الجمعة 26 أيلول , 2025 03:11

الثائر الأممي: السيد حسن نصر الله بين رموز النضال العالمي

محبي السيد حسن نصرالله

على امتداد التاريخ الحديث، برزت شخصيات ثورية تحولت من قادة محليين إلى رموز عالمية للنضال. لم تُحصَر تجاربهم في حدود أوطانهم، بل صارت ملهمة للشعوب في مختلف القارات. نيلسون مانديلا، المهاتما غاندي، تشي غيفارا، جمال عبد الناصر وغيرهم، جسّدوا فكرة أن الثائر الحقيقي يتجاوز الجغرافيا ليصبح ضميرًا عالميًا في مواجهة الاستعمار والظلم. وقد اجتمع هؤلاء على عناصر مشتركة، أبرزها البعد الإنساني لقضاياهم، التضحيات الشخصية، الخطاب الكاريزمي، والتواصل مع حركات التحرر الأخرى، ما جعلهم خالدين في الذاكرة الإنسانية.

في هذا السياق يبرز السيد حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله، كواحد من أبرز الثوار الأمميين المعاصرين. فشخصيته لم تُختزل في قيادة حركة مقاومة لبنانية، بل غدت جزءًا من المشهد الأممي المقاوم، بحيث تداخل اسمه مع قضايا تتجاوز حدود لبنان وفلسطين لتشمل محورًا إقليميًا وعالميًا ضد الاستعمار الجديد والهيمنة الأميركية - الصهيونية.

نصر الله ومسيرة المقاومة

نشأ السيد حسن نصر الله في بيئة دينية ومقاومة، وتأثر بالثورة الإسلامية في إيران وبفكر الإمام الخميني والسيد موسى الصدر. انضم مبكرًا إلى حزب الله، وساهم في ترسيخ نهج المقاومة المسلحة كخيار استراتيجي للتحرير. منذ توليه الأمانة العامة عام 1992، دخلت المقاومة الإسلامية في لبنان مرحلة جديدة؛ فقد طوّر أسلوب الحرب النفسية والإعلامية ضد إسرائيل، وكرّس معادلة "بيت العنكبوت" التي هزّت صورة الجيش الإسرائيلي.

حقق نصر الله إنجازًا تاريخيًا عام 2000 بإجبار الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان بلا قيد أو شرط، في سابقة عربية نوعية. وفي حرب تموز 2006 صمد مع حزبه في وجه آلة عسكرية كبرى، ورسّخ معادلة "ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا" التي أرست توازن ردع استمر حتى 2024. كما لعب دورًا بارزًا في فرض "معادلة كاريش" خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وفي دعم المقاومة الفلسطينية، لا سيما في معركة طوفان الأقصى. وحتى استشهاده، ظل رمزًا للتكامل بين ساحات المقاومة في لبنان وغزة والعراق وسوريا واليمن.

لماذا أصبح ثائرًا أمميًا؟

ما جعل نصر الله ثائرًا أمميًا هو امتلاكه شرعية نضالية ممتدة لأربعة عقود، وتحويله المقاومة إلى نهج حياة، لا مجرد ردة فعل ظرفية. لم يكن مشروعه دفاعًا محليًا فقط، بل نموذجًا لتحرر مستقل يرفض الخضوع للهيمنة الأميركية والصهيونية. قاد محورًا ممتدًا من طهران إلى غزة، ومن بغداد إلى صنعاء، ما وضعه في مصاف أبرز قادة المواجهة العالمية ضد الاستعمار.

كما امتلك خطابًا فريدًا جمع بين العقيدة والسياسة والواقعية الميدانية. خطبه لم تكن مجرد كلمات، بل أدوات استراتيجية للتعبئة وإدارة الحرب النفسية، بحيث تحولت إلى منصة تحدٍ عالمية للهيمنة. وبفضل صدقه وتواضعه، حظي بمكانة شعبية نادرة، إذ قدّم صورة القائد القريب من الناس، الذي يتحدث بلغتهم ويشاركهم همومهم، وفي الوقت نفسه يقود أعقد المعارك.

مقارنة مع رموز النضال العالمي

يمكن وضع نصر الله في مقارنة مع أبرز رموز الثوار الأمميين. مثل مانديلا، استمد شرعيته من مقاومة نظام ظالم، وحوّل السجن أو الحرب إلى فرصة لصياغة مشروع تحرري. مثل غيفارا، قدّم حياته مشروعًا مفتوحًا للمقاومة ولم يتراجع حتى استشهاده. مثل غاندي، عُرف ببساطته وزهده وابتعاده عن المكاسب الشخصية. ومثل كوزو أوكاموتو، أصبح رمزًا للنضال الأممي المتداخل مع القضية الفلسطينية.

هؤلاء جميعًا واجهوا قوى استعمارية كبرى: مانديلا حارب الأبارتهايد المدعوم غربيًا، غاندي قاد حركة الاستقلال ضد بريطانيا، غيفارا حمل السلاح ضد الديكتاتوريات العميلة للولايات المتحدة، وأوكاموتو قاتل إلى جانب الفلسطينيين. أما نصر الله فتصدى للمشروع الصهيوني – الأميركي، الذي يمثل أعقد أشكال الاستعمار المعاصر.

الإرث الأممي بعد الاستشهاد

رحيل السيد حسن نصر الله لم ينهِ مسيرته، بل ثبّت صورته كثائر أممي. فقد تحوّل إلى أيقونة تتجاوز الطوائف والحدود، يلهم المظلومين في كل مكان. واستشهاده في معركة أولي البأس عزّز الالتفاف حول مشروع المقاومة، تمامًا كما خلدت دماء غيفارا في بوليفيا أو مانديلا في السجن.

ولترسيخ صورته كثائر عالمي، تبرز الحاجة إلى استراتيجية إعلامية وثقافية تُبرز سيرته في سياق تاريخي واحد مع غاندي ومانديلا وغيفارا. يتطلب ذلك إنتاج محتوى بحثي وفني وأدبي، وإطلاق حملات رقمية عالمية، ودعم مبادرات فكرية وشبابية تربط اسمه بالمقاومة الأممية، مع مواجهة محاولات تشويه صورته عبر الإعلام الغربي.

إن دراسة شخصية الشهيد السيد حسن نصر الله تكشف أننا أمام قائد لم يقتصر على حدود لبنان، بل قدّم نموذجًا ثوريًا عابرًا للزمن والجغرافيا. لقد شكّل مشروعه المقاوم معادلة جديدة في الصراع العربي – الصهيوني، ورسّخ مفهوم المقاومة كخيار استراتيجي للتحرر. وكما بقي مانديلا وغاندي وغيفارا رموزًا خالدة في الوجدان العالمي، فإن نصر الله، بشخصيته وإنجازاته واستشهاده، يرسّخ حضوره كـ ثائر أممي يمثل إرادة الشعوب في مواجهة الاستعمار والظلم.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور