الثلاثاء 22 حزيران , 2021 06:56

السعودية والامارات: رقص على رؤوس الأفاعي

بعد عشرات السنين من اللعب على "رؤوس الأفاعي"، وجدت السعودية والامارات في الساحة اليمنية مكانا لتفريغ "الاحتقان" المتراكم وترجمة لأجندتهما المختلفة، التي حاولوا أن يخفوها خلف الصور التذكارية واللقاءات المشتركة التي تجمع أولياء العهود والحكام. لكن وعلى ما يبدو ان هذا "الإمساك لن يكون بالمعروف" ولن يقابله "تسريح بإحسان" خاصة بعد الجولة الدموية التي يرتكبها كل من الطرفين بوكلائهما الانتقالي والاصلاحي في اليمن.

هذا الصراع الذي لم يعد بمقدور الآلة الإعلامية الخليجية ان تخفيه، له تاريخ حافل بالسجالات الدبلوماسية والاقتصادية والتي وصلت غير مرة إلى الصدام العسكري المباشر:

1810: سيطر "آل سعود" على واحة البريمي التي كانت تعتبر "البيت التقليدي" لآل نهيان العائلة الحاكمة في الامارات، لمدة 150 عامًا، الأمر الذي لا يزال عالقا في ذهن الاماراتيين إلى اليوم.

1932: بعد اكتشاف النفط في الجزيرة العربية عاد التنافس الاقتصادي الذي أخذ شكل العداء القبلي إلى الواجهة وترجم عمليا بنزاعات على الحدود المشتركة بين البلدين، نتج عنها بداية ترسيم الحدود في شرق الجزيرة بعد 3 سنوات.

1968: عمد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود وفور انسحاب بريطانيا إلى بسط نفوذه على الواحة في محاولة لضمها إلى المملكة كأمر واقع.

1974: ولكبح أطماع السعوديين في الاستيلاء على المنطقة ولاعتراف السعودية بدولة الامارات، اضطر الشيخ زايد آل نهيان إلى توقيع اتفاقية جدة في "صفقة مجحفة" تخلى فيها عن جزء من المثلث الجنوبي، سبخة مطي وخور العديد الذي يمتد على طول 25 كلم من المنطقة الساحلية وحقل شيبة الذي يحتوي على احتياط يقدر ب20 مليار برميل و650 ألف متر مكعب من الغاز والذي يعد من أهم الموارد التي تغذي شركة آرامكو.

1999: غابت أبو ظبي عن احتفال السعودية بتدشين حقل شيبة كما هددت بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي في تدهور لافت للعلاقات بين الطرفين، خاصة مع وصف سلطان عبد العزيز الامارات بأنها دولة " نصف إيرانية" لأنها تقوم بعلاقات اقتصادية مع طهران، واصفا ما تقوم به "بالنزاعات الصبيانية"

2004: أبدت الامارات رغبتها في إعادة النظر في اتفاقية جدة مع اعتقاد محمد بن زايد ان والده قد وافق عليها حينها "بالإكراه".

وثائق ويكيليكس كشفت انه في العام نفسه وفي لقاء مع المبعوث التجاري الأميركي "روبرت زوليك" تحدث ابن زايد عن "تهديدات الإرهابيين الهاربين من السعودية... الامارات تخطط لبناء جدار بطول 525 ميل على الحدود مع الدولتين".

 2005: قامت المملكة بتعطيل المشروع الاماراتي الذي يهدف لإنشاء جسر يربط أبو ظبي بقطر والذي يمر فوق مياه خور العديد.

2007: في لقاء مع الدبلوماسي الأميركي نيكولاس بيرنز قال بن زايد: "حينما اسافر للسعودية فإنني ألتقي مع قادة سعوديين تتراوح أعمارهم بين 80 و85 عامًا لم يسمعوا عن الانترنت إلا في السبعينات من عمرهم".

2008: بحضور الجنرال ديفيد باتريوس قال بن زايد بأنه لا يرى "الكثير من الأمل بين الأمراء الأصغر سنًا، فالنظام السعودي لا يسمح لأي شخص بالصعود إلا إذا كان فاسدا وخاضعا لرجال الدين".

2009: انسحاب الامارات من "الاتحاد النقدي الخليجي" لإصدار عملة خليجية موحدة في اعتراض على تمسك السعودية باستضافة "البنك المركزي الخليجي".

2010: فتح سلاح البحر الاماراتي النار على زورق سعودي -في تصعيد غير مسبوق- قالت انه اخترق مياهها الإقليمية واسرت مَن كانوا على متنه.

فيما شهدت السنوات القليلة الماضية خلافات وتصادم بين الطرفين تطورت لتظهر علانية في بعض الأحيان، بعد سعي دام لعقود لمحاولة إخفائه، فتعقيبا على بناء المملكة لمدينة "ذا لاين" كتبت صحيفة إماراتية مقالا بعنوان "المدن الذكية لا يعني ان مجتمعاتها ذكية" متسائلة: متى نجحت السعودية من قبل؟ من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران إن لم تكن ثمة قوة خارجية تساندها؟".

الحرب على اليمن تكشف حجم الخلافات

أسقطت الحرب اليمنية ورقة التوت الأخيرة التي كانت تغطي حجم الخلافات بين السعودية والامارات، فالأولى تطمح للسيطرة على حضرموت وحقل "واعد" النفطي الذي يعد بحيرة نفطية فعليا إذ يقدر مخزونه ب5.2 مليون برميل، يقع بين محافظات شبوة وابين والجوف وحضرموت ومأرب وهو ثالث أكبر حقل نفطي في العالم، كما تسعى لنيل رضا الولايات المتحدة التي تعدها حليفا استراتيجيا يقدم لها "الحماية"، بينما ترى الامارات ان استمرار الحرب في اليمن وتورط السعودية أكثر يخدم مصالحها فهذا سينتج عنه حتما استنزاف المملكة اقتصاديا وسعوديا ودبلوماسيا على الصعيد الدولي وبالمقابل فإنها تحرص على تحويل عدن إلى "بؤرة صراع" فالاستقرار داخل هذه المحافظة يمثل "قضية وجودية" بالنسبة للإمارات التي سعت طيلة عقود لتجميد دور ميناء عدن كما أكد رئيس المجلس السياسي في اليمن الشهيد صالح الصماد -قبل اغتياله-.

إضافة إلى ان أبو ظبي ترى بتقديم جزيرتي سقطرى ومايون اليمنيتين "لإسرائيل" سيجعل منها "الحليف الحصري" لها دون السعودية وهذا ما تطمح إليه.

بالمقابل فإن دعم السعودية لحزب الإصلاح والإخوان المسلمين الذين يشكلون "خطرًا" على امن الامارات كما تعتقد، ودعم الأخيرة للمجلس الانتقالي ومدّه بالسلاح والمال والتغطية السياسية يثير حفيظة المملكة خاصة بعدما قرر بن زايد سحب قواته من اليمن وترك السعودية غارقة في مستنقع الهزائم، حتى باتت الحرب في اليمن بمثابة حرب فعلية بين الرياض وأبو ظبي حتى وان كانت على شكل "حرب بالوكالة".

إذن هي "مجموعة من الأمراء الهرمين عديمي الكفاءة القادمين من الماضي، وغير القادرين على التغيير، ونظام فاسد يتم التحكم به من قبل رجال الدين، وشعب ينتظر الولايات المتحدة لتغير له حكومته، ومنبع خصب لتصدير الإرهاب والتطرف" حديث نشرته ويكيليكس عن وصف ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للمملكة السعودية، ويعكس مدى الانسلاخ الذي تشهده هاتين الدولتين الذي يتعدى تضارب المصالح بل يصل إلى حد انعدام "الأرضية الأخوية المشتركة" في ظل غياب قيادات جامعة يهمها تحقيق التقارب بين الشعبين.

للحديث صلة...


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور