الجمعة 01 آب , 2025 01:30

هل أوكلت واشنطن الملف اللبناني للرياض؟

لبنان في قبضة أميركية-سعودية

تشهد الساحة اللبنانية منذ أشهر عودة مكثفة للدور السعودي، ولكن هذه العودة لا تحمل ملامح المساعدات أو الاستثمارات كما جرى الترويج لها، بل تأتي تحت سقف خطة أميركية سعودية مشتركة واضحة المعالم لبسط النفوذ والسيطرة على القرار السيادي. الملف اللبناني، وبالتحديد ملف المقاومة وسلاح حزب الله، لم يعد يُدار من واشنطن مباشرة، بل تم تسليمه تدريجياً إلى الرياض، على قاعدة تقاسم أدوار: المال والضغط والتحريض من السعودية ومعها دول خليجية، والتفاوض والتهديد والحماية من الولايات المتحدة.

اللقاء: بن سلمان – ترامب

لقاء محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الخليج كان محطة مهمة للطرفين لتثبيت تفاهمات استراتيجية جديدة في المنطقة. بعد عودته إلى البيت الأبيض، أعاد ترامب إحياء فكرة توزيع الأدوار في الملفات الساخنة، لا سيما في لبنان وسوريا وغزة، فأوكل إدارة الملفات الثلاثة للرياض، على قاعدة: التمويل والإدارة سعودية مقابل الهيمنة السياسية الأميركية.

وفق التسريبات، تعهّد بن سلمان بتوفير غطاء مالي واسع لأي ترتيبات سياسية أو أمنية تتطلبها المرحلة، خصوصاً في لبنان، مقابل دعم واشنطن لدور سعودي أكثر صلابة وتأثيراً في القرار الداخلي، بما في ذلك التعامل مع سلاح حزب الله.

بهذا، تكون السعودية قد تحوّلت من داعم خارجي إلى طرف مباشر في صياغة شكل السلطة في لبنان، في وقت تنسحب فيه واشنطن من الواجهة، وتحتفظ بموقع الموجّه والمستفيد.

لماذا تم تسليم الملف اللبناني للسعودية؟

تم إيكال الملف اللبناني إلى السعودية لعدة أسباب، أبرزها رغبة الولايات المتحدة في إدارة الصراع من بُعد، وتقليل كلفة الانخراط المباشر في ملفات معقدة مثل لبنان، خصوصاً في ظل أولويات أميركية داخلية وخارجية أخرى أكثر إلحاحاً. السعودية، بوصفها حليفاً تقليدياً مالياً، تُعتبر الشريك المثالي لتنفيذ هذا الدور، إذ تمتلك أدوات الضغط والعلاقات الواسعة داخل النظام السياسي اللبناني، وتستطيع تحريك أدواتها في مؤسسات الدولة وفي بعض القوى السياسية، خاصة تلك المتحالفة مع واشنطن.

كما أن واشنطن تسعى إلى استثمار الدور السعودي لكبح نفوذ حزب الله والضغط باتجاه إعادة هيكلة موازين القوى الداخلية، بما يضعف "الحركات المدعومة من إيران في المنطقة" بحسب ظنهم. وبالنسبة للرياض، فإن هذه المهمة تمثل فرصة لاستعادة نفوذها المتراجع في الساحة اللبنانية منذ سنوات، وتأكيد حضورها الإقليمي كلاعب سياسي، لا فقط كمموّل.

موقف رسمي مقلق

في هذا السياق، يبرز موقف رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون، الذي لم يتردد في الإشادة بالدعم السعودي، وتحدّث عن "حصر السلاح بيد الدولة" كموقف ثابت، في انسجام تام مع الرؤية السعودية الأميركية المشتركة.

الإشادة العلنية بالسعودية في هذا التوقيت، بالتوازي مع جلسات حكومية ستُعقد حول "سلاح المقاومة" وضغوط دولية على بيروت، تشير إلى أن رئاسة الجمهورية باتت أكثر قرباً من محور واشنطن – الرياض، ما يفتح الباب أمام تدخلات أكثر وضوحاً في الشأن السيادي اللبناني.

ما الذي تريده السعودية في لبنان؟

السعودية لا تسعى فقط إلى تقليص نفوذ حزب الله. بل تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني بما يخدم رؤيتها الإقليمية الجديدة، التي تقوم على ضرب كل مظاهر القوة غير المنضوية في تحالفات أميركية – إسرائيلية – خليجية.

هذا يشمل:

-الدفع نحو حصر السلاح بيد الدولة (كما تراها السعودية، أي الدولة الضعيفة التابعة).

-تشكيل حكومات "محايدة" تهمّش المقاومة عملياً.

-إعادة هندسة المشهد الإعلامي والديني لمصلحة خطاب التطبيع والاعتدال المدجّن.

خطورة التوكيل

يحمل إيكال إدارة الملف اللبناني للسعودية دلالات بالغة الخطورة، تبدأ من الانتهاك الصريح للسيادة اللبنانية، إذ يتم فرض توجهات سياسية لا تعبّر عن التوازنات الداخلية، بل تُصاغ في غرف خارجية تحت المظلة الأميركية. هذا التوكيل يُعيد إنتاج صيغ الوصاية الإقليمية التي سبق أن كلفت لبنان أثماناً باهظة، ويحوّل النقاشات الوطنية حول مستقبل البلاد وسلاح المقاومة إلى قرار يتخذ في الخارج، بتمويل خليجي وإملاءات أميركية.

الخطير أن هذا المسار يتم بتغطية أميركية مباشرة، وبدعم من بعض القوى اللبنانية التي ترى في المال السعودي فرصة للإنقاذ المالي، حتى ولو كان الثمن تدمير الاستقرار السياسي وضرب عناصر القوة الوطنيةـ بل يفاخر بعض اليمين المتطرف في لبنان بأنه حليف للسعودية وامريكا وملتزم معهما. بهذه الطريقة، يُعاد رسم المشهد اللبناني بما يخدم التوجهات السعودية ويناسب مسارها المتبع حالياً.

في ختام هذا المسار، يتّضح أن الرهان على الوصاية السعودية – التي تحظى حالياً برضى رسمي لبناني – لا يبشّر باستقرارٍ فعلي كما يُروّج له. فالتجربة اللبنانية الطويلة مع الوصايات الإقليمية والدولية أثبتت أن أي إدارة خارجية للملف اللبناني، حتى لو كانت مغلّفة بالدعم المالي أو الدبلوماسي، تقوّض استقلالية القرار الداخلي وتُضعف قدرة المؤسسات على حماية مصالح البلد.

القبول الضمني أو الصريح بهذا النوع من التوكيل لا يفتح باب الإنقاذ، بل يُعيد لبنان إلى نقطة خطيرة من التدويل، حيث تُتخذ قرارات لبنان من الخارج، بما يتوافق مع أولويات الحاكمين لا مع حاجات اللبنانيين. ومن يعتقد أن ذلك سيجلب الاستقرار، يتوهّم أو يتم تضليله. الحقيقة أن لبنان، إذا ما سُلبت إرادته، سيُجرّد من أدوات الدفاع عن نفسه في وجه التهديدات الحقيقية القادمة من إسرائيل وأمريكا والجماعات التكفيرية على الحدود الشرقية وفي الداخل.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور