الأربعاء 24 تشرين ثاني , 2021 03:37

الشهيد عماد عقل: نموذج الأدمغة العسكرية الفلسطينيّة

الشهيد القائد عماد عقل

"سيد الاشتباك من نقطة صفر" و"الاسطورة" (بحسب رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين) لقبان لشخصية واحدة، عماد عقل، وهو قائد ميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسّام أصقل المقاومة منذ بداية عملها بالخبرات العسكرية وباستراتيجيات جديدة نوعية شكّلت مساراً مختلفاً في المواجهة وبلورت خطّ ورؤية هذه المقاومة في إطار خلق موازين قوّة تردع كيان الاحتلال الإسرائيلي وتجبره على دفع ثمن جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

فمن هو القائد عماد عقل؟

كان عماد عقل معتقلاً في عام 1988 "بتهمة" الانتماء لحركة حماس ومشاركته في فعاليات انتفاضة الاقصى الاولى ثم خرج بعد ذلك عام 1990 والتحق بصفوف كتائب القسام.

انتقل في البداية من غزّة الى الضفة الغربية، ليؤسس المجموعات العسكرية للكتائب وانتُخب في بداية العام 1991 ضابط اتصال بين "مجموعة الشهداء" وبين قيادة الكتائب، وكانت تلك أول مجموعة في القسّام، حوّل الشهيد عقل عملها بشكل أساسي الى تطهير الضفة من عملاء الاحتلال. ثمّ تولى القائد عماد عقل مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل، ليضع خطط جديدة في العمل العسكري الميداني: مهاجمة الاحتلال والاشتباك مع جنوده من "مسافة صفر"، كسّرها في العديد من العمليات التي نفذّها حيث أطلق عماد عقل النار على سيارة عسكرية في محافظة الخليل تقل ضابطة وثلاثة جنود أدت إلى إصابتهم جميعاً، ولم تمضِ أربعة أيام على العملية حتى هاجم القائد عقل ومجموعته معسكراً لجيش الاحتلال بالقرب من الحرم الإبراهيمي وفي وضح النهار، أدت إلى قتل جندي اسرائيلي وإصابة آخر بجراح خطيرة.

الدور النوعي في قطاع غزّة

بعد انجازاته في الضفة صار القائد عقل مطارداً من اجهزة الاحتلال الاستخباراتية، فعاد الى قطاع غزّة لكنه لم يقطع التواصل مع الضفة ونظّم عملها العسكري، وظل يتنقل الى هناك، وفي غزّة شكّل أيضاً مجموعات مقاومة، وأبتكر استراتيجيات جديدة لمواجهة الاحتلال وقاد عمليات نوعية وصفت بالجريئة، كان أبرزها:

_ رصد موكب مسؤول شرطة الاحتلال أنذاك الجنرال يوسي أفني مدة شهرين حتّى تمكن مع مجموعته من نصب كمين للآلية وفي لحظة وصولها الى النقطة المحددّة، اشتبكوا مع جنود الاحتلال مستخدمين الأسلحة الاولى البسيطة "الكارلو" والقنابل اليدوية محلية الصنع،وأسفر الكمين عن إصابة جنرال الاحتلال وجنديين آخرين وكانت بذلك أول عملية عسكرية مصوّرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية حيث وثّقتها كتائب القسّام، و قد جعل منها القائد عقل نفطة تحوّل في الفكر العسكري الذي صار يسعى للاقتراب أكثر في الاشتباك حتّى يتمكّن من تحصيل الغنائم والحصول على أسلحة أكثر تطوراً.

_ عملية مسجد "مصعب بن عمير" بحي الزيتون شرق القطاع، وقعت في 12 أيلول 1993

في وقت كانت تدور فيه مفاوضات ما يسمى اتفاق "أوسلو" بين السلطة  الفلسطينية والكيان الاسرائيلي، وخلال ليلة تنفيذ العملية خلال هذه الليلة، كمَن عماد عقل برفقة مقاتل آخر، في بيت مهجور قُرب المسجد، يطلّ بابه على الشارع الذي ستمر به آلية الاحتلال، وكان هناك عنصر آخر من الكتائب، يراقب الطريق لإعطائهما إشارة اقتراب "الجيب"، بعد حوالي أربع ساعات من الرصد والمراقبة أعطى العنصر الاشارة للقائد عقل والعنصر الاخر الذي كان معه، وباغتا الاحتلال بمبادرة اطلاق النار والهجوم، أدت العملية الى قتل ثلاث جنود اسرائيليين واغتنام قطعتي سلاح من نوع "ام 16"، كانت صفعة قاسية للاحتلال لم يتوقعها ومسار جديد لنوعية العمليات العسكرية التي بدأت تصيب الكيان حيث علّق رئيس وزراء الاحتلال  اسحاق رابين بعد العملية "اتمنى لو أستيقظ من نومي فأجد غزة وقد ابتلعها البحر".

قائد  الحرب النفسية

لم تكن العمليات العسكرية وتطور أسلوبها هو الهم الوحيد للقائد عقل، بل انه أيضاً كان يعمل على تشتت البنية النفسية للاحتلال ومسؤوليه العسكريين وتحطيم صورته الذي يزعمها  من خلال الخطابات التي كان يطلقها في كل المناسبات حيث قال عقل "إن الجندي الإسرائيلي الذي يقف أمامكم، هو جندي مهتّك داخليًّا، نفسيًّا ومعنويًّا، يجب علينا كسر القوة الإسرائيلية، عن طريق قتل الجندي الذي تراه إسرائيل رمز قوتها"، ليحثّ الشعب الفلسطيني على مزيد من الاصرار والمقاومة. كما أدخل القائد الاسلوب النفسي الجديد حيث كان يتقصّد التخفّي ويظهر في رسائل تهديد مصوّرة وقد لفّ وجهه بالكوفية الحمراء التي لا تكشف إلا عينيه قائلًا: "سنقتل متى نشاء، ونفجّر السيارات المفخخة متى نشاء، وسنطعن بالسكين متى نشاء، تل أبيب وحيفا ليست بمنأى عن رصاصنا"، وبذلك رسم رؤية المقاومة العسكرية.

عملية الاغتيال والاستشهاد

بعد ثلاث سنوات من العمل المقاوم المتواصل كثّف خلالها القائد عقل العمليات ضد الاحتلال واستغل كل الخطط والإمكانات، وبعد ان صار القائد على رأس قائمة المطلوبين للاحتلال، وفي الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1993، حاصرت قوات الاحتلال منزلاً كان يتواجد فيه في حي الشجاعية شمال قطاع غزّة، فاشتبك مع جنود الوحدة حتى استشهد متأثراً بسبعين رصاصة في جسده. وبعد أسبوعين نفذّت كتائب القسّام عملية رد على اغتيال قائدها وقتلت أحد مسؤولي جيش الاحتلال في غزة الكولونيل "مئير مينز".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور