الإثنين 23 حزيران , 2025 01:32

الحرب على إيران: معادلات توحش للتحكّم

الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي - الأميركي ، هو إسقاط النظام الإسلامي الولاياتي  في إيران ، للمضي في تكريس المشروع التوسعي الصهيوني و فتح الطريق أمام قيام إسرائيل الكبرى ، لتظهير ليس وجه شرق أوسط جديد و تكريس الهيمنة و العلو على مجمل المنطقة تحت فصل التطبيع و تكريس الديانة الإبراهيمية الجديدة ، بل أيضاً  لتكريس توحش القطب الأوحد الذي يسعى ليحكم مختلف معادلات و دول الكرة الأرضية .  و من ضمن إستراتيجية الرئيس الأميركي : فرض السلام بالقوة ، سيواصل هذا الرئيس توسعه ليبسط نفوذه تباعاً في روسيا و الصين و غيرها من الكيانات الإقليمية و الدولية .

الهدف التكتيكي التشغيلي  هو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية ، وصولاً إلى إكراه  إيران على تفكيكه أو تجميده ، فضلاً عن تقديمها تنازلات أخرى على حساب دورها الإقليمي الداعم للقوى المناهضة للإستكبار الأميركي - الصهيوني  أي تحجيم الدور إلى أقصى مدى .

المشروع كاملاً هو مشروع  أميركا المُخادعة  و بتخطيط مشترك بينها و بين إسرائيل .
لقد أُعلنت الحرب على إيران و تعرضت الجمهورية  الإسلامية لضربات قاسية . و ظهر المخطط المتوحش ضدها من خلال ضربات اليوم الأول فجر يوم الجمعة في 13 حزيران 2025 ، و التي كانت عملية مركّبة أمنية و عسكرية فاقت توقعات الجميع لجهة الإستهداف و لجهة الإختراق . هذا المخطط قام على مسارات أربعة : 
1 - القضاء على القيادة العسكرية و الإستخبارية الإيرانية ، بهدف إفقادها الضبط و السيطرة في الداخل الإيراني و في إدارة الحرب .
2 - القضاء على قائد الثورة و ولي أمرها و الذي يشكل ضمانة إستمرار النظام الإسلامي .
3 - تحرّك العملاء في الداخل لإثارة الفوضى و للقيام بعمليات أمنية مفتعلة بهدف زعزعة النظام و التمهيد للبدء في تحريك الناس لإسقاط النظام . و كان نتنياهو يروّج لفكرة أنه لا يمكن لأحد تصور كيف أن الإمبراطوريات تنهار بسرعة . 
4 - ضرب المفاعلات النووية بالقدر الممكن للتعمية على الهدف الأساس وهو إسقاط النظام . فالعدو يعرف عدم القدرة على إنهاء البرنامج النووي الإيراني عبر الضربات الجوية بسبب التعقيدات الجغرافية لها ، و بسبب المهارة الإيرانية في توزيعها في مناطق متعددة و واسعة و مخفية . إذن المخطط هو بعد سقوط القيام بهجوم بري على منشأة فودو و هي الأكبر و الاهم  لتفكيكها و تدميرها من الداخل لتفادي الوباء و الإشعاع النووي الذي سيطال الدول المجاورة .

القدرة على تنفيذ المخطط أظهر أيضاً 
1 - أن العدو قد نجح في بناء  بنية امنية تخريبية تحتية قوية و صلبة و تقنية  داخل إيران ، تكلمت بعض التقارير عن أن الأجانب مثل الهنود و الأفغان عامودها الفقري ، إلى جانب إثنيات إيرانية محددة  ، ساهمت مساهمة فعالة في الحرب على إيران و شكلت خطر عليها لربما أكثر من الإعتداء الخارجي ، و كانت العنصر الأساس في نجاح الضربة الأولى فجر الجمعة و سقوط القادة الشهداء .

إن فشل المخطط لإغتيال قائد الثورة و ربّان سفينتها في إيران في الضربة الأولى ، أفشل النقطة المركزية في هذا المخطط .. و أنقذ النظام الإسلامي من الفراغ القاتل الممهد لزعزعته  .حيث أن عدم وجود قائد مع غياب القادة العسكريون و الأمنيون نتيجة الضربة ، و في ظل عدم وجود صلاحية لأحد في ملء الفراغات ، سيكون النظام عاجز مشلول و مكشوف و غير قادر على القيام  أو المبادرة أو التصدي ، خصوصاً مع مخطط إستمرار الإغتيالات للقيادات العسكرية و الأمنية و من ثم السياسية و الدينية خصوصاً لتفكيك المجلس المخصص لإنتخاب ولي فقيه .
كما  أن نجاح أجهزة الأمن و الإستخبار المختلفة داخل إيران و لا سيما الدور الحيوي الإستراتيجي الذي قامت به قوات التعبئة الباسيج ، في إلقاء القبض و تفكيك و مطاردة الكثير من هذه الشبكات المتعاملة مع العدو ، هو على درجة بالغة الأهمية في إفشال أهداف العدو بل و التصدي له و خوض حرب في الظل معه أبطالها الباسيج .
و لهذا بدأت إسرائيل بضرب بعض مواقع الباسيج .
و طالما توحدت بشكل طبيعي جهود الباسيج و الحرس الثوري  و الجيش الوطني  ، نجت إيران من مخطط الضربة الأولى الصادمة و إستوعبتها رغم قوتها و عمقها .

  2 - أن إيران تعرضت لخيانة دبلوماسية على حد تعبير وزير خارجيتها  . و تعرضت للخداع و التضليل ، بحسب تعبيرات رئيس جمهوريتها بزرشكيان ،  بدءاً من تثبيت أميركا لموعد جولة التفاوض الجديدة يوم الأحد في 15 حزيران 2025 ، مروراً بتسريب مضمون المكالمة بين نتنياهو و ترامب بشكل لا يطابق الواقع لإيهام إيران بأن لا خطر داهم ، وصولاً إلى خدعة موعد زفاف ابن نتنياهو في إسرائيل ، و للدور الدبلوماسي المُخادع التي قامت به بعض الجهات و الدول .

لقد بدا المشهد كأن إيران لم تلتقط  مؤشرات التحذير الإستراتيجي من التفاصيل و وقعت في سوء تقدير للموقف  بسبب الغفلة عن تحضيرات العدو .
إن التفاصيل الكثيرة المتداولة  للضربات الإسرائيلية التي حصلت في اليوم الأول للحرب عليها أظهر أن هناك إنكشاف أمني بل إختراق صادم ،  أدى لإغتيال معظم قادة الضبط و السيطرة و رجال إدارة الحرب بمظهر شبيه لما حصل مع قوة الرضوان في لبنان ، فضلاً عن عدد كبير من العلماء النوويين ، لتدمير إمتلاك المعرفة و هو الأهم على المدى الإستراتيجي البعيد المدى من تفكيك القدرات النووية . لأن إمتلاك المعرفة سيجعل من المخاوف من إعادة بناء هذه المقدرات أمراً قائماً .  
و من ثم ضرب المقدرات الإيرانية العسكرية من صواريخ و رادارات و مواقع طاقة و مفاعل نووية . في إطار خطة حرب و مراحل معدة مسبقاً ، و مع ظهور وجود مجموعة عمل من داخل إيران  قامت بتنفيذ عمليات تعطيل للدفاعات الجوية الإيرانية و عمليات إطلاق مسيرات و صواريخ ،  هاجمت العديد من الأهداف العسكرية و المدنية و بشكل واضح و كبير ساهم في نجاح الضربات الإسرائيلية ، يكتمل مشهد السيناريو الأول في المرحلة الأولى لخطة الحرب . و مع تسريب  كلام عن تحركات لفرق داعشية و لمجاهدي خلق بهدف زرع البلبلة و محاولة القيام بزعزعة الأمن كخطوة متناسقة مع مجموع ما حصل لفتح الطريق أمام  زعزعة النظام الإيراني . 

بدت إسرائيل أنها نفذت نفس السيناريو اللبناني : 
ضرب القادة
 ضرب المقدرات
و من  بعد ذلك العمل على إخضاع إيران .

 إنقلاب الصورة : 

لقد إستطاعت إيران إنقاذ نفسها من مخطط إسقاطها من الداخل . و إستوعبت  بعد ساعات مجمل ضربات  هذه الخطة ،  و طوّقت تداعياتها بعد  تحرك ميداني للحرس الثوري و الباسيج في الأماكن ذات الصلة و إحباط هذه المحاولة و حصول إعتقالات كبيرة ، و كشف العديد من الطائرات المسيّرة في الداخل و المجهزة في سيارات إستعداداً لإطلاقها و بعض المصانع لتصنيع و تجهيز  المسيّرات و العبوات الناسفة . و خصوصاً بعد ملء الفراغات في رأس هرم القيادة و السيطرة و الإدارة العسكرية .
الملفت أنه طيلة النهار كانت السماء الإيرانية مستباحة و الضربات الإسرائيلية مستمرة في ظل تعطيل كامل للمنظومة الدفاعية الجوية الإيرانية ، الأمر الذي تغير في المساء حيث عادت للعمل بفاعلية و أحبطت العديد من الهجمات و أسقطت العديد من الطائرات . 
المشروع كان كبيراً جداً له علاقة بإسقاط النظام و ليس فقط ضرب القدرة النووية أو إجبار إيران على تقديم تنازلات تفاوضية . هذه أهداف تكتيكية لو نجحت لن يتوقف المشروع الأكبر .

2 - الرد الإيراني المدعوم شعبياً و بقوة و الذي ظهر بصورة الأكثر من متكافئ مع العدوان الصهيوني ، يقول أنه لا مكان الآن لأي مرحلة تفاوض جديدة إلا بعد إعادة التفوق في الردع لتحسين الشروط ، مما يساعدها على العودة بشكل قوي لتواصل تثبيت حقوقها .
لذا فإن هذه الحرب التي أعلنتها إسرائيل و من ورائها أميركا و التي  جاهرت عبر رئيسها ترامب بمشاركته بها و تغطيته لها و مدحه لها ، سوف تستمر حتى تستبين معادلتها السياسية .

 خيارات إيران العسكرية و قدرتها على تخريب الإقتصاد العالمي المعادي متعددة و قوية .. و سوف نرى كيف تتدحرج الأمور بين الرد الإسرائيلي و الردود المتعاقبة من الطرفين . و ما يمكن أن تستهدف إسرائيل في الأيام القادمة لأن هزيمتها الحاصلة  الآن سريعة . و ستجهد هي و  أميركا على إبعاد هذه الهزيمة لهما في المنطقة و على صعيد العالم . و نتنياهو لن يتخلى عن مشروعة حتى لو أحرق الدول و من بينها دولته التي إذا إستمرت بتلقي الضربات الإيرانية بهذه الوتيرة و هذه القوة التدميرية لتل أبيب و للمراكز الحساسة داخل الكيان سيكون موقف إسرائيل محترقاً .
لقد بدأت الحرب و الكلام للميدان و لن يحمي إيران في المستقبل إلا حيازتها للسلاح النووي .. الأمر الذي حصل مع كوريا الشمالية و باكستان و الهند ، هذه الدول التي لا أحد يتجرأ على القيام بعمل عدواني لإسقاطها بسبب حصانتها النووية .
كل الحروب تستثمر في السياسة و كل الأمر له علاقة بالمعادلات السياسية القوية .
لنرى نتنياهو و ماذا سيضرب ، و لنرى مدى قوة النظام الإيراني الذي سيعمل على تكريس معادلة أنه عصي على السقوط .

و يمكن القول هنا ، أن هذه الحرب المُعلنة على الجمهورية الإسلامية في إيران ،  إذا إستمرت بها إيران بهذه الوتيرة من تدمير و إيلام إسرائيل و إستطاعت رد الحجر الصهيوني عنها و الذي تواصل و ستواصل إسرائيل رميه عليها و على مقدراتها و مشروعها النووي و على مدنييها لدفعهم للصراخ .. فإن الردع الإيراني للصهيونية و لنتنياهو قد تؤدي لتسوية في المنطقة بشروط إيرانية و توقف حرب غزة و العدوان المتكرر على لبنان  أي أن يلتزم بتنفيذ القرار 1701، و حتى أنه قد يفتح  البحث في الملف السوري .
مما يعني أنه سيكون نصر إستراتيجي يقلب صورة و مشهد وجه الشرق الأوسط المهتز على وقع المشروع الأميركي - الإسرائيلي .
و يبقى السؤال المطلوب إستراتيجياً : هل ستغير إيران عقيدتها النووية و تدخل نادي الدول النووية أم لا ؟

إن لم يتم ردع مشروع  الهيمنة على المنطقة من بوابة هذه الحرب المُعلنة على إيران الهوية و القوة و الدور و يعلو كنتيجة لهذه الحرب القاسية على طرفيها و التي قد تطول أو تتوسع في منطقة الشرق الأوسط ،  ستكمل إسرائيل و أميركا مشروعهما و ستقتل الجميع .
الرد الحاصل من إيران ،حجمه و شكله و مداه و قدرته و تداعياته . هو الذي سيرسم مسار الأمور .

على إيران أن لا تخسر معادلات الحرب فضلاً عن الحرب ذاتها حتى لو ذهبت إلى الحرب الشاملة . و إلا فإنها ستتعرض لإنكسارات قد تطال حتى ضمانة نظامها ألا و هو نفس شخص القائد لها . 
إسرائيل التي تلقت و تتلقى الرد الإيراني المؤلم جداً لها لجهة حجمه و نوعه و آثاره على جبهتها الداخلية و بنيتها ، ستكون  قد حضرت أو هي في طور تحضير و برمجة مراحل إعتداءاتها و على إيران أن تتحضر لتفادي أو إستيعاب  المفاجآت القادمة و أن تواصل و بقوة ، و هو ما تقوم به ، الضرب على رأس الكيان الغاصب . حتى لا تدخل في مرحلة  أن إيران العظمى و دورها الإقليمي يؤول إلى كونه  إنتهى . و هذا له إنعكاسات كارثية على دول و فصائل محورها . 
إن إيران القوية  و إستفاقتها السريعة من مؤثرات سلبية كالتضليل والغفلة والإنكشاف و سوء تقدير الموقف ، هو عنصر أساس في رد الحجر من حيث أتى .


الكاتب: إبراهيم شمس الدين




روزنامة المحور