الإثنين 18 تشرين أول , 2021 02:37

2005 – 2021: جعجع وتهديد السلم الأهلي

رئيس ميليشيا القوات سمير جعجع

أعادت مجزرة الطيونة التي ارتكبتها ميليشيا حزب القوات إحياء تاريخ رئيسها سمير جعجع الإجرامي بحق اللبنانيين كما إحياء تاريخه السياسي الحافل بالتآمرات على لبنان والاحزاب السياسية الاخرى.

العفو: تسوية سياسية داخلية وخارجية

 فاغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، شكّل انعطافة حقيقية في تاريخ لبنان، حملت معها العديد من المتغيرات الى الساحة السياسية وأعادت صياغة التحالفات بين القوى والأحزاب، والحدث الأهم كان إخراج سمير جعجع  في تموز من السنة نفسها بعد 11 عاماً من السجن بسبب جرائم ارتكبها خلال الحرب الأهلية بحق مسؤولين في الدولة ومدنيين، بعفو - لم يُبرّؤه -  أُصدر بعد تسوية سياسية خاصة من أجله، وقد عارض حزب الله إقرار قانون العفو وانسحب نواب كتلة الوفاء للمقاومة من الجلسة النيابية آنذاك، كما عارضه أيضاً الرئيس الحكومة السابق عمر كرامي، ورئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد، لكن وافقت عليه أغلبية الكتل النيابية الأخرى، وتشير بعض الأوساط السياسية الى ان النائبة ستريدا جعجع  عقدت صفقة مع المخابرات السعودية  لإخراجه.

وكان ينبغي ان يكون العفو عاماً، وان يشمل مساجين من مناطق بعلبك الهرمل لكن تمت خديعة اللبنانيين ولم يشمل الا جعجع "استثنائياً" ومعه آخرين على مبدأ المحاصصة "وما يُعرف في لبنان بـ " 6 و6 مكرّر".

 وكان لبنان آنذاك يشهد تحركات في الشارع عُرفت فيما بعد بـ"ثورة الأرز"، وأسست لتحالف عُرف بقوى "14 آذار" صار جعجع والقوات اللبنانية جزءً أساسياً منه، وتركّز منذ حينها خطابه نحو سلاح المقاومة "و نزعه"، وبدأ حديثه في كل مناسبة عن شرعية السلاح وادعاءاته بضرورة وحصر السلاح بالجيش اللبناني.

دعم خارجي لجعجع لقتال اللبنانيين

والمفارقة ان عام 2008 وقعت أحداث شبيهة بكمين الطيونة الخميس الماضي، خلال مظاهرة لحزب الله وحركة أمل احتجاجاً على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في مناطق الضاحية.  وبمرور المظاهرة عند كنسية مار مخايل - الشياح أُطلق النار على المدنيين من اتجاه منطقة عين الرمانة برصاصات من النوع المتفجّر، وأقعت 8 شهداء وأكثر من 30 جريحاً، كانت الاصابات أيضاً في الرأس والصدر، وتوجهت أصابع الاتهام لحزب القوات اللبنانية، لكن جعجع نفى.

وفي التاسع من  شهر أيار من العام نفسه، دليل واضح على تآمر سمير جعجع وإدارة الولايات المتحدة لافتعال إشكالات وانقسامات على خلفية مذهبية وطائفية في لبنان، حيث تؤكد وثائق "وكيليس"، بأن جعجع ذهب في زيارة مفاجئة الى السفارة الأمريكية في عوكر  وطلب التحدّث مع القائمة بالأعمال وأراد من الزيارة التأكد من ان واشنطن على علم بأن لديه "بين 7000 و 10000 من المقاتلين  المدربين تدريباً جيداً والذين يمكن حشدهم، ونحن فقط بحاجة للحصول على دعمكم بالسلاح، واذا كان المطار ما زال مغلقاً يمكن تسهيل عمليات التسليم البرمائية" مضيفاً "يمكننا أن نحارب حزب الله".

وفي 13 تشرين الاول20الانف20، قال جعجع في لقاء جمعه برئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن "لدي 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الله"، ويبدو ان بعض طلبات جعجع السابقة من السفارة الامريكية في 2008 قد لُبيت، ولو بعد حين! وأضاف جعجع في وقتها "أنه سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية".

التآمر على الشعب اللبناني

أما خلال الحراك في 17 تشرين الاول 2019، حرف جعجع مطالب الشعب اللبناني المعيشية والاقتصادية وحوّلها الى استثمار سياسي ورفع شعارات تحريضية "لتحميل حزب الله وحلفاءه المسؤولية عن تدهور أوضاع البلد" وللتسليط الضوء على "نزع سلاحه"، وأعلن الانضمام الى تلك التحركات، "يوم 18 تشرين الأول، طلب من عناصر حزبه، في موقف علني، المشاركة في التحركات الشعبية، من دون أعلام أو شعارات حزبية" في العديد من المناطق المعروفة بتبعيتها لسيطرة القوات اللبنانية، ولم يكن ذلك الا بتمويل أمريكي.

القوات والاحتكار

ومع اشتداد ضغوطات واشنطن وحصارها على لبنان وتحركات السفيرة الامريكية دوروثي شيا لتعميق الأزمة على اللبنانيين، ومع بروز ظاهرة الاحتكار للسلع الأساسية، اكتشفت الأجهزة الأمنية صهاريج إبراهيم الصقر، التابع بشكل علني للقوات اللبنانية، والتي كان يحتكر فيها كميات هائلة من المشتقات النفطية، كما ضبطت الاجهزة الامنية لدى الصقر وشقيقه في بعلبك كميات من النيرات من نفس النوع الذي كان مخزناً في العنبر رقم 12 ، وأدى الى انفجار مرفأ بيروت، ما يطرح علامات استفهام  برسم القضاء اللبناني عن علاقة القوات اللبنانية  بهذا النوع من النيترات.

وآخر تحركات جعجع لخلق الفوضى والتوترات، تنفيذه للأجندة الأمريكية الداعمة للأسلوب المسيس والاستنسابي للمحقق العدلي بانفجار بيروت القاضي طارق البيطار، وللمضي نحو إتهام حزب الله زوراً بتفجير المرفأ، ويتوضح الموقف الأمريكي بتصريح السفير، دنيس روس، المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق: "هل من المفاجئ أن حزب الله الذي يُسيطر على مرفأ بيروت يُقاوم أي جهد جدّي للتحقيق في الانفجار المروع وكشف ومحاسبة المسؤولين عنه؟".

 وبناءً عليه، نفذّت ميليشيا القوات المجزرة بحق المتظاهرين المدنيين في منطقة الطيونة، مثّلت بالنسبة لجعجع أوراق اعتماد جديدة للواشنطن، وأظهر نفسه بـ "الزعيم القادر على مواجهة حزب الله" في لبنان، ما يعني انه "يستحق" منها الدعم المالي والسياسي للانتخابات النيابية المقبلة.     

اذاً لم يتاجر سمير جعجع فقط بالسلم الأهلي في لبنان طوال الفترات السابقة وحتى اليوم، بل أيضاً حاول جرّ البلد واللبنانيين جميعاً الى حيث تريد أجنداته وحساباته الخارجية! فماذا بعد!


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور