الخميس 27 أيار , 2021 05:04

السيد الخامنئي: تلاحم الجبهات

السيد علي الخامنئي

"تلاحم الجبهات" مفهوم أطلقه الامام السيد علي الخامنئي في خطاب يوم القدس هذا العام في السابع من أيار 2021، من منطلق الرؤيا الاستراتيجية لضرورة وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج "الفلسطينيون، سواء في غزة أم في القدس أم في الضفة الغربية سواء كانوا في أراضي 1948 أو في المخيمات، يشكلون بأجمعهم جسدًا واحدًا، وينبغي أن يتجهوا الى استراتيجية التلاحم، بحيث يدافع كل قطاع عن القطاعات الأخرى، وان يستفيدوا حين الضغط عليهم من كل ما لديهم من معدّات". هذا المفهوم نشأ من حالة التشتت التي عمل عليها الاحتلال الاسرائيلي في تفكيك الشعب الفلسطيني عبر الفصل ما بين القطاعات: غزة والضفة وأراضي 48، والتفرغ بمواجهة كل منها على حدة.

ويقصد بالمفهوم تحديدًا نظرة الشعب الفلسطيني كافة إلى التحديات والتهديدات الإسرائيلية التي تحيط بمنطقة أو حي او فصيل او تنظيم على انه تهديد وخطر، والتحرك على أساس كتلة واحدة بحيث يدافع كل قطاع عن القطاع الآخر، ليضغط ويعرقل مخططات الاحتلال، بل ويفشلها. ويتقوم المفهوم بعدة عناصر تقدم استراتيجية واضحة ومتينة للشعب الفلسطيني في نضاله وجهاده لاستعادة أراضيه وحقوقه المسلوبة، ويمكن حصر هذه العناصر بالتالي: تعدد أنماط المواجهة، تشتيت الاحتلال في قراره وأولوياته، الدعم المتقابل والردع المتبادل، التأثير على المجتمع الإسرائيلي، إعادة دمج فلسطيني 48، إعادة الامل للفلسطينيين خارج غزة وبناء معادلة جديدة تحمي الداخل المحتل.

تعدد أنماط المواجهة: تكامل الإمكانات والقدرات ما بين مختلف القطاعات

مع كل استحقاق تعمل القوى المتواجدة على الأرض في كل قطاع على تفعيل إمكاناتها وقدراتها التراكمية القابلة للاستثمار بما يوجه دفعًا أكبر للمواجهة، فيستخدم كل قطاع الأدوات المتوفرة والخاصة به بحكم التوزع الجغرافي. بهذا، تلتحم التحركات المدنية في أراضي 48 مع أعمال الشغب والفوضى مع قوى "عصابات" الضفة مع العمل المسلح في غزة. يؤدي تعدد الأنماط إلى توزيع جهد الاحتلال واضطراره لإدارة عدة انواع من المواجهات في وقت واحد ما يؤدي إلى استنزافه.

تشتيت العدو في قراره وأولوياته: إرباك حركة العدو وشل قدرته على تحديد الأولويات

إن التحرك في عدة جبهات ضد الاحتلال يؤدي إلى تشتت تركيزه وتوزع مهامه بما يفقد السيطرة على مجريات الأمور، ويضعف مردود ونتاج العمل العدواني الذي يقوم به، والدخول في مواجهة شاملة مع الاحتلال على الجبهات الثلاث، من شأنه ان يستنزف قدرات الاحتلال اقتصاديًا وعسكريًا ونفسيًا، ويفقده توازناً في المواجهة المضادة بتعدد ساحات المواجهة. كما يؤدي الى ارتباك الاحتلال نتيجة الحاجة إلى تقييم تداعيات نتائج كل جبهة وضروريات المواجهة وبالتالي توزيع قواه في أكثر من اتجاه واستخدام موارده دفعة واحدة.

ويؤكد فعالية العمل المتكامل ما حدث في معركة سيف القدس، حيث اضطرت "إسرائيل" الى استدعاء جنود الاحتياط في شرطة حرس الحدود إلى مناطق الداخل الفلسطيني نتيجة شدة المواجهات مع الشبان الفلسطينيين العزل والاضطرار الى اعلان الطوارئ فيها خوفًا من فقدان السيطرة عليها بالكامل. وقد وجد قادة الكيان الاسرائيلي في تحركات الشباب الفلسطيني في المناطق المحتلة تهديدً يفوق تهديد الصواريخ.

الدعم المتقابل: التكامل بين القوى والجبهات

الدعم من مختلف القطاعات مع تعدد الأنماط يؤدي الى مسار امتداد لحركة المواجهة تتكامل فيه القوى مع بعضها البعض ويقوى بعضها ببعض بما يعطي زخمًا أقوى لمواجهة التحدي أو الخطر، ويفشل المخطط الإسرائيلي في الاستئثار بمجموعة او منطقة او حي بالمراهنة على القدرة على كبت أي فعل مقاوم طالما أنه مجزأ. إن ما لم يهز "إسرائيل" في العملية العسكرية على غزة هو انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة وأراضي 48 نصرة لغزة، والقيام بما أمكن من عمليات دهس واشتباكات ومواجهات مع المستوطنين ورشق بالحجارة وحرق للسيارات وإرسال رسائل تهديد للمستوطنين وغيرها من الإمكانات المتوفرة البسيطة لكن المرتفعة التأثير.

الردع المتبادل: بما يؤمن ردع الاحتلال وتخفيف اندفاعه باتجاه قطاع من القطاعات

إن زعزعة الخط الخلفي لتحركات الاحتلال الإسرائيلي يقوض نزعة التغول والوحشية لديه. وعندما يدرك الاحتلال أن الجبهة الداخلية مثلًا تتربص له ولن تسكت عن اعتداءاته في الضفة أو غزة، فإنه سيضطر إلى التهدئة والتراجع في حدة العمليات الهجومية. من ناحية أخرى، هزّت معادلة القدس – غزة – كيان الاحتلال وفق المحللين الإسرائيليين لأنها كرست مفهوم الساحة الفلسطينية الواحدة، وامتد أثرها نسبيًا باتجاه تكريس معادلة غزة – الضفة، أراضي 48. ومن هنا، كانت الدعوات في "إسرائيل" من كبار السياسيين والمحللين لضرورة وقف العملية العسكرية للتفرغ لتداعيات حرب الشوارع في أراضي 48 قبل التحول إلى حرب أهلية وتهديد وجود الدولة برمتها.

التأثير على المجتمع الإسرائيلي: تكريس مفاهيم الهزيمة واليأس بكل العدة الموجودة المادية والمعنوية

إن وحدة الشعب الفلسطيني حول القضية الفلسطينية وأحقيتها بالتوازي مع الأزمة الأمنية الإسرائيلية يدفع باتجاه خلق تيار إسرائيلي شعبي مهزوم. ما يمكن أن يقدمه توحيد الجبهات أعمق من مجرد تلاحم القدرات القتالية والصاروخية والشعبية وتعطيل الأعمال وشلل الدولة وخسائر اقتصادية ومادية. إن توحيد الجبهات يعيد إحياء القضية الفلسطينية الحاضرة في قلب الجيل الشاب الصاعد، وبالتالي يوجه ضربة وجودية للكيان الذي عمل على عقود من الزمن على محاولات طمس القضية وحرف بوصلة الصراع عنها. الأمر الذي يعني خسارة كل المقامرين والمغامرين بمصير الشعب الفلسطيني ووجود فلسطين. لقد كثرت مؤخرًا الاعترافات بالهزيمة على لسان المحللين الإسرائيليين، والأخطر على لسان المثقفين والأكاديميين منهم. إن الرعب الذي رافق وحدة الحركة في الساحات الفلسطينية الثلاث كان دافعًا للعديد من هؤلاء للاعتراف بالهزيمة وبأحقية الشعب الفلسطيني بالأرض والدعوة من قبل البعض للعودة إلى الدول الأوروبية.

إعادة دمج فلسطيني أراضي 48: استثمار الوجود الفلسطيني في المجتمع الإسرائيلي في نصرة القضية الفلسطينية

إن الفلسطينيين في أراضي 48 هم فلسطينيون وليسوا "عرب إسرائيل". لقد أن الوقت لتقويم المصطلحات ودعم هؤلاء الذين أثبتوا بجدارة أنهم أبناء الأرض. لقد أظهر الأحداث في غزة والقدس المحتلة أن شرارة الوهج المقاوم الرافض للتطبيع وطمس الهوية الفلسطينية مؤشر قوي على ضرورة التشبيك مع فلسطيني 48، وتوجيه قدراتهم الكامنة باتجاه خدمة القضية ونصرة إخوانهم من الفلسطينيين في باقي الأراضي. التلاحم بين الجبهات هو طريق ضروري وحاسم باتجاه استعادة هؤلاء الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال لعزيمتهم وشعورهم بهويتهم.

إعادة الامل للفلسطينيين خارج غزة: تراكم الثقة بالنصر والقدرات والإمكانات القتالية

استثمار نتائج عملية "سيف القدس" في إلحاق الأضرار الجسيمة بالاحتلال الإسرائيلي على الصعيد العسكري والأمني والاقتصادي والنفسي والاستراتيجي يقع على قدر كبير من الأهمية لتنمية الأمل بالقدرة على المواجهة وتغيير المصير. يساهم التلاحم الحالي في الحفاظ على الثقة بالقدرات التي تكشفت في المواجهة الأخيرة، وتحديدًا قدرات العب الفلسطيني بالتحامه ووحدته. ومن ثم العمل على تنمية الثقة في القدرات الذاتية باتجاه كسر حواجز الخوف والرهبة في مواجهة أي عمل عدواني بلحاظ وجود جبهة في القطاع الآخر حاضرة للتدخل وتعديل الردع وسن معادلة جديدة.

 بناء معادلة جديدة تحمي الداخل: ترسيخ معادلات الاشتباك الجديدة تحت عنوان "تلاحم الجبهات"

إن استفادة الجبهات الثلاث من الردع المتبادل ونموذج الردع الموضعي، وتعزيز قدرات التحدي ومواجهة التفوق لدى الاحتلال تغير القواعد القائمة، وتؤثر في معادلات الاشتباك الجزئية الخاصة بقطاع دون آخر؛ لتصبح المعادلة الحسم هي معادلة "كل فلسطين" عير دمج كل الجبهات وإلغاء كل الفواصل وتحديد البوصلة بدقة باتجاه فلسطين. الأمر الذي من شأنه أن يضعضع الكيان من الداخل، ويقيد أعماله العدوانية والاستيطانية، ويدفع به الى التراجع أمام القوة الموحدة الجديدة القادرة على فرض المعادلات الجديدة وتغيير موازين القوى ورسم مصيرها.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور