الإثنين 29 أيار , 2023 04:47

من يحرض على الفتنة بين إيران وطالبان؟

حرس حدود إيراني وآخر أفغاني يتوسطهما خريطة نهر هلمند

يجمع إيران بحركة طالبان اتفاقيات أمنية ومصالح استراتيجية، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا بدّ من مناوشات بين حين وآخر بين الطرفين، خاصة لدى عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان إلى إيران حينًا، والنزاع على المياه بسبب سدّ كمال خان على نهر هلمند طورًا، وتوترات دبلوماسية حينًا آخر. ومنها ما جرى على الحدود بين إيران وأفغانستان في اليومين الأخيرين. بدأ بمحاولة دخول مهربين مخدرات إلى إيران، حسب مصدر مقرب من طالبان لموقع الخنادق، بالتزامن مع لهجة تصعيدية على مستوى رسمي إيراني رفيع حول قطع المياه عن إيران، قُرئت على أنها تهديدات، وبدأ اشتباك بين الطرفين بالأسلحة المتوسطة، ظنّه حرس الحدود فتح جبهة على أفغانستان، خاصة بعدما فُتحت الجبهات على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات من الجهتين، لإذكاء الصراع على الأرض. الواقع أن التحريض الإعلامي لعب دورًا كبيرًا في إطالة أمد المعركة لتتحول من مناوشات حدودية بسبب تهريب المخدرات، إلى اشتباك من العيار الثقيل، قبل أن يتدخّل مسؤولون من الطرفين للتهدئة.

الخلاف على المياه

غالبا ما يتم تجاهل قضية المياه في التحليلات حول العلاقات الإيرانية الأفغانية. حيث وقّع البلدان اتفاقًا في عام 1973 يلزم أفغانستان بإطلاق 850 مليون متر مكعب من المياه من حوض نهر هلمند العابر للحدود سنويا. هذا النهر من أطول الأنهار في افغانستان. يأتي من سلسلة جبال هندو كوش شمال أفغانستان، ویعبُر قلب افغانستان إلى أن يصِل الى ولایة نيمروز الحدودية ثم يدخل إلى إيران. الولايات المتحدة بنت سد كاجاكي سنة 1953 بين قندهار وهلمند. ثم بنت عام 1966 جزءًا كبيرًا من سد کمال‌ خان في نيمروز على بعد 50 الى 60 كيلومترًا من إيران. توقّف العمل عليه لأسباب أمنية حتى وصل الاحتلال الامريكي وبدأت أعمال إكماله عام 2011 وحين انتهت أعمال البناء، قام الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني عام 2021 بافتتاحه قبل 5 أشهر من سقوط كابول بيد طالبان. وفي حفل الافتتاح خاطب غني إيران عن رغبته بانه لا ينوي تمرير الماء إلا بمقابل النفط. وهو الأمر الذي قُرِئ على أنه نصب فخ صعب في العلاقات الافغانية الإيرانية من قبل الأمريكيين قبل الانسحاب.

السدّ لا ينفع للتخزين

أفاد المصدر المقرّب من طالبان لموقع الخنادق أيضًا عن مشاكل فنية في سدّ كمال خان، إذ وصف السدّ بأنه بُني بشكل لا يستفيد منه الطرف الإيراني ولا الأفغاني. فإذا فاض منه الماء أو فُتِحت أبوابه للتفريغ، ستذهب إلى الصحراء. فحائط السدّ من الجانبين مائل للخلف ولديه مجريان اثنان لسير الماء بشكل طبيعي، الاول يصل إلى وسط نيمروز ثم يشق الطريق إلى إيران. والثاني مباشرة إلى إيران. الأول لا يستطيع أن يعبر كامل الولاية ويدخل ولاية فراه لأن الأرض مرتفعة. ورغم ذلك، يقول المصدر، إنّ أشرف غني نفذ مشروع قناة ري من الخط الاول أي من وسط ولاية نيمروز تقريبًا الي ولاية فراه. فأصبح ضغط الماء ضعيفًا، يصل من السد ببطء شديد، ويُهدر على الطريق بسبب حرارة الشمس وجفاف الارض.

طالبان في ورطة

أفاد المصدر المقرّب أن السدّ على الرغم من مشاكله الفنية، أصبح مشروعًا قوميًا لتأمين الأمن المائي في ظلّ ما روّج له الاحتلال الأمريكي والحكومة الأفغانية آنذاك. وأنّ ثمة جفافًاً حقيقياً في أفغانستان لا سيما هذا العام وخاصة في ولايتي نيمروز وفراه. من جهة، طالبان لا تريد أن تظهر أمام شعبها بأنها تعطي الماء لإيران قبل أن تسقي شعبها، ومن جهة أخرى، فإنّ طلب إيران شرعي وقانوني. لكن يُمارس على طالبان ضغط حقيقي، مشيرًا إلى أنّ المياه، حتى لو كانت متوفرة بشدّة، فإنها غير كافية للطلب داخليًا.  كما أنّ طالبان "لم تكن على علم جيد بالسد، ففي السنة الأولى عندما أفرجت على الماء إلى إيران، انحرفت كمية رهيبة من الماء إلى الصحراء المالحة. واعتقدت إيران أنهم تعمّدوا فعل ذلك. وفي الحقيقة، أنّ من كان يعمل في السد من خبراء، هربوا مع الاحتلال. فتورطت طالبان مع إيران بسبب هدر المياه". يقول المصدر.

التصريحات الإيرانية

صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بأن بلاده لا تعترف بحكومة أفغانستان التي شكلتها حركة طالبان وتدعو إلى تشكيل حكومة شاملة في هذا البلد. ونقلت وكالة "تسنيم" عن عبد اللهيان قوله: "نحن غير راضين عن حقيقة أنه لم يتم تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، وقمنا بإخبار السلطات الحالية في البلاد بموقفنا هذا. لا نعترف بالهيئة الحاكمة الحالية لأفغانستان ونصر على ضرورة تشكيل... حكومة شاملة... لا تعد طالبان متحدثا باسم إرادة الشعب الأفغاني كله بل جزءا منه فقط". كما عبّر عن قلقه من النزاعات التي تندلع من حين لآخر على الحدود الإيرانية الأفغانية.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي أفغانستان من تجاهل حقوق بلاده في المياه بموجب اتفاقية 1973، والتي تحرم محافظة سيستان وبلوشستان – وهي بالمناسبة سنيّة وليس شيعية- من مياه هذا النهر.

وسبق أن قال الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في تغريدة إن كابل "متمسكة بالإيفاء بالتزاماتها" لكنه أشار إلى أن منسوب المياه تراجع نتيجة "الجفاف الشديد" في حين صرّح السفير الإيراني في أفغانستان بأن هناك مشكلة في السدّ تتم معالجتها. إلى ذلك ثمة الكثير من التصريحات والتغريدات التي تعلن أنّ ثمّة قرار لدى طالبان حول عدم الدخول في صراع مع إيران. وقد اتخذت قيادة طالبان إجراءات بفصل عبد الحميد خراساني وهو من قيادات التحالف الشمالي، الذي يحرض على الفتنة والحرب مع طهران، وحذف تغريدة له كان هدد فيها الجمهورية الإسلامية.

تيار إيراني معارض للسلام بين إيران وطالبان

كان لافتًا أنّ أغلب الحسابات التي كانت تعمل على التحريض هي حسابات لأفراد تابعين للتيار الإصلاحي يمكن متابعتها بسهولة على مواقع التواصل، إلا أنّ مصدرًا إيرانيًا صحفيًا أفاد أنّ ثمّة تيار داخل إيران يضمّ أغلب الإصلاحيين وبعضًا من المحافظين بالإضافة إلى القوميين الإيرانيين، يفضلون الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب على الاتفاق الاستراتيجي مع الصين. يرى هؤلاء أن دور إيران كلاعب أساسي لحفظ الأمن في المنطقة هو لصالح المشروع الصيني، وأنّ إثارة الصراعات بين إيران وأفغانستان، سيُبعِد إيران عن المشروع الصيني، ويعطي فرصةً أكبر للاتفاق النووي الإيراني.

التتمة في الجزء الثاني.. حول طبيعة العلاقة بين إيران وطالبان والمصالح المشتركة.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور