أحد المبادئ التي تبعث على الأسى في الإنتاجية البشرية هو أن التدمير أسهل من البناء. فالمنزل الذي قد يستغرق سنوات طويلة من الجهد يمكن لشخص متهور، لا يملك سوى ثمن علبة كبريت، أن يحرقه في ساعة واحدة. وكذلك الحال مع الكلاب؛ فالتسميم أرخص بكثير من تربيتها والعناية بها. وحتى على مستوى الدول، يمكن بدفع عشرين مليار دولار نحو ترسانة أسلحة نووية أن تُحدث دولة ما خرابًا يفوق ما يمكن أن تُنجزه بعشرين مليار دولار استثمارًا مدويًا. إن القدرة على إلحاق الأذى تثير الدهشة دائمًا، وغالبًا ما تُستغل لإثارة الإعجاب أو الخوف.
امتلاك القدرة على الإيذاء - تلك القوة المطلقة غير المنتِجة القادرة على تدمير ما يعتز به آخرون وإيقاع الألم والحزن بهم - يمنح حاملها نوعًا من النفوذ والمساومة. قد لا تُستخدم هذه القدرة بسهولة، لكنها تظل حاضرة. ففي العالم السفلي، تشكل أساس الابتزاز والخطف والتهديد، وفي عالم الأعمال تظهر في المقاطعات والإضرابات والإقفال. وفي بعض المجتمعات تُستخدم للضغط على الناخبين والموظفين وحتى الشرطة. كما تقف خلف العقوبات القانونية والجسدية التي يفرضها المجتمع كوسائل ردع.
وقد تُمارَس القدرة على الإيذاء بأشكال غير عنيفة، مثل الاعتصامات التي تؤدي إلى خسائر في الدخل، أو بأشكال خفية مثل الاعتداء على الذات لإلقاء اللوم على الآخرين. حتى القانون يمكن أن يُستغل كأداة تهديد - كما في أثينا القديمة حين استُخدمت الدعاوى القضائية لابتزاز أموال سواء كانت مستحقة أم لا. كما تشكل هذه القدرة قاعدة الانضباط في المؤسسات العسكرية والمدنية، وتستعملها الأساطير والآلهة لطلب الطاعة.
وعند التعامل بين الدول، تتحول هذه القدرة إلى ما يمكن تسميته بدبلوماسية القسر. فالردع، والانتقام، والثأر، والإرهاب، وحروب الأعصاب، والابتزاز النووي، والهدنة، والاستسلام - كلها مظاهر لاستخدام العنف كأداة تفاوض. قد تُستعمل القوة العسكرية أحيانًا لتحقيق أهداف بالقهر بدل الإقناع، لكنها في الغالب تُستخدم كتهديد لتغيير سلوك دول أخرى. ويمكن أن تكون هذه الوسيلة خيرًا أو شرًا، دفاعًا أو عدوانًا، لكنها تظل شكلاً من أشكال الدبلوماسية: الجزء الأقبح والأكثر سلبية منها.
ولا يوجد اسم تقليدي لهذا النوع من الدبلوماسية. فهو ليس "استراتيجية عسكرية" بالمعنى الفني، لأنه لا يهدف فقط إلى الانتصار العسكري بقدر ما يهدف إلى فرض الإرادة. إنه الجانب الذي كان يُترك للجيش عندما اقتربت الحرب أو اندلعت، لكن خلال العقود الأخيرة أصبح هذا الجانب مركزيًا في السياسة الخارجية، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث تداخلت القوة العسكرية مع العمل الدبلوماسي كما لم يحدث من قبل.
في هذا الكتاب سعى المؤلف إلى توضيح المبادئ الكامنة وراء "دبلوماسية العنف". قد تبدو كلمة "مبادئ" كبيرة، لكنه اهتم بكيفية استخدام الدول لقدرتها على العنف كأداة تفاوض - كيف تحاول ذلك، وما الصعوبات والمخاطر، وما أسباب النجاح أو الفشل. فحتى عندما تتنافس الدول، تبقى مصالحها متداخلة؛ وبدون هذا التداخل لا تكون هناك مساومة بل مجرد صراع أعمى.
ومع ذلك، لم يكن هذا الكتاب عن السياسات اليومية. لا يتضمن خططًا لإعادة تنظيم الناتو أو احتواء الصين أو تحرير كوبا، ولا يهدف إلى شل حركة الفيتكونغ أو منع الهند من امتلاك أسلحة نووية. فالمبادئ لا تتحول مباشرة إلى سياسات؛ فالسياسات تعتمد على القيم والغايات والتقديرات، وغالبًا ما تتصارع المبادئ المختلفة عند صياغتها.
تُجنَّب في الكتاب مواضيع مثل نزع السلاح أو الثورات أو الإرهاب الداخلي، فكل منها يحتاج إلى معالجة منفصلة. كما أن ثمة قدرًا محدودًا فقط عن عالم متعدد الأقطاب، رغم أن ما يُعرض قد ينطبق عليه كما ينطبق على عالم ثنائي القطب. وإذا بدا ما قيل مناسبًا للحاضر، فثمة احتمال كبير لأن يظل ذا صلة بالمستقبل، وإن بقي ناقصًا.
لم يعتمد المؤلف على أدلةٍ موسعة بقدر اعتماده على أمثلة تاريخية توضيحية، بعضها استعان بطبقات من الخيال لتحسين الإيضاح. فرغم أن أعمالًا مثل حروب الغال لقيصر والحرب البيلوبونيسية لثوسيديدس قد تُقرأ كأدب، فإنها تزخر بأفكار قيمة. كما استخدمت أمثلة حديثة لتوضيح تكتيكات ومبادئ، بدون أن يعني ذكر شيء الموافقة عليه بالضرورة.
ولم يكتب المؤلف هذا العمل بمفرده؛ فقد تلقى مساهمات وانتقادات مهمة أثرت في بنائه وصياغته. كان لبعض النقاد، مثل برنارد برودي وجيمس إ. كنج الابن، دورٌ فعال في مراجعة الفصول، بينما أضاف آخرون ملاحظات حول وضوح اللغة وتنظيم الأفكار. كما فُتح الباب أمام نقاشات في معاهد دراسات استراتيجية ودفاعية في واشنطن ولندن، وجرى تقديم أجزاء من النص في محاضرات بجامعة ييل في ربيع 1965.
الغاية من هذا الكتاب أن يبيّن كيفية استخدام القوة - ليس فقط كأداة للحرب، بل كلغة تفاوض - وكيف يصبح العنف نفسه وسيلة دبلوماسية قسرية تُوظَّف أحيانًا لفرض الحلول أو ردع الأعداء أو حماية الذات، وما يرافق ذلك من مخاطر أخلاقية وسياسية وتكتيكية.
الكاتب: كامبريدج، ماساتشوستس