيع اتفاقات أبراهام، وتنامي بروز التعاون بين إسرائيل ودول الخليج، بما في ذلك في المسائل الأمنية، فإن الطريق إلى تشكيل قوة قتالية مشتركة بمشاركة إسرائيل، لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات.

علاوة على ذلك، من الصعب رؤية احتمال أي استعداد خليجي للموافقة على مثل هذا التحالف العسكري، من دون تدخل أو قيادة أميركية. لذلك، إذا كانت إسرائيل تسعى إلى تعزيز ترتيب عسكري إقليمي، وحتى أن تكون مشاركة مهمة ومؤثرة فيه، إذا لم تكن عضوًا كامل العضوية، فعليها أولاً إشراك الولايات المتحدة في هذه الخطوة، والتصرف بقدر أقل من الأهمية، والحرص على وضع أساس مستقر لأي اتحاد عريض، والذي سيضم عنصرًا عسكريًا بالإضافة إلى العديد من المكونات المدنية. ويُفترض أيضاً التقليل من أهمية الجانب العسكري، مع التأكيد على التعاون المدني والمشاركة الأمريكية النشطة، الأمر الذي من الممكن أن يزيد أيضًا من احتمالية تشكيل تحالف عسكري.

في تشرين الثاني /نوفمبر من العام 2018، نشر المعهد فكرة "إنشاء الناتو العربي: الرؤية مقابل الواقع". لدراسة جدوى إنشاء حلف شبيه بحلف شمال الأطلسي، لكن في منطقة الشرق الأوسط بمشاركة إسرائيل. وقد كُتب هذا المقال خلال رئاسة دونالد ترامب، الذي كان يضغط من أجل تشكيل مثل هذه القوة، وقبل توقيع اتفاقات أبراهام. استعرض المقال القيود والعقبات التي تواجه أي تحالف عسكري إقليمي، وقيّم أنه في ظل الظروف السائدة، لا توجد احتمالية جدية لتشكيله. فقد كانت الأسباب الرئيسية لذلك، هي الغياب المحتمل للولايات المتحدة عن هذا التحالف. بالإضافة الى صعوبة انضمام قادة الدول العربية المعنية، إلى تحالف يشمل إسرائيل، لا سيما بالنظر إلى مخاوفهم بشأن النقد الداخلي، وعدم وجود اتفاق بين الدول العربية نفسها، على أهداف وقيادة أي قوة مشتركة يمكن تشكيلها.

وفي السنوات الفاصلة، كان هناك عدد من التطورات، التي تدعو إلى إعادة تقييم إمكانية تحالف عسكري إقليمي يضم إسرائيل. والأهم من ذلك هو توقيع اتفاقيات أبراهام، والالتزام المعلن للإمارات والبحرين، بإقامة العلاقات مع إسرائيل. في هذا السياق، كانت زيارة رئيس الوزراء "نفتالي بينيت" للبحرين، في شباط /فبراير من العام 2022، جديرة بالملاحظة بشكل خاص. بصرف النظر عن التكريم والهيبة التي حظي بها، كانت هناك تقارير مستفيضة، حول تعزيز العلاقات الأمنية بين إسرائيل والبحرين والإمارات. تنضم هذه التقارير إلى الانتقادات التي أعربت عنها شخصيات بحرينية بارزة، لإيران و"وكلائها".

وقد برز تطور مهم آخر، وهو الشعور المتزايد بالتهديد بين دول الخليج. فقد زاد هذا الشعور في عدد من المناسبات، كان آخرها خلال زيارة الرئيس "هرتسوغ" إلى الإمارات، في أواخر كانون الثاني /يناير من العام 2022، عندما أرسل "الحوثيون" وكلاء إيران في اليمن، وابلًا من الصواريخ والطائرات الانتحارية، باتجاه أهداف في السعودية والإمارات. ورافقت عمليات الإطلاق، تهديدات وخطابات عدائية. عندها يصبح الشعور بالتهديد أكثر حدّة، بينما في مواجهة "الوقاحة الإيرانية" من خلال وكلائها، تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن الشرق الأوسط، وتفقد نفوذها ومصداقيتها في أعين القادة المحليين.

يبدو أن دول الخليج قد عبرت بالفعل "نهر روبيكون"(طريق اللا عودة)، من حيث إظهار علاقاتها العميقة مع إسرائيل. من خلال ما تم التوقيع عليه من الاتفاقيات الاقتصادية وغيرها من الاتفاقيات، والزيارات الرسمية التي تمت تغطيتها على نطاق واسع، والحركة الجوية النشطة، والتحقق من التطبيع بمعناه الأوسع، من خلال الدعاية فيما يتعلق بالروابط الأمنية الواسعة. بصرف النظر عن التنسيق السياسي والاستخباراتي، كانت هناك تقارير رسمية عن صفقات أسلحة، والمشاركة في تدريبات مشتركة. بروز العلاقات هذا "مثير للإعجاب"، عند مقارنته بطبيعة العلاقات مع مصر والأردن. ويمكن أن يُعزى هذا التطور المهم إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أحدها هو الشعور المتزايد "بالتهديد من إيران ووكلائها"، لا سيما في ضوء التقييم بأن أي اتفاق نووي جديد، سيزيد من حرية إيران في التصرف بقوة. والثاني هو الانسحاب المستمر للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والشعور السائد بين العديد من حلفائها الإقليميين، بأنه لم يعد من الممكن الاعتماد على واشنطن. السبب الثالث يتعلق بالإدراك المفاهيمي والاستراتيجي بين قادة الخليج، للمساهمة المحتملة للعلاقات مع إسرائيل، في تعزيز مصالحهم الاستراتيجية والوطنية. بمجرد أن تصبح القضية الفلسطينية "عبئًا استراتيجيًا" على أكتاف هذه الدول وقادتها، يتقلص التزامهم تجاه الفلسطينيين بالكلمات، ويزداد مجال المناورة لديهم.

التطور الآخر الذي غير التوازن، ويمكن أن يساعد في إنشاء تحالف إقليمي، هو ارتباط إسرائيل بالقيادة المركزية للولايات المتحدة (CENTCOM)، والذي في حد ذاته يسهل تعاونًا تشغيليًا أكبر، بما في ذلك مع الرعاية الأمريكية، بين "إسرائيل" ودول الخليج ومصر والأردن.

بالإضافة إلى ذلك، توصلت دول الخليج في كانون الثاني /يناير من العام 2021، إلى اتفاق مصالحة مع قطر، بعد مقاطعة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، مما أتاح تعاونًا عربيًا أوثق، على الورق على الأقل.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التحالف العربي الإقليمي سيمكنها من تخفيض عديد القوات الأمريكية على الأرض، مع اتخاذ خطوات في نفس الوقت، للحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام مبادرة تحالف عسكري إقليمي. فالتجارب السابقة تُظهر، فشل العديد من المحاولات في إقامة تعاون عسكري بين الدول العربية. ففي العام 2015، قررت جامعة الدول العربية تشكيل قوة عسكرية مشتركة، قوامها 40 ألف جندي. كان من المفترض أن توفر مصر القوة القتالية الرئيسية، بينما ستمول دول الخليج المشروع. وفي العام 2016، أعلنت السعودية عن إنشاء تحالف عسكري، يتألف من 34 دولة إسلامية، لمحاربة المنظمات الفرعية مثل الدولة الإسلامية. لم يتم حتى الآن تحقيق أي من هذه الخطط الطموحة. بصرف النظر عن الإمارات، وجدت السعودية صعوبة أيضًا، في تجنيد شركاء ملتزمين على المدى الطويل، للتحالف الذي أنشأته للقتال في اليمن.

هناك صعوبة أخرى تتمثل، في الاختلاف بين كيفية إدراك الدول المختلفة للتهديد. بالنسبة لدول الخليج، إيران هي التهديد المركزي. بينما الدول الإسلامية المهمة، مثل باكستان ودول المغرب العربي ومصر، لا تضع التهديد الإيراني في المركز، وذلك بشكل جزئي لتجنب إلقاء الظلال على علاقاتها مع طهران. ومن المشكوك فيه أن الدول العربية ستكون مستعدة، للالتزام بنوع المساعدة المتبادلة الذي يشكل أساس أي تحالف عسكري مهم، مثل المادة 5 من معاهدة الناتو.

هناك صعوبة أخرى مرتبطة بالخلافات العربية البينية. ففي بعض الأحيان، حتى العدو المشترك، ليس أساسًا متينًا بما فيه الكفاية للتحالف. وكان من الصعب دائمًا، تحقيق الوحدة بين الدول العربية. إن الخصومات القبلية والعائلية والشخصية، والنزاعات الإقليمية، والمصالح المتنافسة، والمواقف المتباينة تجاه إيران والإخوان المسلمين، قد شوهت العلاقات. كما يطور كل بلد، استجاباته الخاصة لتهديد معين وإدراك مدى خطورته. ومن المتوقع أن يتسبب هذا الوضع في خلافات، على سبيل المثال، حول قيادة أي قوة مستقبلية. في هذا السياق، من المحتمل أن تكون هناك خلافات بين السعودية ومصر، اللتين تمتلكان أكبر جيوش من جميع الشركاء المحتملين، أو حتى بين الإمارات، التي تمتلك الجيش العربي الأكثر تقدمًا وتدريبًا على أعلى مستوى، وتظهر طموحات للقيادة والتأثير في العالم العربي.

هل يمكن إدراج إسرائيل في التحالف؟

لإسرائيل مصلحة، بالتأكيد في المدى القصير إلى المتوسط، في إنشاء تحالف عربي يرى إسرائيل كشريك موثوق به ومنخرط ومؤثر، وربما لاحقًا حتى كشريك كامل، سيركز على "النضال ضد تدخل إيران" في دول الشرق الأوسط، ونفوذها المتزايد في المنطقة. إذا أصبح مثل هذا التحالف حقيقة، فإنه سيؤكد أن التهديد من إيران لا يتعلق فقط بجهودها للحصول على أسلحة نووية، ولكن أيضًا صراعها العنيف الذي لا نهاية له، بما في ذلك استخدام "الوكلاء"، للهيمنة الإقليمية.

ومع ذلك ، بالرغم من اتفاقات أبراهام، والأهمية المتزايدة التي أُعطيت للتعاون، بما في ذلك في المسائل الأمنية، بين إسرائيل ودول الخليج، فإن الطريق إلى إنشاء قوة قتالية مشتركة تضم "إسرائيل"، لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات. على الرغم من أن دول الخليج يمكن أن تستفيد من العديد من المزايا من التحالف العسكري مع "إسرائيل"، بما في ذلك مساهمة استخباراتية وعسكرية كبيرة، إلا أنها قد تجد نفسها عرضة لتهديدات إيرانية أكثر إلحاحًا. أي تقارب آخر مع إسرائيل يمكن أن يضر بهم. علاوة على ذلك، من الصعب رؤية احتمال وجود أي استعداد خليجي لمثل هذا التحالف العسكري، دون مشاركة أو قيادة أمريكية كبيرة، مما يعني الانضمام إلى مبادرة أمريكية كائتلاف تقوده الولايات المتحدة.

من جانبها، لا مصلحة لـ"إسرائيل" في تقييد نفسها، من خلال الالتزامات الناشئة عن التحالف العسكري بالمعنى الكلاسيكي، أي الالتزام بالمشاركة في صراعات لا تعنيها. علاوة على ذلك، سيؤثر إنشاء تحالف عسكري على العلاقة الحميمة اللازمة للتعاون من هذا النوع، ومن المرجح أن يؤدي إلى رد إيراني، ترغب إسرائيل ودول الخليج في تجنبه.

لذلك، إذا كانت إسرائيل ترغب في تعزيز تحالف عسكري إقليمي - حتى بدون مشاركتها الكاملة، ولكن من خلال تعاونها الهادف والمؤثر - فعليها أولاً تجنيد الولايات المتحدة، والتصرف بقدر أقل من الأهمية، والحرص على وضع أساس ثابت لأي تحالف واسع. اتحاد يضم عنصرًا عسكريًا إلى جانب العديد من المكونات المدنية. يجب أن تركز التحركات الأولى في هذا السياق على إقامة تعاون تحت الرادار، على سبيل المثال من خلال إحباط تهريب الأسلحة الإيرانية، أو إنشاء صورة جوية متكاملة للتعامل مع التهديدات المشتركة، مثل بناء وتشغيل قدرات صاروخية أرض-أرض إيرانية وقدرات الطائرات بدون طيار، سواء من قبل إيران نفسها أو من قبل "وكلائها".

إلى جانب هذه الجهود، يجب مواصلة المشاركة في المناورات الإقليمية، وتعزيز التعاون التكنولوجي، وقبل كل شيء الجهود المبذولة لتكملة المكونات العسكرية بمكونات مدنية - التعاون في الشؤون الاقتصادية، والبنية التحتية، والثقافة، والمسائل البيئية. نظرًا لأن العديد من هذه المكونات مدرجة بالفعل على أجندة العلاقات بين الدول، ووسيلة لإنشاء البنية التحتية للتعاون الإقليمي، فسيكون من الأسهل على القيادة الخليجية إنشاء تحالف إقليمي مدني، يمكن أن يتطور إلى تعاون عسكري. إن التقليل من أهمية الجانب العسكري، مع التأكيد على التعاون المدني والمشاركة الأمريكية النشطة، من شأنه أن يزيد من احتمالية تشكيل تحالف عسكري بين "إسرائيل" والدول العربية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور