الإثنين 03 تشرين ثاني , 2025 03:32

زيارة الشرع إلى واشنطن: صفقة على حساب سوريا

أحمد الشرع في زيارته السابقة لترامب

من المفترض أن يصل أحمد الشرع إلى واشنطن في زيارة وُصفت بأنها “تاريخية” في العاشر من تشرين الثاني 2025، سيلتقي خلالها ترامب لتوقيع اتفاقية "لمكافحة الإرهاب ومواجهة خطر تنظيم داعش". تزامن ذلك مع أحاديث عن رفع محتمل للعقوبات الأميركية عن دمشق، وإشارات من الخارجية السورية إلى "عملية الاستقرار" التي ستتناولها الزيارة إلى جانب إعادة الإعمار، وهو تلميح يوحي بإمكانية استئناف المفاوضات مع "إسرائيل". وسط هذه المؤشرات، تبرز تساؤلات حول طبيعة الدور الذي يسعى الشرع للعبه في هذه المرحلة وما هو الثمن الذي تتوقعه واشنطن منه خلال هذه العملية لأنها بالطبع لا تقدم له مجاناً.

منذ توليه الحكم بعد سقوط النظام السابق، حاول الشرع تقديم نفسه كوجه تصالحي منفتح، وتجرد من ماضيه الذي كان منخرطاً فيه بصفوف الإرهاب، حيث برز وكأنه يسعى إلى "كسر العزلة الدولية واستعادة شرعية سوريا في المحافل" وكذلك شرعيته.

زيارة التنازلات

كما هي عادة ترامب الذي يرسم المخططات بعقلية رجل أعمال، ويسعى الآن إلى استثمار الفترة التي يكون فيها الشرع متواجداً الحكم، أياً كانت مدتها، لتحقيق ما يريده من سوريا قبل أن تتبدّل المعادلات ويطرأ عامل جديد على المشهد ولهذا يؤكد مراراً أنه يريد إنجاز الاتفاق الأمني بين سوريا و"إسرائيل" قبل نهاية العام الحالي. كذلك يدرك ترامب أن الشرع، بحكم هشاشة موقعه الداخلي، مستعد لتقديم تنازلات لم يكن النظام السابق ليقبل بها. لهذا يستعجل إتمام الصفقات لتضمن واشنطن مصالحها الأمنية والسياسية. بكلمة أخرى، تتعامل الإدارة الأميركية مع الشرع كفرصة مؤقتة، أو كنافذة يجب استغلالها قبل أن تُغلق.

عقدة الماضي

أما خطاب الشرع، فهو في سياق محاولة مسح صورة الجولاني (الإرهابي) واستبدالها بصورة الشرع (الحمل الوديع) _كما هو حال ما تفعله أميركا_. حيث يتحدث عن "محاربة الإرهاب" وكأنه يكتشف الخطر لأول مرة، متناسياً أنه كان جزءاً من منظومة غذّت داعش وساهمت في تدمير مدن وتهجير آلاف السوريين. المفارقة أنه اليوم يوقّع اتفاقاً مع واشنطن، التي كانت راعية وداعمة لتلك التنظيمات أيضاً، ليتم الإعلان عن مكافحة تنظيم من قبل صانعيه _ليظهروا وكأنهم في غاية اللطف والعالم ينتظر إنجازاتهم ليتحقق السلام_.

لكن ما هو مهم فعلاً في هذه الزيارة هو ما سيجري بين سوريا وكيان الاحتلال وهل سيتم استئناف المفاوضات وعقد جولة خامسة؟ في سبيل توقيع "الاتفاق الأمني". وهذا ما لمح إليه وزير الخارجية السوري عن أن المحادثات ستشمل "عملية الاستقرار في سوريا"؛ فهل سيتم التوصل إلى اتفاق أمني مع "إسرائيل" تحت عنوان الاستقرار؟ ووصف الباحث عمر نشابة ما يجري بوضوح حيث قال: "سوريا أعلنت استعدادها لسلام كامل وتنازلت عن الجولان وقدمت كل ما طُلب منها، وبالرغم من استسلامها قُصفت دمشق واحتُلت درعا وجبل الشيخ. تسليم السلاح لا يأتي بالسلام". كذلك يحدث مع كل الدول التي تظن أن تسليم قوتها التي هي حق لها سيأتي لها بالاستقرار والسلام متغافلة عن امتلاك "إسرائيل" لأكبر ترسانة أسلحة حيث تستخدمها أينما يحلو لها ضاربةً بالاتفاقيات عرض الحائط.

من الرابح؟

في ميزان الربح والخسارة، من هو المستفيد الحقيقي من الاتفاق؟ واشنطن وتل أبيب تحصدان المكاسب الأمنية والسياسية. الأولى تكرّس وجودها في سوريا باسم مكافحة الإرهاب، والثانية تضمن جبهة شمالية هادئة وتطبيعاً غير معلن. أما الشرع، فمكسبه الوحيد هو اعتراف مؤقت من الإدارة الأميركية بشرعيته، مقابل تفريط استراتيجي بالسيادة الوطنية. اتفاق كهذا لن يمنح سوريا موقعاً إقليمياً جديداً، بل يضعها ضمن منظومة أمنية تديرها واشنطن من بعيد.

النتيجة أن الزيارة لا تعبّر عن إرادة وطنية لإعادة بناء سوريا، بل عن مشروع لإعادة هندسة المشهد السوري بما يخدم أمن الاحتلال ومصالح الولايات المتحدة. والحديث عن "رفع العقوبات" وتقديمه كإغراء وأنه بعد أن يتم رفعها سيعيش الشعب السوري في رفاه ونبات ليس سوى طُعم سياسي، فالولايات المتحدة لا ترفع العقوبات مجاناً؛ بل تستبدلها بشروط هيمنة جديدة تحت مسميات أخرى. والشرع، الذي وعد السوريين بتغييرات حقيقية بعد سقوط النظام السابق، يعلم أنه لن يستطيع تحقيقها في ظل استعباد واشنطن.

في النهاية، يصعب النظر إلى زيارة الشرع إلى واشنطن كخطوة نحو الاستقرار. فكيف يمكن لاتفاق يُبرم مع راعية الإرهاب الأولى في المنطقة أن يكون مدخلاً لمكافحة الإرهاب؟ وكيف لمن كان يوماً جزءاً من منظومة الخراب أن يتحول فجأة إلى رمز للإنقاذ؟ المشهد يوحي بأن "الحرب على الإرهاب" عنوان زيارة الشرع إلى واشنطن ليست إلا "ضحك على اللحى" بين مجموعة من الكاذبين اجتمعوا ليبيعوا الشعوب أوهاماً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور