في تطوّر استثنائي ونوعي من حيث الدقة والمضمون، تعرّضت مدينة هرتسيليا شمالي تل أبيب فجر الثلاثاء 17 يونيو 2025، لضربة صاروخية إيرانية مباشرة استهدفت منشآت أمنية واستخباراتية وصفت بأنها من بين "الأكثر سرية وحساسية في إسرائيل".
الضربة جاءت ضمن عملية "الوعد الصادق 3" التي أطلقتها القوة الجوفضائية لحرس الثورة الإسلامية، ردًا على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت في الداخل الإيراني في وقت سابق.
العمق الاستخباراتي في مرمى النيران
بحسب البيان رقم 6 الصادر عن حرس الثورة الإسلامية، فإن العملية شملت صواريخ أرض-أرض دقيقة وطائرات مسيّرة من نوع "آرش" محمّلة برؤوس خارقة للتحصينات. وقد استهدفت هذه الأسلحة المتطورة عدة منشآت في العمق الإسرائيلي، كان أبرزها في هرتسيليا، المدينة التي تُعد موطنًا تقليديًا لمقرات استخباراتية وعسكرية من الطراز الأول.
المنشآت المستهدفة
-مباني تابعة للوحدة 8200، الذراع الإلكترونية الأبرز في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
-مخزن لوجستي تابع للاستخبارات العسكرية في منطقة الشارون.
-منشآت يُعتقد أنها مرتبطة بالموساد الإسرائيلي.
-معهد وايزمان للأبحاث النووية، الذي كان قد استُهدف قبل يومين، حيث أشارت تقارير إلى انهيار 3 طوابق فيه بعد الضربة الأخيرة.
-منشآت بنيوية في مركز المدينة، إذ أحدث أحد الصواريخ حفرة كبيرة وسط هرتسيليا، وهو ما أكدته صور ميدانية من وكالات أنباء مختلفة.
وتؤكد وسائل إعلام عبرية أن الهجوم تم عبر موجات متتالية ومركبة من صواريخ ومسيّرات هجومية بعيدة المدى، مما ساهم في إرباك منظومات الإنذار والدفاع الجوي الإسرائيلية.
خلل استخباراتي ودفاعي إسرائيلي
ذكرت تقارير من صحف إسرائيلية مثل يديعوت أحرونوت وجيروزاليم بوست، أن منظومات الإنذار المبكر فشلت في التقاط الضربة في وقتها، وهو ما يعود بحسب بعض المصادر إلى هجوم سيبراني متزامن عطّل شبكات الرصد الإلكتروني، الأمر الذي أدى إلى وصول الصواريخ "بشكل مفاجئ وصادم" إلى أهدافها دون اعتراض.
ورغم محاولات الإعلام الإسرائيلي التقليل من حجم الأضرار، إلا أن الصور والمشاهد الميدانية وثّقت حرائق واسعة النطاق، وانفجارات داخل مبانٍ يُعتقد أنها كانت محصّنة، ما يدحض مزاعم تل أبيب حول "جاهزية القبة الحديدية".
التأثيرات والاعتراف المتأخر
رغم التكتّم الذي فرضته الرقابة العسكرية الإسرائيلية على نتائج الهجوم، فإن مصادر إعلامية عبرية أقرّت:
-بحدوث حرائق ضخمة في منشآت لوجستية.
-دمار جزئي في عدد من المباني.
-تضرر خطوط الطاقة وشبكات الاتصالات العسكرية في محيط الهدف.
وبينما تحدثت التقارير الرسمية عن "حريق محدود في موقف حافلات"، فإن التوثيق الميداني أظهر انهيارات في البنية التحتية وتوقفًا موقتًا للخدمات في مناطق قريبة من الأهداف، ما يُلمّح إلى أن حجم الضرر قد يكون أكبر بكثير مما أُعلن.
التصريحات الإيرانية: إنها البداية فقط
قال العميد أحمد وحيدي، مستشار القائد العام للحرس الثوري، إن "إيران لم تستخدم بعد قدراتها الصاروخية بشكل استراتيجي، وما جرى ليس سوى بداية الردع الحقيقي". أما وزارة الدفاع الإيرانية، فأصدرت بيانًا قالت فيه: "كسرنا ظهر الكيان الصهيوني وسنواصل الضرب حتى القضاء التام على قدراته الاستخباراتية".
الرسائل الإيرانية بدت واضحة: ما حدث في هرتسيليا لم يكن ضربة عشوائية، بل إنجاز استخباراتي وعسكري مزدوج، يثبت امتلاك إيران القدرة على ضرب مراكز القرار الإلكتروني والاستخباراتي في قلب الدولة العبرية.
سياق استراتيجي أوسع
تُعد ضربة هرتسيليا من أكثر الضربات الإيرانية جرأة منذ بدء المواجهة المباشرة، ليس فقط بسبب طبيعة الهدف، بل لأن المدينة تحتضن نخبة منشآت الأمن السيبراني الإسرائيلي. وهي ضربة ترسل رسائل مزدوجة: تقنيًا، إيران باتت قادرة على تجاوز الدرع الدفاعي الإسرائيلي، واستخباراتيًا، لديها بنك أهداف دقيق وفعّال.
وبحسب مراقبين، فإن المفاجأة ليست في القدرة الصاروخية بحد ذاتها، بل في التوقيت، والاستخبارات، والانسيابية التي نفذت بها العملية.
الخلاصة
تشير العملية الإيرانية التي استهدفت مدينة هرتسيليا إلى تحول نوعي في معادلة الردع الإقليمي، ليس فقط من حيث القدرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، بل من حيث دقة الأهداف وحدّة الرسالة. فالهجوم لم يكن عشوائيًا أو رمزيًا، بل جاء مدروسًا ومبنيًا على معلومات استخباراتية دقيقة، استهدفت مواقع يُنظر إليها في الداخل الإسرائيلي على أنها "القلب النابض" للأمن السيبراني والاستخبارات. ورغم محاولات الإعلام الإسرائيلي التخفيف من حجم الحدث، فإن الحقائق على الأرض من انفجارات، وحرائق، وثغرات في منظومات الإنذار تكشف عن ضربة موجعة اخترقت شبكة الحماية النفسية قبل أن تخترق المباني. وبينما فضّلت إسرائيل الصمت أو التهوين، تحدثت إيران بصوت مرتفع وواضح: ما حدث في هرتسيليا هو مجرد البداية، وما لم يُستخدم بعد من قدرات صاروخية واستراتيجية يفوق ما طُبق ميدانيًا حتى الآن.
الموقع الجغرافي لمدينة هرتسيليا
_هي مدينةٌ ثريةٌ تقع على الساحل الأوسط لفلسطين المحتلة، في الجزء الشمالي من منطقة تل أبيب.
_سُميت هرتسليا على اسم مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل، وتغطي مساحة 21.6 كيلومتراً مربعاً.
_ تُشتهر بمنطقتها الغربية المطلة على الشاطئ "هرتسليا بيتوح"، التي تعدّ من أرقى أحياء كيان الاحتلال الإسرائيلي، والتي تضم العديد من السفارات ومساكن السفراء ومقرات الشركات ومنازل رجال الأعمال الإسرائيليين البارزين. كما تضم العديد من الشركات التكنلوجية العالمية مثل شركة "مايكروسوفت".
_يقطنها أكثر من 106 ألف مستوطن إسرائيلي.
هذا وأطلقت الجمهورية الإسلامية خلال العدوان الإسرائيلي الأميركي الذي استمر 12 يوماً (13 - 25 حزيران 2025)، مئات الصواريخ البالستية وفرط الصوتية والطائرات المسيّرة نحو العمق الإسرائيلي، مستهدفة -ضمن خطة دفاعية ذكية- عشرات المراكز العسكرية والحيوية والاستراتيجية، ما أجبر قادة تل أبيب على الرضوخ وطلب وقف إطلاق النار.
الكاتب: غرفة التحرير