مشاركة بالعدوان الاسرائيلي على إيران، نفّذت الولايات المتحدة ضربة جوية مباشرة على ثلاث منشآت نووية إيرانية، مستخدمة قاذفات الشبح B 2 وقنابل خارقة للتحصينات، في أول تدخل عسكري أميركي مباشر منذ بداية التصعيد. جاء القصف ليلاً، واستهدف منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان. غير أن تأكيد طهران على اخلائها المواقع المستهدفة مسبقاً، وأن اليورانيوم المخصب نُقل إلى مواقع آمنة، طرح عدداً من الأسئلة حول نجاح العملية الأميركية، وعن رد الفعل الايراني.
وبهذا الرد السريع، أرسلت طهران رسالة مفادها أن الضربة، وإن كانت مباشرة وقوية، لم تكن مفاجِئة ولم تستطع شل قدراتها. بل بدا أن طهران كانت تستعد للانتقال من "المنطقة الرمادية" إلى المواجهة المفتوحة، وبالتالي تحديد المسار التالي الذي ستتخذه الأحداث، خاصة وأنها تملك أوراق عدة ومختلفة على مستوى المنطقة.
ضمن حسابات الرد، لا يمكن تجاهل صنعاء، التي أكدت على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الذي أعلن صراحة أن "دخول الولايات المتحدة الحرب ضد إيران سيؤدي إلى استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر".
اليمن كان مختبراً حيّاً للذخائر الخارقة التي استخدمتها الولايات المتحدة في ضرب إيران. فعلى مدى سنوات، جُرّبت قنابل GBU-57 على المنشآت المحصنة تحت الأرض، واستُخدمت التكنولوجيا نفسها تقريباً. ومع ذلك، لم تنجح في كسر زخم الهجمات اليمنية، ولم تؤدِ إلا إلى المزيد من التكيّف والتطوير. بل توقفت العمليات الهجومية فقط عندما تم التوصل إلى اتفاق مباشر غير معلن بين صنعاء وواشنطن عبر وسطاء إقليميين، أدى إلى تهدئة مؤقتة.
واليوم، يعود اليمن إلى قلب المعادلة، لا باعتبارها فقط قاعدة خلفية أو ساحة اشتباك، بل كجزء من رد إقليمي منسّق. إذا ما تم استهداف المصالح الإيرانية، فإن البحر الأحمر قد يتحول إلى مسرح اشتباك مباشر.
لأسابيع، واصلت إسرائيل ضربها المتدرج لإيران، معلنة أنها تهدف إلى تدمير البرنامج النووي بالكامل، وضرب القدرات الصاروخية الإيرانية، بل و"تغيير النظام"، وهذا ما بدأت تتراجع عنه تدريجياً. كما بدأ واضحاً أنها تتراجع، سواء من حيث حجم الضربات أو سقف التصريحات. هذه الاستراتيجية المحدودة في أثرها دفعت تل أبيب إلى تصعيد الضغط على واشنطن لتدخل مباشرة.
لذلك، جاءت الضربة الأميركية لتُرمّم صورة الردع الإسرائيلي المتآكلة، ولتشكّل، بحسب البعض، ذروة استراتيجية "الضغط الأعلى" التي تعتمد على القوة العسكرية لا لهدف تدميري حاسم، بل من أجل التطويع السياسي وانتزاع اتفاق جديد. الغاية ليست محو البرنامج النووي، بل إجبار إيران على قبول صفقة: تراجعٌ نووي مقابل ضمانات بعدم التصعيد.
هذا التدخل الأميركي لم يمر دون جدل داخل الولايات المتحدة نفسها. في أوساط الديمقراطيين وعدد من الجمهوريين، طُرحت تساؤلات دستورية حول مشروعية الضربة، إذ لم تُعرض على الكونغرس ولم تكن ضمن حالة دفاعية طارئة. صحيفة واشنطن بوست تحدّثت عن انقسام داخل الإدارة الأميركية حول توقيت وجدوى الضربة، بينما وصفت رويترز ما جرى بأنه "مقامرة كبرى" يخوضها ترامب دون رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
ثمة من وصف هذه الضربة بأنها شكلية في جوهرها: عمل عسكري مدروس يحقق مكاسب سياسية رمزية، دون جرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب. إسرائيل تظهر بموقع القوة، ترامب يبدو حاسماً أمام قاعدته، وإيران "تُعاقب" دون أن تُستفز حتى نقطة الانفجار.
حتى اللحظة، لا تزال تفاصيل الخسائر الفعلية للضربة غير معروفة. وعلى الرغم من أن الرواية الأميركية تقول إنها أصابت أهدافها بدقة، تؤكد طهران أن المواقع أُخلِيت مسبقا وأن "لا خسائر تذكر". الحقيقة على الأرجح بين هذا وذاك، لكنها في النهاية ستحدد شكل الرد الإيراني. فكلما كان الضرر أكبر، كلما اقترب الرد من الطابع العنيف المباشر، وكلما كان محدوداً، ربما تتجه طهران نحو الرد المتناظر.
ما جرى خلال الـ48 ساعة الأخيرة ليس مجرد تطور في سياق التصعيد، بل يمثل خروجاً رسمياً من "المنطقة الرمادية" التي كانت تتحرك فيها إيران والولايات المتحدة. الضربات الأميركية حملت توقيعاً صريحاً، أما الرد الإيراني المرتقب فسيحدد ما إذا كنا أمام جولة مؤقتة من الاشتباك المحسوب، أم على أعتاب مواجهة مفتوحة متعددة الجبهات، تمتد من الخليج إلى البحر الأحمر.