الخميس 07 تشرين أول , 2021 03:11

"قسد" مذعورة بعد مشهد الانسحاب الأميركي في أفغانستان!

لا يزال انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان، بالطريقة والصور التي ظهرت أمام العالم، يغّير من وجه التحالفات والمواقف ويبدّل نظرة وثقة الدول أو الأشخاص التي تُعد حليفة واشنطن ومنفذة لمصالحها في المنطقة، كما يعتري هؤلاء القلق والشكوك حول هذا الحليف الذي بدا لهم غير ثابت في العلاقات والمواقف، فمن كان يقاطع أنظمة تعتبرها الولايات المتحدة عدوّة لها في المنطقة صاروا اليوم يطالبون بإعادة فتح الطرق والمفاوضات معهم.   

فمنذ سنتين، كانت رئيسة اللجنة التنفيذية في "مجلس سوريا الديمقراطية"، إلهام أحمد، قد طالبت من على منابر واشنطن بتغيير النظام السوري. وللمفارقة، تقوم اليوم من ذات المكان بالمطالبة بفتح قنوات حوارية مع النظام ذاته، وذلك أثناء مشاركتها بندوة افتراضية بعنوان "تأكيد التزامات الولايات المتحدة في الخارج: رؤية مجلس سوريا الديمقراطي"، من على منصة معهد واشنطن بتاريخ 27 أيلول 2021، خلال فترة تواجدها في الولايات المتحدة ولقائها مع عدد من المسؤولين في إدارة بايدن.

 لقد دبّ الذعر في "قوات سوريا الديمقراطية" بفعل الانسحاب المهزوم من أفغانستان، فسارع ذراعها السياسي، "مسد"، إلى استجداء دعم الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي لتكريس حل سياسي مع "النظام السوري". وبعدما كانت الإدارة الأمريكية متزمتة من "النظام السوري" وتمارس أقصى الضغوطات عليه، باتت كما تقول الرئيسة التنفيذية "لمسد": "ليست ضد أو معارضة لأي حوار مع النظام". وبالتوازي، ومن موقع الضعيف أيضًا، أبدت "مسد" جهوزيتها للتفاوض مع تركيا، العدو اللدود للقضية الكردية، والهدف هو تأمين ظهر المناطق الإدارة الذاتية عند حلول استحقاق موعد التخلي الأمريكي عن وكيله ضمن سياسات الإدارة الأمريكية المعهودة بانتظار الوقت المناسب بما تقتضيه المصلحة الأمريكية. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تفِ لرئيسة اللجنة نفسها بتأمين "منطقة آمنة قريبًا" لقسد كما كان وعدها ترمب في زيارتها الماضية، إلا أنها تراهن على ذات الحجر، وتنتظر من إدارة بايدن أداء دور الضامن في عملية سياسية وحوار مباشر مع النظام السوري ضمن إطار مشروع لا مركزية سياسية وثقافية؛ تكون فيها الحوكمة في شمال شرق سوريا أنموذجًا في سوريا بأكملها

 ميدانيًّا، فشلت سنوات عدة من الشراكة الأمريكية مع أكراد شمال شرقي سوريا في تذليل معوقات الحوكمة في مناطق الإدارة الذاتية ولم تنجح إجراءات التعزيز الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية أو مجلسها السياسي في تجاوز التحدّيات البنيوية للشريك الكردي. ما زالت الإدارة الذاتية تعاني من تحديات أمنية تتمثّل بداعش والجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا؛ وتحديات اقتصادية بفعل الافتقار إلى المعابر والموارد الكافية رغم سرقة نفط الشعب السوري وتهريبه بحماية أمريكية خارج البلاد عبر معبر الوليد باتجاه العراق؛ وتحديات إقليمية تجسّدها طبيعة العلاقة بين تركيا والقضية الكردية؛ وتحديات سياسية تكمن في تطوير حوار سياسي مباشر يساهم في تطوير الحل السياسي للصراع السوري.

 إنه أمر ملفت أن يأمل الوكيل الكردي نجاح مساعيه في تدارك هذه التحديات في وقت بات يترنح فيه الشريك الأمريكي بعد عقد من فشل الإنجازات الاستراتيجية السياسية والعسكرية. بيد أن الأمر الأكثر مدعاة للاستغراب هو أن رئيسة اللجنة التنفيذية لمسد بما تمثله لم تتجاوز في الندوة هذه الثغرات فحسب، وإنما ابتعدت عن الواقعية تمامًا وهي تطوي صفحة التخلي الأمريكي عن الأفغاني كليًّا، وتمنّي النفس بقولها إن "سوريا لا تشبه أفغانستان، وإن واشنطن بإمكانها أن تخلق توازنًا في الملف السوري". تجزم أحمد أن "الانسحاب الأمريكي من سوريا ليس موضوعًا على طاولة النقاش أبدًا"، وهو ما يتناقض مع ما وجده ديفيد بولوك، الباحث في في معهد واشنطن، خلال اتصالاته مع عدد من مسؤولي إدارة بايدن. فقد لمس الأول رغبة أمريكية لتمكين قسد تحضيرًا لمرحلة مستقبلية وأن "الولايات المتحدة في المرحلة المستقبلية تلك لن تكون متواجدة في المنطقة، رغم أن المرحلة الانتقالية لها لن تبدأ قبل سنة أو ستة أشهر على الأقل"، على حد تعبير بولوك.

 وإذ تستدرك أحمد وتترك مجالًا لخط العودة باعتماد منحى عقلاني قائلة: " نتمنى ألّا يؤثر على هذا الموضوع أي عوامل أخرى في الأيام المقبلة"، فإن هذا الأمر إما ينفي التأكيد الذي قالت به عن لسان المسؤولين في الإدارة الأمريكية أو يعكس عدم قدرة هؤلاء على طمأنتها بشكل كاف، أو عدم ثقتها التامة بما ورد عنهم. وبعيدًا عن العقلانية، تظهر براغماتية مسد بما قامت به أحمد من إرضاء للشريك الأمريكي واستدرار القبول التركي على حساب رفيق السلاح، حزب العمال الكردستاني؛ فتحصر علاقة قسد بحزب العمال الكردستاني في إطار الالتزام الأخلاقي بمساهمات الأخير في مكافحة الإرهاب، وتنفي الانتماء كليًّا إليه، بل وترى في النظر إلى الإدارة الذاتية "كجزء من حزب العمال أمرًا بعيدًا عن الواقع". 

 ويحمل حديث إلهام أحمد مؤشرات على قوة الموقف السوري حيث يشكل النظام العائق بالنسبة لطرح مجلس سوريا الديمقراطية حول المركزية المنشودة من قبل الأكراد، فالضوء الأخضر الأمريكي جاهز لبدء الحوار ولكن المشكلة في مدى استعداد النظام وماهية رؤيته للطريقة الفضلى في استعادة سيادته وبسط سيطرته على الأراضي السورية كافة. لذا، تسعى أحمد بالتعاون مع الأمريكي إلى التوسط لتليين الموقف السوري وضمان تطوير الحوار حول قبول مبادرة الحل. وفي حين تقرّ أحمد بأن مساعيها في موسكو قبلًا للحصول على وساطتها وضمانات لها مع الحكومة السورية قد لا يكون ضمن إطار ما يطلبه المجلس، إلا أنها ترجّح أن يستجيب الكرملين لمطلبها ويمارس "دور المحايد في سبيل التقدم في الحوار مع النظام"، وذلك إيمانًا بأنه لا يمكن تجاوز دور الطرف الروسي في أي قضية تخص الملف السوري.

 ويمكن تسجيل رهانات أو تطلعات مجلس سوريا الديمقراطية على المدى المنظور والمستقبلي، استنادًا إلى ما صرّحت به أحمد خلال الندوة، في النقاط التالية:

أولًا: تراهن مسد على إعفاء مناطق الإدارة الذاتية من العقوبات الأمريكية بما يفتح المجال الاستثماري للشركات الاقتصادية، وتحديدًا النفطية منها، والعمل على إعادة تأهيل البنى التحتية فيها.

ثانيًا: إطلاق حوار وإجراء مفاوضات مع تركيا بوساطة أمريكية أو روسية بما يخلق معه وضعًا جديدًا من إعادة البناء أو التعاون الجديد بين قسد وتركيا. بالنسبة لإلهام أحمد، فإن مسد "ليس لديها عداء تجاه تركيا ولا تبحث عن حروب أو فتح معارك"، وإنما الأخيرة "تحمل عداء تاريخيًّا مع الشعب الكردي الذي يعاني من عنصرية حكومة العدالة والتنمية". 

ثالثًا: إجراء انتخابات في مناطق الإدارة الذاتية تشارك فيها كل المكونات الموجودة علمًا أن هناك عقدًا اجتماعيًّا قيد التحضير حاليًّا، وهي خطوات تأمل أحمد أن تعطي قسد من خلالها صورة مغايرة عن حزب العمال الكردستاني سواء لدى تركيا أو المجتمع الدولي.

رابعًا: تشكل عودة انبعاث "داعش" واستعادة نفوذها وزيادة تهديدها رافعة قبول لقسد لدى قوات التحالف والجهات الدولية والأمم المتحدة، ودافعًا باتجاه تعاون دولي مشترك لإدارة المخيمات، وتأمين عودة نساء عناصر التنظيم إلى بلادهن والضغط على الحكومة العراقية لاستعادة رعاياها، إضافة إلى إعادة تأهيل النزلاء وإعداد المحاكم للمحاسبة.

خامسًا: تتطلع أحمد إلى دور "إسرائيلي إيجابي يمنع تحول سوريا إلى منطقة لفض النزاعات الإقليمية" مع الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة معايير في حساباتها: الاعتراف بالكيان كـ "دولة في المنطقة"؛ الجيرة عبر الحدود الجغرافية المشتركة بين الكيان وسوريا فالأول بتعبير أحمد "دولة جيران"؛ وتأثير "إسرائيل" في المنطقة

سادسًا: تطوير العلاقات والسياسات المشتركة بين قسد وإقليم كردستان وإجراء حوار جاد بينهما بلحاظ الفوائد المشتركة والمصالح الجامعة، مع ضرورة بذل المزيد من الجهود لإنهاء الخلافات التي تسببها تركيا وفقًا لرئيسة المجلس، إلهام أحمد.

 إن ما يأمله مجلس سوريا الديمقراطي لا يعبّر إلا عن تخبط في الرؤية نتيجة خوف واقعي، لا يراد الاعتراف به، مما قد تحمله الأيام المستقبلية للأكراد في شمال شرقي سوريا. إن التطلعات تحمل نظرة واهمة لما يراد من الأمريكي أن ينجزه بينما لم يأتِ به وهو في موقع أفضل مما هو عليه في المرحلة الحالية. أما الخوف الأكبر والحقيقي فهو أن تكون رهانات مجلس سوريا الديمقراطية على مصير الشعب الكردي نفسه. 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور