الإثنين 06 أيلول , 2021 05:30

أفغانستان حلبة صراع بين الصين وامريكا من بوابة الاقتصاد

على الرغم من خروج قواتها العسكرية منهزمة من كابول، تسعى واشنطن لإستعادة سيطرتها بطرق أخرى لقطع الطريق على بكين التي بدأت بالاستثمار إقتصادياً مع أفغانستان، ما قد يؤدي الى صراعات من نوع آخر.

في هذا السياق، مقال لمركز دراسات "جريان" تحت عنوان" أفغانستان  مسرح اللعبة الكبرى بين الصين والولايات المتحدة" يعالج فيه التطورات المرتقبة بعد الانسحاب الاميركي من أفغانستان والاحداث التي تلته، ويعرض دور الدول الكبرى ( الولايات المتحدة، الصين، روسيا ) في الامساك بزمام الامور على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

النص المترجم

التطورات المرتقبة في أفغانستان جعلت من الصعب التكهن بمستقبل هذا البلد وأما الملاحظة التي یتفق علیها الجميع، هي تفعيل دور اللاعبين الذین طالما حاولوا من قبل الوقوف في هامش الأحداث.

یعد إنهيار حكومة أشرف غني في أفغانستان وسيطرة طالبان على جميع أنحاء البلاد باستثناء وادي بنجشير، تغييراً استراتيجياً التي ستشعر به المنطقة لسنوات عديدة. یبدو من وراء تسريب خبر واشنطن بوست عن لقاء مدير وكالة المخابرات المركزية "وليام بيرنز" مع "الملا عبد الغني برادر" في كابول، بوضوح ألا ينبغي الافتراض أن لعبة واشنطن في أفغانستان قد انتهت، بل سیبقی هذا البلد یرمي بثقله على التطورات الداخلية في البلاد. لقد أظهرت حركة طالبان أنها بالفعل تسعى للحصول على ثقة دولية للوصول إلى مكتسبات وعلاقات حكومة أشرف غني في أفغانستان.

أفغانستان البلد الذي یعیش ویقتات علی المساعدات الدولية منذ سنوات، لذلك فإن منع وصول الموارد الأجنبية واحتمال فرض عقوبات مالية، یمكن أن یترتب علیها كحد أدنی عواقب خطيرة وواسعة علی المدی القصير والمتوسط.

في خضم ذلك، ربما قد تتورط سائر دول جوار أفغانستان، كل منهم بطريقة ما في آتون لعبة کبیرة في أفغانستان، ولكن هذه المرة على عكس تحولات الثمانينيات والتسعينيات، هناك لاعب جديد يظهر في الساحة الاقليمية. أنها الصين حيث القوة التي تعزو التطورات الراهنة في أفغانستان إلى أمنها القومي.

بكين وكابول، من جيران عاديين، الى معركة مشتركة مع السوفييت

أن العلاقات الصينية الأفغانية لها سابقة طويلة وعلى الأقل هناك دلائل تشير علی وجود 4000 عام من العلاقات الثقافية والسياسية بين الجانبين وقد أنشأت العلاقات بين الحكومة الشيوعية الصينة وأفغانستان في الخمسينيات حینما اعتبرت بكين نفسها علی صعید التنافس بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، الداعمة لدول العالم.

في أواخر السبعينيات للقرن العشرین، حينما إحتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان، اعتبرت الصين هذه الخطوة بمثابة الهجوم على أمنها القومي، التي أعاقت عملیة تطبیع العلاقات مع موسكو. كانت الصين في الثمانينيات، كعدید من الدول التي دعمت نضال مجاهدين الأفغان ضد الإحتلال السوفيتي.

علی الرغم من أن کانت صواریخ ارض الجو الصینبة المحمولة علی الأکتاف، أقل فعالیة مقارنة بالنماذج الغربیة، إلا أن کان العمل بها أسهل وتتطلب أقل التدریبات وکانت تصل معظم هذه المساعدات إلی إفغانستان، عبر باكستان كحليف استراتيجي. كانت الصين في التسعينيات، لاعباً سلبياً في طور التحولات في أفغانستان، حيث سعت بالمساعدة مع الروس، لمنع انتشار التطرف والإرهاب نحو آسيا الوسطى.

العمل الإقتصادي، الأولویة للصین

في عام 2001 عندما احتلت أمیركا أفغانستان بذریعة حمایة طالبان للقاعدة، وجدت الصين نفسها أمام معادلة صعبة. من جهة، من الممكن أن یصبح إنتشار التواجد الأمريكي في أفغانستان تهديدًا خطيرًا لبكين، ومن جهة آخر، فإن أنشطة طالبان، التي فتحت الباب لأنشطة الجماعات المتطرفة الأخرى، تشكل تهديدًا استراتيجيًا على بكين. في حین سعت الصين، طیلة فترة تواجد القوات الأمیریكیة في أفغانستان إلی تعزیز تواجدها الاقتصادي في هذا البلد.

هناك أمثلة على مثل هذه الاستثمارات في قطاع التعدين في أفغانستان. في هذا الصدد جدیر بالذکر أن أفغانستان تمتلك من النماجم تحت الأرض ما یصل قيمتها تريليون دولار حیث یكون مغریاً لأي بلد للإستثمار.

 في عام 2008، استخرجت شركة المجموعة الصينية للمعادن (MCC) وكونسورتيوم Jiangxi Copper Company Limited، ثاني أكبر احتياطيات النحاس في العالم، بعقد إيجار مدته 30 عاماَ. وفي عام 2011، فازت شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) بمناقصة بقيمة 400 مليون دولار لحفر ثلاثة حقول نفطية لمدة 30 عامًا. ومع ذلك، ولأسباب مختلفة، لم يتجاوز التواجد الصيني الإقتصادي من عتبة الاستثمار في قطاع التعدين في أفغانستان والتي لم يتمكن من تحقيق أهدافه في هذا المجال أیضاً.

لم ترغب حكومة أشرف غني من الإستفادة من القروض الصينية العالية الفائدة وكانت أفغانستان حريصة على الاتصال بمياه الخليج الفارسي عبر ميناء "تشابهار"، حيث كانت الحكومة الهندية المستثمرة الرئيسية فيه. مع السقوط المفاجئ، لحكومة أشرف غني وسيطرة طالبان على أفغانستان، تغيرت كل المعادلات وتجد الصین نفسها أمام، معضلات اکثر تعقیداً.

من الإنسحاب المسؤول إلی الإستعجاب من ممارسات الأمریکیین

استثمرت الصين علی مر السنین بكثافة في ممرها التجاري مع باكستان. يربط هذا الممر التجاري، الصين إلى بحر عمان عبر باكستان وميناء جوادر، ومن جانب آخر، إنه يحدد ممرًا موازيًا عبر دول آسيا الوسطى إلى إيران ومن ثم إلى تركيا و وتم تقدیم سائر الطرق المحتملة من آسیا الوسطی إلی ترکیه  المسمی ب" خط لاجورد" کمنافسین لإیران.

أن هيمنة طالبان على أفغانستان واحتمال الفوضی وانعدام الأمن في أفغانستان، أثارت قلق بكين، فیما یتعلق  بتوفیر أمن هذه الممرات، لا سیما وأن هناك سابقة لشن هجمات محتملة  ضد الصينيين من قبل الفصائل الموالیة لطالبان في باكستان. في هذا الصدد لدی وكالات الاستخبارات الصينية شكوك عدیدة بشأن طریقة تعامل أمیرکا مع طالبان وربما مع الفصائل الأكثر قوة منها.

مجموع هذه العوامل دفعت الصين إلى طرح مسألة الإنسحاب المسؤول، في شأن كيفية إنسحاب الأمريكيين من أفغانستان، لكن ما حدث في أفغانستان الیوم لم يكن مجرد عمل مسؤول فحسب، بل تسبب بخلق نوعًا من الفوضى في ذلک البلد. طبعاً، منذ فترة طویلة سعت الصين إلى تحدید علاقاتها مع طالبان، في إطار تشکل سیاسي مستقل، ومثال علی ذلک یمکن الإشارة إلی لقاء وزیرخارجة الصین بوفد طالبان في" تیاجین"، أما السئوال الذي یطرح نفسه هو، ما هي المخاطر والفرص التي تواجهها الصين في الوقت الراهن في أفغانستان؟

المعادن والممرات کاللغة المشتركة لدی البلدین

لدی الصين وأفغانستان حدود مشترکة بطول 76 كيلومتر، في واحدة من أکثر المناطق الوعرة في العالم. هذه المنطقة الثلجية؛ تفتقر إلى الطرق المناسبة لعبور السيارات، لكن أطلقت وزارة الأشغال العامة خطة لبناء الطرق في المنطقة بحیث یمکنها من إيجاد تغییر في شکل المسار. إن إحداث الطريق الافتراضي من منطقة "دالاخان" إلى هرات ومن ثم إلی الحدود الإيرانية، یعد ممرًا جديدًا وقصیراً لربط الصين بإيران ومن ثم بأوروبا. بالإضافة إلی کل ذلك، تمتلك أفغانستان أحد أهم مناجم العالم في مجال الكوبالت والليثيوم. ربما منذ قبل بضع سنوات لم تكن لهذه العناصر ذات أهمية استراتيجية في مجال الصناعة، ولكن مع زيادة خطورة تطوير الآلات الكهربائية، تم تقديم بلدان صاحب، هذین العنصرين كبدائل لدول النفط في العالم، علی غرار إنقلاب 2019 في بولفيا حيث إعتبر محاولة للإستلاء علی مناجم الليثيوم في البلاد. فتواجد هذه المعادن يمكن أن یکون حافزاً جاداً لدولة مثل الصین، علی حضورها في افغانستان.

فیما يتعلق بالتعاون الأمني، ينبغي للصين الذهاب نحو الحكام الفعلیین لأفغانستان لمنع انتشار انعدام الأمن نحو المناطق الحساسة للممرات الصينية. في حین أظهر الصينيون أن لدیهم لغة ناعمة للغاية في مجال الدبلوماسية الاقتصادية. في هذا الصدد، الصين، كواحدة من الدول ذات القدرات الفنية والمالية العالیة في أفغانستان، مستعدة لمؤازرة الأفغانیین إذا تصاعد الضغط الاقتصادي الغربي على طالبان، في حين أن تركيا تسعى أيضًا لإغتنام هذه الفرصة، علی غرار إستخدام باكستان من هذه المساعدة.

من جانب آخر، فأن مطالبة طالبان، كوريا الجنوبية بدء العمل في مناجم أفغانستان هو أيضًا مؤشراً على أن بإستطاعة بكين أن تبقی متفائلة في هذا الشأن. في حین بإستطاعتها أن تنظر بجدية إلی فتح مضيق "دالاخان" ؛ ومع إنه لا يوجد حاليًا سوى القوات الصينية المستعدة بتنفیذ أمر رئیس البلاد للرد على أي ممارسات ضد الأمن في المنطقة.

بدء لعبة کبیرة فی افغانستان

أن التنافس الشدید بین الصین وأمیرکا في أفغانستان، یمكن أن لا یختلف عن اللعبة الكبيرة بين بريطانيا وروسيا في آسيا الوسطى.

في حین حذرت بعض الشخیصات السیاسة في الغرب بما في ذلک، مسنق سیاسات الإتحاد الأوروبی" جوزف بورل"، استغلال الصین وروسیا الظروف الراهنة في أفغانستان. طبعاَ لم یکونوا الأمریکیین مکتوفي الأیدي وغیرمبالیین إزاء جهود الصين للنفوذ إلى أفغانستان.

ولعله في الظروف الراهنة، انتشار حالة انعدام الأمن في البلاد، تعد أهم أداة أمريكية فی أفغانستان لمواجهة الممارسات الصينية في البلاد. في حين أن إمکانیة القیام بمثل هذه الإعمال من قبل بعض الجهات قد تکون واردة. في المقابل، يتمتع الصينيون بميزة كبيرة یمکنمهم من خلالها التعويل علی الدول الأخرى، للمساعدة، بشأن قضية أفغانستان. ومن أهم أوراق الصين الرابحة في هذا الصدد، عضوية إيران الدائمة في إتفاقية شنغهاي في الشهر المنصرم. هذا الحادث یوفر إمکانیه تعزیر التعاون بین البلدين علی صعید الحد من انتشار العنف في البلاد. كما تم التأكيد علی هذا الموضوع في الحوار الجاري بين رئيسي الصين وإيران في الآونة الأخیرة. لباكستان ایضاً بإعتبارها أحد حلفاء الصين الإقليميين، تأثيراً عميقاً للغاية على حركة طالبان في المنطقة.

طبعاً طالما أظهرت باكستان أنها تسعى إلى استخدام أفغانستان كورقة علی صعید علاقاتها الدولية، لكن وجود بعض المشاكل في العلاقات بين إسلام أباد وواشنطن، فتحت الباب لمزید من التعاون بین باکستان والصين.

على أية حال، مع الأحداث والتطورات المرتقبة، فإن التنافس الصيني الأمريكي في أفغانستان دخل مرحلة جديدة وليونة مواقف اللآعبین قد تجعل من الصعب القيام بأي تکهن وعلينا انتظار خطواتهم المستقبلية على لعبة الشطرنج في هذه المنطقة من العالم.


المصدر: مركز دراسات "جريان"

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور