الأربعاء 07 أيار , 2025 03:06

حزب القوات اللبنانية.. دور معقّد ومتناقض في اللعبة السياسية اللبنانية

سمير جعجع-القوات اللبنانية

يُشكل حزب "القوات اللبنانية" كياناً سياسياً لبنانياً ذا تاريخ معقّد ومسار متقلب، تطور من مظلة للميليشيات المسيحية خلال الحرب الأهلية إلى قوة سياسية وبرلمانية بارزة في مرحلة ما بعد الطائف.

تستند هذه القراءة التحليلية المرفقة أدناه إلى النصوص المتعددة المنشورة على الشبكة العنكبوتية والوثائق المقدمة للجمهور من قبل القوات، والتي سنسعى إلى استكشاف جوانب متعددة من مسيرة الحزب، بدءاً من جذوره المبكرة مروراً بتحولاته الهيكلية والفكرية، وصولاً إلى دوره الحالي في مؤسسات الدولة وعلاقاته الخارجية وأساليب عمله الإعلامي.

يهدف هذا التحليل إلى تنظيم وتلخيص المعلومات المتوفرة، مع الأخذ في الاعتبار التباين في مصادرها (وثائق حزبية، تحليل أكاديمي، مقالات صحفية) وما قد تتضمنه من تكرار.

خلاصة واستنتاج الدراسة:

بناءً على التحليل المعمق لما تقدم، يمكن الاستنتاج أن حزب "القوات اللبنانية" هو كيان نشأ في سياق معقد من الصراعات الداخلية والإقليمية، مدفوعاً بشكل أساسي بمخاوف هوياتية تتعلق بالوجود المسيحي في لبنان كما يراها قادته في مواجهة تهديدات متصورة أو مبالغ فيها أو حجج لتغيير الواقع.

مسار الحزب اتسم بتحولات جذرية، من مظلة للميليشيات المسلحة التي شاركت بقوة في الحرب الأهلية واعتمدت على تحالفات خارجية مثيرة للجدل (مثل العلاقة المبكرة مع إسرائيل)، إلى حزب سياسي وجد نفسه مضطراً للعمل ضمن مؤسسات الدولة بعد اتفاق الطائف، ثم العودة بقوة إلى الساحة السياسية بعد عام 2005 كقوة برلمانية ووزارية مسيحية بارزة.

تُظهر الهيكلية الحزبية الحالية للقوات طموحاً في بناء تنظيم حديث يعتمد على آليات داخلية (انتخابات، رقابة) ويُعطي أهمية للتوسع الجغرافي والقطاعي ولجمهور الانتشار، لكن الممارسات الفعلية تُشير إلى استمرار مركزية القرار حول القيادة وتأثير إرث الماضي. يُركز البرنامج السياسي للحزب بشكل كبير على مواجهة نفوذ قوى إقليمية دون أخرى كالتركيز على إيران والتغافل عن السعودية ومحاربة حلفاء أيران في لبنان (خاصة حزب الله) بالتعاون والاستفادة من حلفاء السعودية.

تُعد العلاقات الخارجية عنصراً استراتيجياً للقوات، حيث استبدلت التحالفات العسكرية الظرفية خلال الحرب (اسرائيل – مصر – العراق) بعلاقات سياسية متينة مع قوى غربية وعربية (الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة العربية السعودية)، تستند إلى مصالح مشتركة في مواجهة النفوذ الإيراني. ومع ذلك، فإن ارتباط هذه العلاقات بموازين القوى الإقليمية المعقدة والطبيعة المنقسمة للسياسة اللبنانية يحد من قدرة القوات على تحقيق أهدافها الخارجية بشكل كامل.

يعتمد الدعم الشعبي للقوات بشكل أساسي على القاعدة المسيحية، خاصة المارونية، التي ترى في الحزب مدافعاً عن هويتها ومصالحها في مواجهة تحديات داخلية وخارجية، وقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة تزايداً في هذا الدعم.

تُقدم تجربة القوات في مؤسسات الدولة صورة متناقضة؛ فبينما تسعى لتقديم نفسها كقوة إصلاحية تسعى لبناء الدولة ومكافحة الفساد من خلال مشاركتها التشريعية والوزارية (كما في وثيقة "كيف فينا 2022")، تواجه أيضاً انتقادات جوهرية تتعلق بدورها التاريخي في الحرب الأهلية، واتهامات بالفساد والزبائنية في ممارستها الحكومية، فضلاً عن طبيعتها الطائفية المستمرة، ومساهمتها في الشلل السياسي، واتهامات تتعلق بالعنف الأبيض في الشارع واستخدام السلاح أكثر من مرة. يُظهر هذا التناقض أن القوات لم تتجاوز بعد بشكل كامل إرثها التاريخي وتحديات تحولها من قوة عسكرية طائفية إلى حزب، وأن ماضيها لا يزال يلقي بظلاله على حاضرها وتصور الجمهور لها، ويُؤثر على فعاليتها وقدرتها على بناء الثقة الوطنية الشاملة في مجتمع لبناني متعدد الانتماءات.

يُشكل الجسم الإعلامي للقوات أداة قوية وحيوية لخدمة أجندتها، تطورت من مؤسسات إعلامية كبيرة إلى جهاز متخصص يتميز بأسلوبه الهجومي المباشر، يهدف إلى تعبئة القاعدة وحشدها ومهاجمة الخصوم، رغم ما يُثار حوله من ملاحظات سلبية تتعلق بالأسلوب والمساهمة في الاستقطاب.

في المحصلة، يُظهر التحليل الشامل بناءً على ما تقدم في الدراسة أن حزب القوات اللبنانية هو لاعب سياسي معقد، محكوم بتاريخه وتحديات محيطه. هو قوة منظمة تتمتع بدعم شعبي كبير داخل بيئتها المحددة، ولها علاقات خارجية استراتيجية، وتسعى للتأثير من داخل مؤسسات الدولة ببرنامج سياسي محدد. ومع ذلك، فإن إرثها العسكري، والانتقادات الجوهرية الموجهة لأدائها، وطبيعة خطابها الإعلامي، تُبقيها في موضع جدل وتُشكل تحدياً أمام قدرتها على تحقيق تحول كامل نحو كيان وطني جامع يحظى بثقة جميع اللبنانيين، وقادر على المساهمة بفعالية في بناء دولة مستقرة وشفافة تتجاوز الانقسامات الطائفية. مسارها المستقبلي سيعتمد بشكل كبير على قدرتها على معالجة هذه التناقضات والتكيف مع التطورات الداخلية والإقليمية، مع ضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة وتجاوز الخطاب الطائفي الذي ما زال يشكل عقبة أمام بناء دولة حقيقية في لبنان.

لتحميل الدراسة من هنا





روزنامة المحور