الأربعاء 22 كانون الاول , 2021 04:29

الانسحاب من العراق: واشنطن لا تملك رفاهية الوقت

يشهد العراق جملةً من التحديات على مستويات عدة، سياسيةً وأمنيةً وعسكرية، خاصّةً بعد الانتخابات النيابية المبكرة، والتي أُجريت في الـ من 10 تشرين الأول الماضي؛ والتي ما زالت البلاد تشهد على إثرها انقساماً سياسياً حاداً، مع "ممالطة" القضاء في حسم الطعون المقدمة بالنتائج المعلنة، إذ أجلت المحكمة الاتحادية العليا -اليوم - البت بها إلى 26 كانون الأول الجاري.

من جهة أخرى يتصدر انسحاب القوات القتالية الأميركية من البلاد المشهد السياسي والأمني أيضاً، لما يترتب عن هذا الاستحقاق من نتائج قد تتسم بالتصعيد، خصوصاً إذ ما رغبت الولايات المتحدة بالمناورة واستغلال اللحظات الأخيرة لها بغية كسب المزيد من "الوقت وأوراق الضغط"، أو لترتيب انسحاباً يحفظ ماء وجهها وهيبتها، عكس ذلك الذي رصدته مئات الوسائل الإعلاميّة في أفغانستان الخريف الماضي.

بدورهم، يدرك العراقيون جيداً قلق واشنطن من الفراغ الذي ستخلّفه؛ إذ اعتادت -منذ أواخر القرن الماضي - على وجودها الموسع والمفتوح في المنطقة، مع تسهيلاتٍ مطلقة لمهامها واستطلاعها وتواجدها الاستخباراتي والعسكري.

أما اليوم، فإن واشنطن تستعد للانسحاب من بلدٍ يضم أكبر سفارة لها في العالم، مضطرة ولا تملك رفاهية الخيار، في ظل إجماع وطني عراقيٍّ على ذلك. تلك القوى، على اختلافها، تتسلّح بالقدرة على فرض خيارها السياسي مع ازدياد قدراتها العسكرية والقتالية، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عشية زيارته إلى "البيت الأبيض"، في تموز الماضي، قائلاً إن "القوات الأمنية العراقية والجيش قادرون على حماية أمن البلاد"، مؤكّداً أن بلاده "لم تعد بحاجة إلى قوات قتالية أميركية لمحاربة تنظيم داعش".

وعن تفاصيل عمليات الانسحاب، يؤكد المتحدث باسم "قيادة العمليات المشتركة" اللواء تحسين الخفاجي، في حديث خاص مع موقع "الخنـادق"، أنه "تم سحب القوات القتالية والمعدات الأمريكية من القواعد العسكرية العراقية، والعمل الآن على المهمة الجديدة غير القتالية، والمتمثلة بالاستشارة والمساعدة والتمكين"، مشيراً إلى أن "كل قوات التحالف الدولي كانت تقاد من الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك بعثة القوات القتالية للتحالف انتهت مهمتها في العراق وانتقلنا إلى مسار جديد". 

الوجود العسكري الأميركي في العراق

لا تفصح واشنطن عن الأعداد الحقيقية لقواتها في العراق بشكل دقيق. ثمة من يقول إنه لا يمكن حصر هذه الأعداد في "بلاد الرافدين"، لأنها جوالة وتتحرك بين قواعد الشرق الأوسط، لكن التقارير الرسمية تفيد بوجود 2500 جندي أميركي تقتصر مهمتهم على التدريب والاستشارة والتسليح، مع العلم أن هناك من يشير أيضاً إلى أن الرقم أكبر من ذلك. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر خاصّة لـ"الخنادق"، أن عديد القوات الأمريكية في عهد الرئيس عادل عبد المهدي، بلغ 8956 عسكري، وهو رقمٌ أكّده عبد المهدي بنفسه في جوابٍ خاصٍ على سؤال من النائب عن "تحالف الفتح" فالح الخزعلي. اللافت، أن عبد المهدي، لم يكن يعتبر هذا التواجد بالاحتلال، فالقوات الأمريكية كانت منتشرة على طول الأراضي العراقية وبطلبٍ رسميٍّ من الحكومة الاتحادية منذ العام 2014، مع سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" في حزيران من العام نفسه. الحكومة نفسها، عادت واعتبرت هذه القوات محتلّةً للعراق، بعد عملية المطار، والتي اغتالت فيها القوات الأميركية قائد "قوّة القدس" في حرس الثورة اللواء الشهيد قاسم سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" الشهيد أبو مهدي المهندس، ورفاقهما، مطلع عام 2020.

وفي المعلومات الخاصّة، فإن القوات الأميركية طوال العامين الماضيين، وبعد القرار البرلماني والداعي إلى إخراج القوات الأجنبية، عملت وفق مسارين:

-الأوّل، تقليص مساحة الانتشار العسكري وتأطيره في خطوةٍ احترازية مع تصاعد ضربات فصائل المقاومة العراقية، والتي تنوّعت بعد صاروخية وتفجير عبوات ضد أرتال الدعم اللوجستي.

-الثاني، إطلاق مسار تفاوضي مع حكومة الكاظمي، في إحياءٍ للمفاوضات الثنائية التي أجريت قبل عقدٍ من الزمن، وأسفرت في نهاية المطاف عن توقيع اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" والانسحاب المدوّي عام 2011. في هذا المسار، وبعد 4 جلسات مطوّلة، ولقاءاتٍ متبادلة، توصّل الجانبان إلى الإعلان عن انسحاب القوات القتالية أواخر العام الجاري، بشكلٍ كامل.

أما التواجد العسكري الأميركي، فيتوزع على قواعد مختلفة من العراق:

-جناح في قاعدة القيارة جنوب مدينة الموصل، والتي أخليت صيف 2020

-جناح في قاعدة كركوك جنوب شرق مدينة الموصل، والتي أخليت صيف 2020

-قاعدة الحرير الجوية، في مطار أربيل...

وفق تجربة الشعوب والدول حيال سياسات واشنطن التي تقوم على المماطلة والتسويف إضافة للمناورة التي تصل إلى حد تغيير الموقف في اللحظات الأخيرة، إضافة للشكوك التي تحوم حول جدية واشنطن بالانسحاب من العراق فعلياً دون محاولة الالتفاف، تؤكد فصائل المقاومة العراقية على تهديداتها باعتبار القوات الأميركية قوات احتلال بعد انتهاء المدة المتفق عليها للانسحاب. وكان قائد كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي قد أعلن في وقت سابق عن "تأجيل فعاليات المقاومة إلى ما بعد أعياد رأس السنة الميلادية، حيث قال في بيان له "سنأخذ احتفالات المسحيين في رأس السنة الميلادية بنظر الاعتبار، ونحن نعد العدة للمنازلة الكبرى 31 كانون الأول في حال أحجم الاحتلال عن الانسحاب من أرض العراق".

وقد حصل موقع "الخنــادق" على صور من داخل الجناح الأميركي من قاعدة عين الأسد، تظهر خلوها من القوات الأميركية، إضافة لبعض المعدات التي تم تسلميها إلى القوات الأمنية العراقية. 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور