الجمعة 14 أيار , 2021 12:58

هبة الأقصى الى انتفاضة.. وغضب عارم لدى فلسطيني 48

في ظل ما تشهده فلسطين من أحداث الآن، يبدو أن الهبة الرمضانية الأخيرة في المسجد الأقصى قد تشكل فتيلاً لاشتعال "انتفاضة فلسطينية ثالثة"، فالشعب الفلسطيني الذي لم يتوانَ يومًا عن نصرة بلاده، لن توقفه اليوم لا الاعتداءات الإسرائيلية، ولا التخاذل العربي.

ففي عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تداعت أحجار الدومينو العربي حجرًا تلو الآخر، وراحت الدول العربية تنسج اتفاقيات للتطبيع مع كيان الاحتلال - بدءًا من مصر أول دولة عربية وقعت اتفاق سلام مع "اسرائيل" عام 1979، تلتها الاردن في العام 1994 ثم كل من الامارات، البحرين، السودان والمغرب في العام 2020 – ضاربين القضية الفلسطينية عرض الحائط ومتغافلين عن الدماء التي خلفتها الجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وعندما نقول انتفاضة، تتبادر القدس المحتلة الى الأذهان، حيث كانت تلك المدينة محور كل الانتفاضات على مر التاريخ، بدءًا من الانتفاضة الأولى عام 1987 وما تلاها من تحركات، وصولًا إلى الانتفاضة الثانية عام 2000 وما تبعها من هبات.

فكيف تطور حضور الشعب الفلسطيني خلال هذه الانتفاضات؟ وهل تؤدي هذه التطورات إلى تحول الهبة الأخيرة إلى "انتفاضة ثالثة"؟

الانتفاضة الأولى: انتفاضة الحجارة

من أهم المراحل التي شهدتها القضية الفلسطينية تأتي الانتفاضة الأولى والتي اندلعت في التاسع من كانون الاول من العام 1987، بعد أن قامت شاحنة عسكرية اسرائيلية في الثامن من الشهر نفسه بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز بيت حانون شمالي قطاع غزة ما أدى آنذاك إلى استشهاد 4 وجرح 7 آخرين.

هذه الحادثة كانت الشرارة الأولى للانتفاضة لكنها لم تكن الوحيدة، اذ شكّلت الانتهاكات الاسرائيلية من اعتقالات وحصار، ونهب للأراضي الفلسطينية وبناء للمستوطنات دوافعًا قوية لاندلاع تلك الانتفاضة. وكان الفلسطينيون قد أطلقوا عليها تسمية "انتفاضة الحجارة" إذ كانت الحجارة الأداة الرئيسية للتصدي لبنادق وآليات جيش الاحتلال العسكرية، كما عمدوا إلى إلقاء الزجاجات الحارقة التي عرفت آنذاك "بالمولوتوف" على جنود الاحتلال ودباباتهم.

"انتفاضة الحجارة" تميزت بأمور عديدة من أهمها ظهور قوى وتنظيمات فلسطينية جديدة أبرزها كان في تأسيس "حركة حماس" بعد نحو أسبوع من اندلاع الانتفاضة، إضافة إلى تعزيز وجود التنظيمات التي كانت موجودة سابقًا وتحديدًا "حركة الجهاد الإسلامي".

وبحسب التاريخ، فقد أسفرت هذه الانتفاضة التي استمرت لست سنوات عن استشهاد أكثر من ألف فلسطيني وجرح الآلاف، فيما أعلنت سلطات الاحتلال عن مقتل 160 اسرائيلي. وكان من نتائج هذه الانتفاضة -التي انتهت يتوقيع اتفاق "أوسلو" بين كيان الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والذي حُددت فيه خمس سنوات للوصول إلى حل نهائي- انتزاع اعتراف من "إسرائيل" وأمريكا، بالشعب الفلسطيني وبقدرتهم على تأسيس حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت مسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية".

الانتفاضة الثانية: انتفاضة الأقصى

بعد انتهاء الخمس سنوات التي كانت مقررة في اتفاق "أوسلو" للوصول إلى حل نهائي بين الفلسطينيين و"اسرائيل" من دون تحقق اي شيء يُذكر، بدأ الغضب الفلسطيني يتفاقم إلى أن تفجر مع اقتحام رئيس وزراء الاحتلال السابق "أرئيل شارون" للمسجد الأقصى برفقة قوات من جيش الاحتلال وذلك في 28 أيلول من العام 2000، الأمر الذي كان فتيلًا لاندلاع الانتفاضة الثانية أو ما عُرفت بـ "انتفاضة الاقصى".

بدأت شرارة الانتفاضة في مدينة القدس المحتلة بعد المواجهات التي شهدتها المدينة وسرعان ما امتدت إلى كافة المدن في قطاع غزة والضفة الغربية. ومقارنة بالانتفاضة الأولى، تميزت الانتفاضة الثانية بكثرة المواجهات وتصاعد وتيرة الاعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، إضافة إلى التطور في الادوات العسكرية للمقاومة من حجارة ومولوتوف إلى الرصاص والصواريخ.

وكانت حركات المقاومة قد تمكّنت من تصنيع صواريخ محلية الصُنع، وأُطلقت أولى هذه الصواريخ على مستوطنة "سديروت" بعد عامٍ تقريبًا من اندلاع الانتفاضة عُرِف بصاروخ "قسام"، كما طورت حركة الجهاد الاسلامي صاروخ "قسام 4"، إضافة إلى صواريخ "أقصى 103" وصاروخ "ناصر" الذين صنعتهما كل من كتائب شهداء الأقصى وكتائب المقاومة الشعبية.

ونتج عن هذه الانتفاضة خسائر كبيرة في الجانب الاسرائيلي لم يُشهد لها من قبل في حروبها مع العرب، حيث قُتِل أكثر من 1000 اسرائيلي بين جنود ومستوطنين وجرح أكثر من 4000 آخرين بالإضافة إلى تدمير أكثر من 50 دبابة "ميركافا" وآليات عسكرية إسرائيلية. أما في الجانب الفلسطيني فقد ارتقى أكثر من 4000 شهيد وحوالي 48 جريح.

ويُعتبر من أبرز الأحداث في الانتفاضة الثانية استشهاد الطفل "محمد الدرّة" الذي اعدمته قوات الاحتلال في حضن أبيه بالرصاص الحي في شارع صلاح الدين جنوب قطاع غزة، وقد انتشرت هذه الحادثة على نطاقٍ واسع بعدما صورتها قناة فرنسية، فتحول الدرة إلى أيقونة المقاومة الفلسطينية والشاهد على جرائم الاحتلال الانسانية. وردًا على ذلك، اعتمدت المقاومة الفلسطينية على تصفية قادة الاحتلال، فاغتالت وزير السياحة الاسرائيلي آنذاك "رحبعام زئيفي"، كما قتلت قائد وحدة الهبوط المظلي الاسرائيلي.

وبعد خمس سنوات على بداية الانتفاضة، وفي العام 2005، توقفت الانتفاضة في الثامن من شباط في العام 2005 بعد الاتفاق على هدنة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في قمة "شرم الشيخ" في مصر.

"اسرائيل" تراهن على نسيان القضية الفلسطينية

بعد توقيع الهدنة، راهن كيان الاحتلال على نسيان الجيل الجديد من الفلسطينيين لقضية فلسطين والقدس، وحاولت قواته بشكل مستمر اقتحام المسجد الأقصى إلا أنها كانت في كل مرة تصطدم بوابل من الحجارة يرميها الشبان المقدسيين دفاعًا عن القدس والأقصى، فخاب الرهان وبات على الكيان التفكير في طرق أخرى لاغتصاب ما تبقى من أراضٍ ومساحات فلسطينية.

وإذا نجحت "إسرائيل" على مر العصور باغتصاب أراضي فلسطين، إلا أنها فشلت في السيطرة على أرواح الفلسطينيين الذين قدموا أرواحهم فداءًا لكل شبرٍ من شوارع فلسطين. وكانت الاحداث الأخيرة في "حي الشيخ جراح" و"باب العامود" وعند مداخل الاقصى خير شاهد على ما قدمه الفلسطينيون -منذ النكبة الأولى والتي تأتي ذكراها في هذه الأيام 15 أيار من العام 1948- فهذا الشعب متمسك بمقولة "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة".

واليوم ومع التطور التي تشهده أدوات المقاومة الفلسطينية من اختراق للقبة الحديدية "الخارجة عن العمل"، والصواريخ الدقيقة، والصواريخ البعيدة المدى، في الأفق إمكانية تحول ما يجري اليوم في القدس المحتلة، قطاع غزة، اللد، الخليل، الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وغيرها من مدن إلى "انتفاضة ثالثة"، و بداية مسار للحرب الاهلية الإسرائيلية  ما قد يشكل ضربة موجعة أخرى في نعش "اسرائيل" لتصل الى زوالها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور