الأربعاء 16 آذار , 2022 12:44

القيادات السنية.. تناقض وعزوف عن المسؤولية

ميقاتي، سلام والسنيورة

ان المتابع للملف الانتخابي وحركة المرشحين وما يُقال ويحكى يرى ان المشهد على الساحة السنية حتى الساعة هو مشهد ضبابي غير واضح المعالم، فيما يتعلق بما ستفرزه هذه الانتخابات من ممثلين للسنة في البرلمان المقبل. 

وقد شكل انسحاب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري العامل الاساسي ليس فقط في ضبابية المشهد وإنما في تعميق وزيادة هذه المشهدية غير الواضحة، لان الحريري بالأصل لو استمر بالترشح وخوض الانتخابات كان يرجح ان يكون من اكبر الخاسرين فيها، سواء على صعيد تراجع التأييد الشعبي له او على صعيد عدد النواب كتلة المستقبل في مختلف الدوائر.

حتى ان البعض قد يعتبر ان انسحاب الحريري هو -في جزء منه- هروب من المواجهة وعدم تظهير تراجعه على الساحة اللبنانية عموما والسنية بشكل خاص، بل هو حاول الاستفادة من الازمة وتحويلها الى فرصة لرفع مستوى تأييده الشعبي وتكبير ثقله وحجم تأثيره السياسي في البلد، عبر العزوف عن المشاركة وإحداث خضة وبلبة في الواقع السياسي والانتخابي لا سيما سنيا، وهذا الامر نجح الى حد ما لان انسحاب الحريري أدى الى إرباك في الترشيح هنا او هناك قبل ان تتبعه سلسلة من الاستقالات من قيادات ونواب في تيار المستقبل وحصول حراك قاده الرئيس فؤاد السنيورة بالعلن وبالتوافق الضمني مع رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي لتشكيل لوائح في بعض الدوائر لا سيما بيروت وطرابلس وصيدا تحت عناوين مختلفة، قبل ان يعلن ميقاتي ومن ثم السنيورة العزوف عن الترشح وانما البقاء في الساحة الخلفية لادارة العملية الانتخابية وعدم ترك الملعب لبعض الجهات سواء من خصوم التيار او ممن كانوا يحسبون انهم حلفاء له، مع الاشارة عن تسريبات بإمكانية دعم النائبة بهية الحريري لبعض الشخصيات في منطقة صيدا ولو بشكل غير علني.

كل ما جرى يؤكد ان الضبابية هي التي تحكم العلاقة بين القيادات السنية والجمهور، وعدم وضوح من سيقود السنة بشكل خلال الفترة المقبلة خاصة اذا ما دام انقطاع سعد الحريري عن العمل السياسي بفعل الفيتو السعودي، فالحريري خرج من الساحة بدون تنسيق مسبق مع "أهل الدار" او ترتيب "البيت الداخلي" وقد ظهر ذلك مع معارضته للحراك الذي قاده السنيورة، وهذا يؤكد على ضياع القيادات ووجود تشرذم وعدم الاتفاق على خارطة طريق للعمل السياسي في المستقبل، وان ما يجري هو قرارات فردية لخدمة مصالح أفراد بعينها لا لخدمة شريحة وازنة من المكونات اللبنانية، فالحريري بانسحابه أعطى خير مثال كيف كان هو وغيره يديرون العمل السياسي ويسير خلفهم غالبية السنة في لبنان.

وما جرى يدل ان هناك من كان ينتظر ابتعاد الحريري وتراجعه، لوراثته سياسيا سواء من ضمن تيار المستقبل(كالسنيورة وغيره) او من خارجه كميقاتي ورئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي الذي يمني نفسه بامكانية الحصول على اكثر من مقعده النيابي في بيروت، وغيرهم من الخصوم في مختلف المناطق من الشمال الى البقاع الغربي مرورا ببيروت، وذلك بهدف أخذ حصة مما تركه "تيار المستقبل" وتوسيع رقعة تمثيلهم السياسي والبرلماني. 

كما ان ما يجري يظهر عدم وضوح الرؤية والخطاب السياسي المعتمد وعدم جدية هذا الخطاب، فالبعض خطابه السياسي اليوم فقط مهاجمة المقاومة وحزب الله(كالمخزومي وأشرف ريفي..)، البعض خطابه اليوم هو الحفاظ على إرث الحريري(كالسنيورة ومصطفى علوش...)، ولكن أين الخطاب السياسي والبرنامج الانتخابي الوطني في ظل ما يعانيه الوطن من أزمات أصلا تسبب بها بشكل أساسي هذا الفريق السياسي، فلا يغيب عن البال ان فؤاد السنيورة كان أحد أبرز أعمدة الحريرية السياسية والاقتصادية والمالية التي هي السبب الرئيسي بكل ما نعانيه اليوم، فكيف يخرج نفس الرجل لتشكيل لوائح تخوض الانتخابات وكيف يمكن ان يؤمن بها الناس لتغيير الاوضاع القائمة؟

كل ما تفعله هذه القيادات السنية اليوم يؤكد المؤكد ان هؤلاء ليس همهم الناس وشجونهم وما يعيشونه يوميا، فهي استغلتهم منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم، فعند اول مفترق طرق رحل الحريري باحثا عن مصالحه السياسية والتجارية في الخليج بدون ان يقيم اي اعتبار لكل من وقف الى جانبه ودعمه وسانده من قوى سياسية او مؤيدين ومناصرين، وهذا ما يؤكد الشرخ الحاصل بين القيادة والشارع السني (سواء بالعلاقة مع الحريري او السنيورة وميقاتي وغيرهم..).

ومن الضروري ان نشير الى نموذج من القيادات السنية التي تمارس نمطا قائما على التناقض بين شعاراتها المرفوعة والتطبيق على الارض، ويمكن ان نعطي مثالا على ذلك: الأمين العام للتنظيم الشعبي أسامة سعد الذي يرفع لواء "الثورة واللاطائفية"، بينما يذهب باتجاه التحالف مع الكتائب في دائرة صيدا جزين!!

يبقى ان هناك من يعتقد ان "غياب أكثرية القيادات السنية عن المشاركة في الإنتخابات سيؤدي إلى فقدان التوازن الوطني رغم الحجم التمثيلي للمشاركين السنة"، مع الحديث عن سعي سعد الحريري الى خفض نسبة مشاركة السنة في الانتخابات، فهل الهدف من كل ذلك هو التصويب لاحقا على نتائج الانتخابات للتشكيك بما ستفرزه ومن ثم التشكيك بالانتخابات الرئاسية وبأي حكومة تكلف لاحقا، كلها أسئلة وتساؤلات تدفع باتجاه ضرورة ان يتحمل السنة اليوم المسؤولية والنزول والمشاركة بقوة في الانتخابات والتصويت لصالح الوطن لا لمصلحة بعض القيادات التي لم تكن أهلا لقيادة طائفة مؤسسة في الكيان اللبناني، ليكون الهدف اختيار ممثلين جديين وحقيقيين لديهم حس المسؤولية بالوقوف بجانب أبناء بلدهم ومناطقهم في هذه الظروف الصعبة، بدل ترك الساحة والهرب خارج البلد تحت ذرائع واهية نزولا عند رغبة الاجنبي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور