الثلاثاء 06 نيسان , 2021 12:54

موازين القوى لم تعد كما كانت

الرؤساء الإيراني والصيني والروسي

تُعد نظرية الردع استراتيجية عسكرية اكتسبت أهميةً عالية خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية بعد بروز الأسلحة النووية. هذه الأسلحة التي تتصف بقوّتها التدميرية كافية لتردع أي خصم أو عدو مع حمايتها من التدمير بأي هجوم مفاجئ.

هي نمط وقائي لها هدف منع أي عدو محتمل من التحرك عسكرياً من خلال تهديده بالانتقام نووياً يتم حسابها بشكل يجعل من نتائجها المادية المحتملة تمثل خطراً غير مقبول قياساً للأهداف السياسية التي ينبغي التوصل إليها من مبادرته العدوانية.

"يجب أن يكون جاهزاً دائماً لكنه لم يستخدم أبداً" كان هذا التوصيف الأدق لأحد واضعي الاستراتيجية النووية الأمريكية برنارد برودي عام 1959. فرغم سباق التسلح الذي ساد في تلك الحقبة، إلا أنَّ أحداً لم يكُن يجرؤ على استخدامه فالقدرة التدميرية لن تصيب الهدف فقط بل كل القطر المحيط به والدولة المضيفة، فقدرة طرف ما على إيذاء الطرف الآخر بشكل جنوني خطِر كافٍ لجعل الأخير يسعى جاهداً لتفادي هذا الجنون.

وتبرز المعادلة كالتالي: انظر، هذه قدرتي على تدميرك تجنبّها ولا تتجاوز الخطوط الحمر. وكلما كانت هذه القوة كبيرة ومحصّنة كانت قدرة جعلها "قوّة مساومة" أكبر. ليتحوّل بذلك السلاح النووي إلى سلاح سياسي تتخذ قراره السلطة السياسية لا العسكرية. 

في هذا الصدد يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وينستون تشيرشيل عام 1955: "الأمن وليد الرعب، الذي يحمي كلا الطرفين من الإبادة".

وعليه فإن نظام الأمن الجماعي الذي أكدّ عليه ميثاق الأمم المتحدة كمنطلق للسياسات الدولية من أجل إحلال السلم والأمن الدوليين تراجع إلى حد الاختفاء أمام نظام عالمي جديد يقوم على إحلال الأمن من خلال "توازن الرعب".

وتتحذ نظرية الردع أشكالاً عدّة أهمها:

- الردع بالعقاب: وهو تهديد الخصم بقوة الطرف الآخر إن لم يرتدع، ويستند هذا الأسلوب على مفهوم الأضرار غير القابلة للتنفيذ بما في ذلك الانتقام النووي الشامل، وهذا يكون بحال الردع العسكري.

- الردع بالإغراء: بتقديم المزايا العسكرية أو الاقتصادية وقد تكون معنوية أيضاً للخصم إذا تخلى عن الاضرار بمصالح الطرف الآخر.

- الردع بالاطمئنان: ويكون عبر إيصال رسائل للخصم مفادها أنك لا تريد من حشد قوتك وتطويرها إلا أغراض دفاعية، وهي عبارة عن رسائل ما بين السطور لمدى القوة العسكرية.

- الردع بالحرمان: وهو التهديد بحرمان الخصم من مصالح كان الطرف آخر يمنحها له أو يؤثر على أطراف أخرى لمنعها من تقديم تلك المصالح له.

وقد تطورت مذاهب سياسة الردع النووي من: "الرد الكلي" الذي يعني أن أي اعتداء صغير يؤدي إلى رد مكثّف بما فيه السلاح النووي إلى ما يُسمى محاولة تأمين "الرد المحكم".

ويبقى مفهوم توازن الردع أو موازين القوى غامضاً أو مبهماً لدى البعض لكن يمكن تعريفه على انه "نقطة التعادل بين قوتين أو دولتين متعارضتين، وأحد أهم الوسائل والأدوات الدبلوماسية للدول".

اليوم وبعد الثورة الاسلامية تبدّلت موازين القوى التي كانت تحتكرها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً، برزت على الساحة الدولية أقطاب جديدة باتت تشكّل خطراً على هيمنة الولايات المتحدة التي كانت منذ وقتٍ طويل ترسم سياسات أحادية القطب تعود عليها بالمصالح.

الصين وروسيا وإيران حلف جديد فاعل ومؤثرعلى أرض الملعب الدولي، وبات لكل واحد منهم سياسته الخاصة التي يعمل على تطبيقها بالتحالفات والاتفاقيات الثنائية والمتعددة والتموضعات التي لم يعد للولايات المتحدة يداً طائلة لتتحكم بها كما كان عليه الأمر قبل ذلك.

في المقلب الآخر هناك معادلات ردع أثبتت فعاليتها وقوّتها بعيداً عن أسلحة الدمار الشامل، فقليلاً ما نسمع عن معادلة ردعٍ بين "دولة" من جهة و"حزب" أو "فصائل"، أو "مقاومة" من جهة أخرى.  

واذا ما أمعنّا النظر في تلك الدول الصغيرة التي كانت الولايات المتحدة تضعها على طاولة سياستها الخارجية وتشير إليها برأس قلم الرصاص كلبنان مثلاً، سنجدها اليوم باتت تشارك في إعادة رسم موازين القوى على الساحة الإقليمية، خاصة بعد ان استطاع لبنان بفضل مقاومته رسم معادلةِ ردعٍ على الحدود مع فلسطين المحتلة. تلك المعادلة التي لم تحتاج يوماً إلى أسلحة نووية بل إلى الكثير من الإرادة والمقاومة والروح والعزيمة والتضحيات.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور