الخميس 27 كانون الثاني , 2022 04:17

استراتيجية واشنطن ضد إيران: تفخيخ الحدود مع الجيران

جو بايدن

ترك الانسحاب الأميركي من المنطقة قلقاً توزع بين إدارة البيت الأبيض وحلفائه نتيجة ما يسمونه "المد الإيراني" في المنطقة. خاصة أن الجمهورية الإسلامية أمام مرحلة من الصعود الإقليمي البارز في التوقيت نفسه الذي تشهد فيه الولايات المتحدة مرحلة صعبة اضطرت نتيجتها للانسحاب من بلاد احتلتها لعقود.

المحلل في شؤون منطقة غرب آسيا حسين افراخته أشار في مقال نشرها على موقع "تبيين" ان واشنطن عملت على تأجيج المنطقة قبيل انسحابها حتى تجعل إيران تواجه التحديات الأمنية على حدودها مباشرة. معتبراً ان "الاستراتيجية الأمريكية لمنع توسع قدرة إيران في المنطقة، هي تورطها في أزمات مختلفة على صعيد مناطق حدودها".

النص المترجم:

إن وقوع الأحداث الأخيرة عند أطراف حدود البلاد، أثارت التساؤل حول ما إذا كان هذا الحجم المتزايد من التهديدات قد نشأ بشكل طبيعي، أم أنه نتيجة تصميم مركز فكري واحد، يهدف إلى إضعاف إيران. في هذا السياق، نفذت الولايات المتحدة الأميركية عملياً سياستها المبنية على الانسحاب من منطقة غرب آسيا، خلال انسحابها من أفغانستان، وإعلان الانسحاب من العراق بحلول نهاية هذا العام، بالإضافة إلى زيادة إمكانية انسحابها من سوريا.

في خضم ذلك، فإن المسألة المهمة عند الغربيين، هي ملء فراغ السلطة الناجم عن الانسحاب الأمريكي، والذي ربما قد تملؤه أطراف مثل إيران. لذلك، يبدو أن الأميركيين، قبل الانسحاب وعلى عكس عام 2009 (الانسحاب الأميركي من العراق)، كانوا ينظرون إلى هذا القلق، ويتطلعون لإيجاد صيغة حل مناسبة لهذه المعضلة. وبحسب الأدلة، فإن الاستراتيجية الأمريكية لمنع توسع قدرة إيران في المنطقة، هي تورطها في أزمات مختلفة على صعيد مناطق حدودها.

فالأزمة الأذربيجانية، هي من الأمثلة الأولى على تطبيق مثل هذه السياسة، والتهديدات والتحديات على حدود المناطق الشرقية والغربية، ودول منطقة الخليج الفارسي، هي الحالات التالية، حيث من المقرر تورط الجمهورية الإسلامية فيها على المدى المتوسط، لتقويض قدرتها، وفقدان قدرتها على لعب الأدوار في المنطقة.

السياسة الأمريكية بعد الانسحاب العسكري من منطقة غرب آسيا

يبدو أن الولايات المتحدة، فور انسحابها الكامل من العراق، كانت قد شاهدت استبدال ايران بمكانتها في المنطقة، كقوة متفوقة إقليمية، واضطرت من خلال إنشاء مشروع داعش، إلى تمهيد الأرضية لعودتها إلى المنطقة، وذلك لمنع تعزيز سيطرة إيران الكاملة. لذلك فهي لن تقبل، بأي حال، أن تشاهد تكرار مثل هذا الحدث المأساوي. بالتالي يبدو أن هناك خططا ومشاريع، مصممة لتوريط إيران بقضايا وتحديات مختلفة، في معظم المناطق الحدودية لها مع البلدان المجاورة. وعلى الرغم من وجود اختلاف في ظاهر المسألة، إلا أن هناك قواسم مشتركة لدى جميع المشاريع والخطط، وهي توريط إيران بمختلف التحديات الأمنية.

على سبيل المثال، في إقليم كردستان العراق، تواجه إيران تهديدًا متزايدًا من قبل الجماعات الإرهابية المعادية للثورة، وفي جمهورية أذربيجان ذلك، تواجه المزاعم والادعاءات والمطالبات، الحدودية والجيوسياسية الخاصة بالبلاد.

يبدو أن كل هذه القضايا التي من المتوقع أن تزداد في المستقبل، تهدف إلى تقويض قدرات الجمهورية الإسلامية في مختلف المجالات، الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية. وبحسب هذه الخطط، لا ينبغي لإيران أن تمتلك القدرة اللازمة للعب الأدوار، وإحداث التغيير في المنطقة، بل يجب أن تتهالك من مختلف الجهات، إلى أن تفقد فيه إمكانية القيام بدور فعال في مختلف المجالات.

وفيما يتعلق بالملفات المهمة في المنطقة، مثل سوريا واليمن، حيث لدى الجمهورية الإسلامية فيها خلال العقد الماضي، استثمارات عديدة مادية وروحية واسعة النطاق، والآن حان الوقت لتعيين مصير تلك الملفات. فمن المطلوب معالجة هذه الملفات، في أجواء يكون فيها لإيران أقل فرصة للتدخل والتصرف، وحد أدنى من الفائدة والأهم من ذلك، أن يتم حل هذه الملفات، ضمن توافق مع النظم المنشودة لكتل الطرف الآخر.

-مجالات التوتر والاختلاف في المناطق الأربع المذكورة ذيلاً

وفقًا للأدلة الميدانية الواضحة، تواجه الجمهورية الإسلامية حالياً تحديات خطيرة، على صعيد أربع مناطق مجاورة لها (الشرق، والشمال الغربي، والغرب، والجنوب). فإن إلقاء نظرة سريعة على كل مجال من هذه المجالات، سيعطينا صورة أكثر وضوحاً للوضع الحالي.

أفغانستان

مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والتسليم الفعلي للسلطة إلى طالبان بعد مضي عشرين عامًا، عادت إلى الظهور مجدداً حكومة سنية متطرفة، ذات سياسة جهادية على طول الحدود الشرقية لإيران. ومع أنه لا يزال هناك نقاش حاد، حول ما إذا كانت سياسة الانسحاب الأمريكية في أفغانستان، وضعت على أساس توريط أطراف أخرى مثل إيران، أو السعي لتحقيق أهداف كبرى؟ وبالتالي فإن إيران، عن غير قصد، تنخرط في التبعات السلبية لهذه السياسة. لكن مجرد تشكيل دولة سنية متطرفة، على امتداد حدود مناطق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تشكل بحد ذاتها تهديداً محتملاً لإيران. ولاسيما عندما نعلم أن بعض الفصائل المتطرفة في حركة طالبان، مثل شبكة حقاني، لها مكانة خاصة في الحكومة الأفغانية الجديدة.

2- أذربیجان

بعد مضي قرابة عام، من وقوع آخر صراع في منطقة ناغورني كاراباخ، والذي أدى إلى انتصارات كبيرة لدولة أذربيجان، حيث تمكنت الدولة بعد مضي ثلاثين عامًا، من احتلال أجزاء كبيرة من الجزء الجنوبي من هذه المنطقة.

من جهة أخرى وفي خطوة مشبوهة واستفزازية، أثارت أذربیجان مشاكل عديدة، ترتبط بطرق الحمل والنقل الإيرانية إلى أرمينيا وجورجيا، وذلك خلال المطالبة بدفع حقوق المرور، واحتجاز سائقين إيرانيين، وسد الطريق الرئيسي لإيران إلى أرمينيا.

في هذا السياق تبين فيما بعد أن هذا البلد، من وراء تحريض بعض الأطراف مثل تركيا وكيان الاحتلال، بصدد وضع خريطة عملية على مناطق حدود إيران وأرمينيا، حي ترمي إلى سد الحدود الوحيدة بين إيران ويريفان. وبالتالي، يمكن القول إن هذه الخطة قيدت حركة المرور البرية الإيرانية مع أوروبا، بمناطق مثل أذربيجان وتركيا، وبهذه الطريقة، مهدت الطريق لإبداء مطالب تركيا المستقبلية من إيران، في مختلف المجالات. من جانب آخر، يبدو أن المطالبة بإيجاد ممر بري يسمى "زنغزور"، على حدود مناطق بين إيران وأرمينيا أمراً طبيعياً، لكنها في الواقع، تسعى إلى إيجاد تغيير في الحدود الايرانية والجغرافيا السياسية للمنطقة، الأمر الذي سيشكل مخاطر كبيرة على حاضر ومستقبل مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كما أن أذربيجان، بواسطة العلاقات التي أقامتها مع هذا الكيان، والتي تزداد من عمقها وأبعادها يومًا بعد يوم، وضعت أراضيها تحت تصرف كيان الاحتلال، وذلك من أجل جعل العدو الأول لإيران بالقرب من حدودها، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لطبيعة ومصالح الجمهورية الإسلامية.

3-إقليم كردستان

إن أنشطة بعض الجماعات الإرهابية، المتمركزة في المناطق الكردية بالعراق ليست قضية جديدة، وهي تتفاقم من وقت إلى آخر، لكن في الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية، أصبح الوضع على الحدود الغربية للبلاد غير آمن للغاية، حتى وصل الأمر إلى درجة عالية من الخطر، ووجهت القوات العسكرية الإيرانية العراقية ضربات شديدة على مراكز وقوات هذه الجماعات، من خلال شن عدة عمليات في عمق الأراضي العراقية، وستواصل هذه العمليات بشكل حاسم، فيما لو لم يكن هناك موقف واضح لمسؤولي الإقليم، وحكومة العراق لهذه الجماعات.

واللافت في هذا الأمر، أن هذه الجماعات لن تكون قادرة على القيام بعمليات إرهابية وتخريبية خطيرة، دون تجهيز ودعم جهات خارجية. وعندما تزداد أنشطتهم الإرهابية، فذلك يكون مؤشراً على دعم الأجانب لهم. وبالنظر إلى سابقة هذه الجماعات والتواجد الأمريكي الجاد في العراق، فمن الممكن أن يتم تنسيق تحركات جديدة لهذه الجماعات، وتحديدها من قبل الولايات المتحدة تماماً.

4- الحوض الجنوبي لمنطقة الخليج

مع تبيين نتائج مشروع تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وكيان الاحتلال، الذي تم تصوره ومتابعته، بدعم وضغوط من الحكومة الأمريكية آنذاك في العامين الماضيين، وقعت الدولتان (الإمارات والبحرين)، منذ فترة قصيرة، اتفاقية تطبيع مع كيان الاحتلال، وافتتحت سفارة الكيان الصهيوني في عاصمة البلدين رسميًا. في حين لا يمر أسبوع، إلا ويكون هناك تواجد لعدد من الوزراء ومسؤولي كيان الاحتلال في هذه المنطقة رسمياً، وبذرائع مختلفة.

وربما لا حاجة للتوضيح، لكي نعلم ما هو الخطر والتهديد الخطير، الذي شكلته هذه الدول على طول الحدود الجنوبية لإيران بعد تطبيعهما مع كيان الاحتلال، حيث جرّ هذا الكيان فعليًا إلى الحدود الإيرانية، وحتى المجاورة لمنطقة الخليج، التي يتمتع موقعها وأمنها بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى إيران.

الاستنتاج:

بالنظر إلى تواجد التهديدات المتزايدة، التي يتم خلقها بشكل جاد على أطراف المناطق الحدودية لإيران، ويزداد عمقها وخطرها يوماً بعد يوم، فضلاً عن التحديات الأخرى التي تهدد بشكل مباشر أمن البلاد، من خلال مصادر التهديد المتمثل بكيان الاحتلال، وبالإضافة إلى تلك التهديدات القابلة للتنفيذ بشكل جدي، لذلك فمن الضروري أن يتم فهم مبدأ التهديدات حول إيران بشكل جيد، في مجموعة نظام الحكم، وإيجاد حل أساسي وواقعي له، وفي النهاية اتخاذ إجراءات عملية سريعة وحاسمة، لتأمين مصالح البلاد. لأن العديد من التهديدات المذكورة، هي قضايا في حال تم القصور عنها، ربما قد لا يكون من الممكن القيام بخطوة مؤثرة، للقضاء على خطورتها وتهديداتها، كما أنه في حال اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب، لربما أصبح هناك إدارة مطلوبة لبعض هذه التهديدات (على سبيل المثال موضوع أذربیجان).


المصدر: موقع تبيين

الكاتب: حسين افراخته




روزنامة المحور