الثلاثاء 20 أيار , 2025 01:52

نيويورك تايمز: الصين ستكون هي المهيمنة، بينما ستفقد أمريكا أهميتها

السباق الصيني الأمريكي

يعتقد المتخصص في التكنولوجيا والسياسات الصناعية الصينية، البروفيسور كايل تشان، في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، بأنه لا يهم توصّل أمريكا والصين إلى هدنة مؤقتة وغير حاسمة في حرب ترامب التجارية، وهو ما سارع الرئيس الأميركي إلى تصويره كإنجاز له، لأن هذا الأمر لا يسلّط الضوء إلا على المشكلة الجوهرية لإدارة ترامب ولأميركا عموماً: تركيز قصير النظر على مناوشات هامشية، بينما تُخاض الحرب الكبرى مع الصين وتُخسر بشكل حاسم.

النص المترجم:
لعدة سنوات، افترض المنظّرون بداية "قرن صيني" جديد: عالمٌ تتمكن فيه الصين أخيرًا من تسخير إمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة لتتجاوز الولايات المتحدة وتعيد توجيه موازين القوة العالمية حول محور يمرّ عبر بكين.

وقد يكون هذا القرن قد بدأ بالفعل، وعندما ينظر المؤرخون إلى الوراء، فقد يشيرون إلى الأشهر الأولى من الولاية الثانية للرئيس ترامب على أنها اللحظة المفصلية التي ابتعدت فيها الصين تاركةً الولايات المتحدة خلفها.

لا يهم أن واشنطن وبكين توصّلتا إلى هدنة مؤقتة وغير حاسمة في حرب ترامب التجارية. فقد سارع الرئيس الأميركي إلى تصويرها كإنجاز له، ولكن ذلك لا يسلّط الضوء إلا على المشكلة الجوهرية لإدارته ولأميركا عمومًا: تركيز قصير النظر على مناوشات هامشية، بينما تُخاض الحرب الكبرى مع الصين وتُخسر بشكل حاسم.

إن ترامب يضرب بمعول الهدم أعمدة القوة والابتكار الأميركيين. فتعريفاته الجمركية تُعرض الشركات الأميركية للخطر من خلال تقييد وصولها إلى الأسواق العالمية وسلاسل التوريد. كما أنه يُقلّص تمويل الأبحاث العامة ويفكك الجامعات الأميركية، مما يدفع الباحثين الموهوبين للتفكير في الهجرة إلى دول أخرى. ويريد التراجع عن برامج في تقنيات مثل الطاقة النظيفة وصناعة أشباه الموصلات، ويقضي على القوة الناعمة الأميركية في أجزاء واسعة من العالم.

في المقابل، تسلك الصين مسارًا مختلفًا تمامًا.
فهي تتصدر بالفعل الإنتاج العالمي في عدد من الصناعات — مثل الصلب، والألمنيوم، وبناء السفن، والبطاريات، والطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والطائرات المسيّرة، ومعدات الجيل الخامس، والإلكترونيات الاستهلاكية، والمكوّنات الصيدلانية الفعالة، والقطارات فائقة السرعة. ومن المتوقع أن تمثل بحلول عام 2030 نحو 45% — أي ما يقارب نصف — الإنتاج الصناعي العالمي. كما أن بكين تركّز بشكل دقيق على السيطرة على المستقبل: ففي آذار / مارس، أعلنت عن صندوق وطني لرأس المال الاستثماري بقيمة 138 مليار دولار للاستثمار طويل الأجل في التقنيات المتقدمة مثل الحوسبة الكمومية والروبوتات، ورفعت ميزانيتها للبحث والتطوير العام.

وقد كانت نتائج هذا التوجه الصيني مذهلة.
فعندما أطلقت الشركة الناشئة الصينية "ديب سيك" روبوت الدردشة الذكي الخاص بها في كانون الثاني / يناير، أدرك كثير من الأميركيين فجأة أن الصين قادرة على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي. ولكن كانت هناك سلسلة من اللحظات "السبوتنيكية" المشابهة لذلك.

فشركة السيارات الكهربائية الصينية "بي واي دي" — التي سخر منها سابقًا حليف ترامب السياسي إيلون ماسك واعتبرها نكتة — تجاوزت تسلا العام الماضي في المبيعات العالمية، وهي تبني مصانع جديدة حول العالم، وبلغت في آذار / مارس قيمة سوقية تفوق مجموع قيمة فورد وجنرال موتورز وفولكسفاغن مجتمعة. كما تتقدم الصين بسرعة في اكتشاف الأدوية، لا سيما علاجات السرطان، وركّبت في عام 2023 عددًا من الروبوتات الصناعية يفوق ما ركّبه باقي العالم مجتمعًا. وفي مجال أشباه الموصلات، وهي السلعة الحيوية لهذا القرن والنقطة الضعيفة التقليدية للصين، تبني بكين سلسلة توريد مكتفية ذاتيًا بقيادة إنجازات حديثة لشركة هواوي. والأهم من ذلك، أن القوة الصينية في هذه المجالات والتقنيات المتداخلة الأخرى تخلق دورة تكنولوجية فاضلة تعزز فيها التقدّمات في كل قطاع بعضها البعض.

ورغم كل ذلك، لا يزال ترامب مهووسًا بالتعريفات الجمركية. ولا يبدو أنه يدرك حتى حجم التهديد الذي تمثّله الصين. فقبل إعلان البلدين الأسبوع الماضي عن اتفاق لخفض الرسوم الجمركية، تجاهل ترامب المخاوف من أن تعريفاته المرتفعة السابقة على البضائع الصينية قد تفرغ رفوف المتاجر الأميركية، وقال إن الأميركيين يمكنهم ببساطة الاكتفاء بشراء عدد أقل من الدمى لأطفالهم — في توصيف للصين كأنها مجرد مصنع للألعاب والسلع الرخيصة، وهو توصيف بات عتيقًا وغير دقيق على الإطلاق.

تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تدرك أن لا الرسوم الجمركية ولا غيرها من الضغوط التجارية ستدفع الصين إلى التخلي عن نموذجها الاقتصادي القائم على الدولة، والذي أثبت نجاحًا كبيرًا لها، أو أن تعتمد فجأة سياسات صناعية وتجارية تعتبرها أميركا عادلة. بل على العكس، فإن بكين تضاعف رهانها على هذا النهج، وتتبنّى تركيزًا يشبه مشروع مانهاتن لتحقيق الهيمنة في الصناعات عالية التقنية.

تواجه الصين بدورها تحديات جدية. فالركود المطوّل في قطاع العقارات لا يزال يثقل كاهل النمو الاقتصادي، رغم وجود مؤشرات على أن القطاع بدأ بالتعافي أخيرًا. وهناك أيضًا تحديات طويلة الأمد تلوح في الأفق، مثل تقلّص حجم القوى العاملة وتقدّم السكان في السن. ومع ذلك، فقد ظلّ المشككون يتنبؤون بذروة الصين وسقوطها الحتمي لسنوات، ليُثبت الواقع خطأهم في كل مرة. فقوة النظام الصيني الذي تقوده الدولة، والذي يتمتع بقدرة على التحوّل وتعديل السياسات وتوجيه الموارد كما يشاء لخدمة القوة الوطنية بعيدة المدى، باتت اليوم حقيقة لا يمكن إنكارها، سواء أعجب ذلك أنصار السوق الحر أم لم يعجبهم.

إن انشغال ترامب القصير النظر بـ"ضمادات مؤقتة" مثل الرسوم الجمركية، في الوقت الذي يقوّض فيه فعليًا مصادر القوة الأميركية الحقيقية، لن يؤدي إلا إلى تسريع بروز عالم تهيمن عليه الصين.

وإذا استمر المسار الحالي لكل من البلدين، فمن المرجّح أن تنتهي الصين إلى الهيمنة الكاملة على الصناعات المتقدمة، من السيارات والرقائق الإلكترونية إلى أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والطائرات التجارية. وستُخاض معركة التفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي ليس بين الولايات المتحدة والصين، بل بين مدن صينية عالية التقنية مثل شينزين وهانغتشو. أما المصانع الصينية المنتشرة في أنحاء العالم فستعيد تشكيل سلاسل التوريد بحيث تدور حول الصين كمركز، بوصفها القوة العظمى التكنولوجية والاقتصادية الأولى في العالم.

أما أميركا، فقد تجد نفسها في نهاية المطاف دولة منهارة بشكل عميق. محمية خلف جدران جمركية، ستبيع شركاتها تقريبًا حصريًا للمستهلكين المحليين. وسيؤدي فقدان المبيعات الدولية إلى تآكل أرباح الشركات، مما يترك لها موارد أقل للاستثمار في أعمالها. وسيجد المستهلك الأميركي نفسه مضطرًا لشراء منتجات محلية متوسطة الجودة لكنها أكثر تكلفة من نظيراتها العالمية بسبب ارتفاع تكاليف التصنيع في الولايات المتحدة. وستواجه العائلات العاملة تضخمًا متصاعدًا ودخولًا راكدة. أما الصناعات التقليدية ذات القيمة العالية، مثل صناعة السيارات والأدوية، فقد بدأت تُفقد لصالح الصين؛ وستلحق بها الصناعات الأهم في المستقبل. تخيّل مدينة ديترويت أو كليفلاند، لكن على نطاق وطني.

تجنّب هذا السيناريو القاتم يتطلّب اتخاذ قرارات سياسية — اليوم — ينبغي أن تكون بديهية وتحظى أصلًا بدعم من الحزبين: الاستثمار في البحث والتطوير؛ دعم الابتكار الأكاديمي والعلمي والشركاتي؛ تعزيز الروابط الاقتصادية مع دول العالم؛ وخلق بيئة جاذبة ومرحبة للمواهب ورؤوس الأموال الدولية. ومع ذلك، فإن إدارة ترامب تفعل العكس تمامًا في كل من هذه المجالات.

ما إذا كان هذا القرن سيكون صينيًا أم أميركيًا، فهذا أمر يعود لنا. ولكن الوقت المتاح لتغيير المسار ينفد بسرعة.


المصدر: نيويورك تايمز - Newyork Times

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور