السبت 31 أيار , 2025 03:03

الهيمنة الأمريكية: حتى البرنامج النووي السلمي ممنوع!

مخاوف واشنطن من البرنامج الإيراني

يبين التصور التقليدي الذي تملكه أمريكا عن إيران بأنها "خطر وجودي"، ليس بسبب قدراتها النووية فحسب، بل بسبب هويتها السياسية والثقافية. المقال الذي نُشر في "ذا ناشيونال انترست" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، من باب الاستفادة منه رغم عدائيته وخداعه، حيث يوفّر فرصة لفهم كيف تفكر مراكز القرار في الولايات المتحدة (خصوصاً في عهد ترامب) تجاه إيران. فالمطالبة بـ "تفكيك غير قابل للترميم" للقدرات النووية الإيرانية تكشف عن أن المشكلة ليست في التخصيب أو الرقابة، بل في وجود دولة مستقلة لا تخضع للهيمنة الغربية، في هذا السياق، يمكن تقسيم المقال وتحليله عبر ثلاث مستويات:

المنطلقات الأيديولوجية والأمنية

شيطنة إيران كنظام: الكاتب لا يتعامل مع إيران كدولة ذات مصالح قومية أو إقليمية، بل كنظام إسلامي يجب "استئصاله". يتحدث عن شعارات مثل "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" بوصفها أدلة كافية لرفض أي قدرة نووية مدنية كانت أم عسكرية.

التعميم المتعمد: يخلط الكاتب بين الاستخدام المدني للطاقة النووية والاستخدام العسكري، دون الاعتراف بحق إيران – كأي دولة – في امتلاك برنامج نووي سلمي. وهذا التجاهل هو خرق واضح للقانون الدولي.

توظيف خطاب الإرهاب: المقال يعيد إنتاج رواية أمريكية–إسرائيلية تعتبر إيران "الراعي الأول للإرهاب"، لكنه يغض النظر تماماً عن الإرهاب الذي تمارسه "إسرائيل" يومياً، وعن دور حلفاء واشنطن الإقليميين في دعم جماعات متطرفة. بالإضافة إلى قوله بضرورة توقف المسار الدبلوماسي وكأنه يرمي إلى ضرورة حل المسألة بتوجيه "ضربة عسكرية" للبرنامج.

أدوات الإقناع والتخويف

تضخيم الخطر الإقليمي: يتحدث الكاتب عن "كارثة نووية محتملة" في حال حصول إيران على قدرة تخصيب، ويوحي بأن هذا سيطلق سباق تسلح نووي في السعودية ومصر وتركيا... لكنه يتجاهل أن "إسرائيل" تمتلك فعلياً سلاحاً نووياً غير خاضع لأي رقابة دولية

استخدام لغة حتمية: يرفض أي "حلول وسط"، ويطالب بتفكيك كامل ونهائي لقدرات إيران النووية، بل يصل إلى حد المطالبة بتغيير النظام، معتبراً أن "الحل الوحيد المقبول هو نهاية النظام". هذا الخطاب يعكس عقلية عدوانية غير واقعية في العلاقات.

النص المترجم:

السماح لإيران بامتلاك حتى برنامج نووي مدني لا يزال يشكّل مخاطرة كبيرة للغاية على الأمن الإقليمي والدولي. إن التوافق الذي ظهر مؤخراً داخل إدارة ترامب يُعبّر عن "إدراك صائب" لضرورة منع الجمهورية الإسلامية من تخصيب اليورانيوم على أراضيها بشكل دائم. ويجب على إدارة ترامب أن تبقى حازمة في هذا الموقف، وألا تضعف هذا الشرط عبر حلول أخرى. لأن السماح للنظام الإسلامي في طهران بامتلاك مثل هذه القدرة، يعني تمهيد الطريق نحو امتلاك قنبلة نووية، وهو مسار لا يستطيع العالم تحمّل تبعاته. إن فكرة السماح لإيران بالحفاظ على برنامج طاقة نووية مدني تُخفي خلفها احتمالاً خطيراً. حتى قدرة التخصيب المحلية على نطاق صناعي، ولو كانت محصورة ظاهرياً بنسبة 3 إلى 5 بالمئة من اليورانيوم المخصص لاستخدامات وقود المفاعلات، فهي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر. فمثل هذا البرنامج من شأنه أن يطوّر خبرة محلية ويُنتج مخزوناً من المواد الانشطارية، مما يقلّص بشكل كبير "المدة اللازمة للاندفاع" أي الوقت المطلوب للانتقال من تخصيب اليورانيوم إلى درجة تصنيع الأسلحة، والتي عادةً ما تبلغ 90 بالمئة أو أكثر.

إن هذا "الخطر التكنولوجي" الكامن يتضخّم بشكل كبير بفعل طبيعة النظام الإسلامي نفسه. فلا يمكن اعتبار حكومة ترفع شعارات رسمية مثل "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" وصيةً مسؤولة على الذرة. فهذه التصريحات ليست مجرد مواقف سياسية أو دعايات عابرة، بل تعكس أيديولوجيا متجذّرة تظهر باستمرار من خلال أفعال عدائية. وتقوم الجمهورية الإسلامية بشكل منهجي نحو تمويل وتسليح وتوجيه شبكة واسعة من "القوات الوكيلة". من حزب الله في لبنان إلى "الميليشيات" الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، تعمل هذه الجماعات على "زعزعة استقرار الشرق الأوسط"، وتأجيج الصراعات، واستهداف المصالح الأمريكية وحلفائها. وتزيد تصريحات القيادة الإيرانية من وضوح هذا التهديد. فعندما كرّر المرشد الأعلى علي الخامنئي مؤخراً قناعته بأن "إسرائيل يجب أن تُزال وستُزال"، وطالب بطرد الولايات المتحدة من المنطقة، كان يُعبر بذلك عن رؤية "للهيمنة الإقليمية". فتصوّر مثل هذه الطموحات وقد أصبحت مدعومة بترسانة نووية، أو حتى بقدرة كامنة على إنتاج السلاح النووي عند الحاجة، يُعد أمراً مثيراً للقلق، خصوصاً في منطقة تُشكّل القلب النابض لإنتاج الوقود الأحفوري في العالم، وهو مورد حيوي لاقتصادات العالم كافة. فالمصالح الاستراتيجية الأمريكية واستقرار الاقتصاد العالمي يتطلبان "شرق أوسط" غير مهدد بجمهورية إسلامية نووية أو على أعتاب التسلح النووي. علاوة على ذلك، فإن الاستجابة لمطلب خامنئي بالسماح بالتخصيب المحلي ستفتح "صندوق باندورا" من الانتشار النووي في المنطقة. فإذا مُنحت طهران هذا الامتياز، فما هو الأساس المنطقي لحرمان قوى إقليمية أخرى من القدرات نفسها؟

لهذه الأسباب الجوهرية، فإن قادة مثل الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب مسؤولين مثل السفير ويتكوف ووزير الخارجية روبيو، مُحقّون تماماً في موقفهم الحازم: يجب حرمان الجمهورية الإسلامية بشكل قاطع من أي قدرة على التخصيب المحلي لليورانيوم. ويتطلب تحقيق هذا الهدف "تفكيكاً كاملاً"، يمكن التحقق منه، ولا رجعة فيه، للبنية التحتية الخاصة بالتخصيب النووي في إيران. ويشمل ذلك تدمير المنشآت السرية المحصّنة بشكل دائم، مثل موقعي فوردو ونطنز، والقضاء على مراكز إنتاج وتجميع أجهزة الطرد المركزي، ووقف جميع الأنشطة البحثية والتطويرية ذات الاستخدام المزدوج. ومن الضروري أيضاً أن يرفض أي إطار دبلوماسي بشكل قاطع"."

ورغم أن تحييد التهديد النووي الآني يشكّل أولوية قصوى، إلا أنه يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية أشمل. فإذا تم فتح مسار نحو تفكيك كامل للبرنامج النووي، فعلى الولايات المتحدة وحلفائها أن يتعاملوا بصرامة مع برنامج الصواريخ الباليستية. ومن الدروس الحيوية التي يجب استخلاصها من التجارب الدبلوماسية السابقة، ضرورة الحيلولة دون حصول النظام الإيراني على مكاسب مالية سواء من خلال رفع العقوبات أو الإفراج عن أصول مجمّدة.


المصدر: The National Interest

الكاتب: Saeed Ghasseminejad




روزنامة المحور