تعد المعونة الامريكية لمصر إحدى أدوات السيطرة الناعمة على الجيش المصري، حيث أنّ العلاقات البينية بين المؤسستين العسكريتين الأمريكية والمصرية وتمتين الروابط بينهما وتقديم الإغراءات للضباط المصريين عبر دورات التدريب وفتح قنوات الاتصال معهم، توجد نوع من الارتهان والتحيز بالموقف للأمريكيين من قبل الضباط المصريين ومن خلفهم القيادة السياسية، خاصّة بعد أن يتم تزويد الجيش بالعتاد الأمريكي الذي سيكفل تناغمه مع المنظومات الغربية لدى الجيوش المتحالفة مع واشنطن، وتسهل بذلك عليه إقامة التحالفات وإجراء المناورات وتوحيد المصطلحات والمفاهيم، وفي ذلك ـ فضلاً عن التسهيلات المصرية التي تقدم للجيش الأمريكي لعبور قناة السويس وعلى صعيد استخدام المجال الجوي المصري ـ تحقيقًا لأهداف السياسات الأمريكية وحفظ مصالحها في المنطقة وفي إيجاد الحلفاء والوكلاء.
وتشير البيانات الرسمية لوزارة الخارجية وغرف التجارية الأمريكية أنّ مصر تلقت مساعدات بقيمة إجمالية تتجاوز 85 مليار دولار منذ العام 1980، وجاء ترتيبها خامسًا في قائمة المساعدات المصروفة للسنة المالية 2023 بحسب مركز بيو للأبحاث. وعلى الدوام كانت دوائر القرار المصرية تحرص على توفير أسباب العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة خاصّة في مسألة حقوق الإنسان تجنبًا لأي اقتطاعات في الجانب الاقتصادي من المساعدات، وغالبًا تتعامل مع القضية كجزء من موازنة معقدة بين المصالح الوطنية والعلاقات الدولية، من ضمنها سلوكيات مستجدة تنزع نحو توسيع هامش المناورة لدى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فيما تعتبرها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وسيلة من وسائل الضغط على القرار المصري لكي ينفذ الالتزامات الواردة في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، و"تعزيز الاستقرار الإقليمي" الذي تحقق بوقف الحرب بين الدولتين، كما تستخدم لفرض الوصاية والتحكم.
ويمكن القول أنّ المعونة الأمريكية لمصر ليست "شرطًا لازمًا" في الانصياع المصري الكامل للإدارة الأمريكية وأقرب مثال هو رفض الرئيس السيسي فكرة تهجير السكان الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وسعي النظام لعقد صفقات تسلًح مع عدة دول من خارج المعسكر الغربي للتفلّت من قيود الهيمنة الغربية على الجيش، واستحداث برامج التعاون البيني مع الدول العربية وخاصّة في المجال العسكري كما في الاتفاقات التي جرت مع العراق في مجال التصنيع العسكري والتي كان لديها برامج تصنيع صاروخية شبيهة بتلك التي كانت لدى مصر في حقبة الصراع العربي "الإسرائيلي" نهاية القرن الماضي، حيث تُعد مصر حاليًا شريكًا استراتيجيًا للعراق في إعادة بناء قدراته العسكرية، بينما يستفيد الجيش المصري من شراكاته في تعزيز نفوذه الإقليمي، وإن كانت هذه الشراكات لم ترقَ بعد أو لم تستأنف بهدف التملص من قبضة الهيمنة الأمريكية على جيشي البلدين أو التخلص من التبعية الاقتصادية للنفوذ الغربي.
أمنت اتفاقية "كامب ديفيد" فترة طويلة من الهدوء على الجبهة المصرية "الإسرائيلية"، ومضافًا إلى اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية مصر شريكًا استراتيجيا في المنطقة، وفّر ذلك الهدوء والاستقرار فرصة للتحديث المستمر للجيش المصري في المعدات والتدريب وعقود الصيانة اعتمادًا على المساعدات الأمريكية، وهي مساعدات لها ما يؤيدها في قطاع المصالح الأمريكية حيث أنّ المساعدات هي عبارة عن أموال ترصد لصالح العقود التي تطلبها مصر من المصانع العسكرية الأمريكية وبرامج المساعدات الاقتصادية والاجتماعية الأمريكية وليست أموالًا سائلة.
لذا، وعلى ضوء التمنعات المصرية التي تظهر بعكس الإرادة الأمريكية و"الإسرائيلية" من حين لآخر (آخرها اعتزام مصر شراء طائرات سوخوي روسية قبل أن يتم إلغاء الصفقة) فإنّ من الاستنتاجات الأمريكية المستجدة بشأن المساعدات العسكرية لمصر هي صوابية استعمال هذه المعونة في زيادة قوة الجيش المصري "لأنّ الدول الكبرى والقوية مثل مصر بحاجة إلى جيوش قوية ومجهزة لضمان أمنها القومي" بحسب تعبير مندوب مصر في الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق ردًا على التحفظات "الإسرائيلية" على التسلّح المصري. وقد كان للإدارة الأمريكية عام 2015 اشتراطات جديدة بشأن وجهة استعمال المساعدات، حيث أكّدت في بيان نشره البيت الأبيض في 31 مارس/آذار2015 أنّ "أوباما أبلغ السيسي بأنه سوف يطلب مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار"، و"أنه بدءً من العام المالي 2018، سوف نقدم المساعدات الأمنية الأمريكية لمصر من خلال أربع مسميات وهي مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وأمن سيناء والأمن البحري إضافة إلى صيانة نظم الأسلحة الموجودة في ترسانة مصر"، وهي مجالات حيوية تصب كلها في خدمة اتفاقية كامب ديفيد التي تنظّم العلاقة بين مصر و "إسرائيل" ولا تفسح المجال في كسر تفوق القوة الصهيوني لصالح مصر، وتبقى في نفس الوقت عنوان المساعدات كأحد أسباب منح الشرعية للحكم العسكري المصري، وخاصّة أنّ للإدارة الأمريكية بحكم قانون المساعدات حق حجبها عن الدول التي تجري فيها انقلابات أو تنتهك بها حقوق الإنسان، وكلا العنوانين يُطرحان سنويًا في دوائر صنع القرار الأمريكي لابتزاز النظام المصري على الدوام.