لا تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، بالرغم من كل اللقاءات التي عُقدت ولا تزال تعقد بين الكيان المؤقت وحكومة أحمد الشرع الجولاني. وأخر هذه الاعتداءات، ما حصل ليل الاثنين 08/09/2025، من غارات استهدفت كلية الدفاع الجوي في محيط مدينة حمص، فيما استهدفت غارات أخرى ثكنة عسكرية في منطقة سقوبين شمال مدينة اللاذقية. وذكرت وكالة الأناضول التركية أيضاً، إن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ غارة في محيط مدينة تدمر الواقعة وسط سوريا.
هذه الاعتداءات دفعت وزارة الخارجية السورية - التي يلتقي وزيرها أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر هذا الأسبوع كما أفادت هيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) – الى إعلان إدانتها لذلك، واصفةً بأنها "تمثل خرقا صارخا لسيادة سوريا وتهدد أمنها واستقرارها الإقليمي"، وداعيةً مجلس الأمن الدولي "لتحمل مسؤوليته واتخاذ موقف حازم يضع حدا لاعتداءات إسرائيل المتكررة".
وكان الأجدر بالشيباني ورئيسه الشرع الجولاني، لو لم يكن خيار التطبيع والاستسلام لإسرائيل بالنسبة لهم هدفاً وليس مناورةً كما يدّعي أنصارهم ومريديهم، أن يعلنوا إيقاف كل اللقاءات المباشرة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مع استمرار هذه الاعتداءات، لكن لا حياة لمن تنادي، فهم كغيرهم أشدّاء على المقاومين أحرار هذه الأمة رحماء على أعدائها.
إسرائيل تريد إخضاع سوريا الشرع
لذلك، يمكن بعد التأمل في سياق الاعتداءات الإسرائيلية منذ سقوط النظام السابق أواخر العام 2024، وأمام مسار مواقف وخطوات السلطة السورية برئاسة أحمد الشرع الجولاني، أن إسرائيل لا تريد مفاوضات واتفاقات ندية بين طرفين، بل تريد إخضاع وإذعان سوريا لها ولأمريكا، بعد أن كانت طوال 53 عاماً عصية على الاستسلام ودولة مركزية في الصراع معهما.
فرغم المنحى العلني الذي أخذته المحادثات بين دمشق وتل أبيب، فإن سلوك تل أبيب وخطابات مسؤوليها وتصرفات جيشها في سوريا، يكشف أن ما يريدوه ليس تسوية متوازنة أو سلامًا متكافئا، بل فرض معادلة إذعان، واستغلال حاجة الشرع الشخصية لبقائه في الحكم. وفي سياق متّصل، تسعى إسرائيل من خلال التصعيد الراهن، إلى تثبيت معادلة التخويف والردع بالنار مع إدارة الشرع ومع أي كيان سياسي آخر في المنطقة ولو كان تابعاً للمحور الأمريكي – كما حصل اليوم في قطر من استهداف للمقر العام لحركة حماس -، كما تريد أن تثبت أن أي مشروع سياسي أو عسكري يمكن أن يُعتبر تهديدًا لها سيواجه بالنار فورا وبدون أي سقف.
وعليه، فإن الرسالة الإسرائيلية واضحة: لا مكان لسوريا ولا لغيرها كدولة قوية وموحدة إلا إذا كانت تابعة بالكامل للاحتلال.
وهذا ما يؤكد عليه أيضاً الكثير من المحللين أيضاً، بأن استمرار الاعتداءات رغم المفاوضات يعكس سقفًا مرتفعا لتوقعات نتنياهو وحكومته، الذين يسعون لفرض اتفاقيات خضوع أكثر منها تسويات سياسية.
وتستثمر إسرائيل في حاجة الشرع وفريقه للحكم والسلطة والحصول على الاعتراف الدولي والمساعدات المالية الخارجية، وهشاشة المرحلة الانتقالية، لفرض متغيرات جيوبوليتيكية غير مسبوقة، وصلت إلى حد التدخل في الشأن الداخلي وتغذية مشاريع التقسيم والفوضى، واحتلال أراض جديدة بحجة منع حصول سيناريو مشايه لما حصل في 7 أكتوبر 2023. وهذا ما عبّر عنه نتنياهو بوضوح حينما أشار لمشروع إسرائيل الكبرى.
الكاتب: غرفة التحرير