السبت 28 كانون الثاني , 2023 12:43

الخطاب الأذربيجاني مع إيران.. عدائي واستفزازي!

السفارة الأذربيجانية في طهران

قتل مسؤول أمني بالرصاص وأصيب حارسان عندما اقتحم رجل مسلح بكلاشينكوف سفارة أذربيجان في طهران. على الفور اتصل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف واعتبر الأمر "عملًا إرهابيًا"، وسرعان ما أعلنت باكو أنها ستخلي سفارتها وهي تلقي باللوم على إيران في الحادث، في حين نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن قائد شرطة طهران حسين رحيمي قوله إن المهاجم اعتُقل، وأن لديه "مشاكل شخصية وعائلية"، حيث صرّح المهاجم أنّ زوجته محتجزة في السفارة منذ تسعة أشهر.

لا مفاجأة أن يعمد علييف إلى اتهام إيران قبل أي نوع من التحقيقات، إلا أنّ احتجاز زوجة المهاجم التي لم يتمّ تبريرها حتّى الآن، يثير الشك بأنه كان أولى بالسلطات الاذربيجانية أن تكشف عن مصير السيدة وأسباب منعها من العودة الى ايران، وأن لا تسارع إلى اتهام طهران بالتقصير في حماية مقارها الدبلوماسية.

فشل تاريخي في تحريض الآذريين الإيرانيين

الواقع أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، لا يفوّت فرصة للتصريح ضدّ إيران وتحريض الآذريين على السلطات الإيرانية. مع العلم أن محاولات سابقة باءت بالفشل في تحريك نزعات انفصالية لدى الآذريين، خاصة أنّ جزءً كبيراً من علماء الدين في إيران هم من الأذريين، والآذريون متنفذون في الدولة والسلطات الإيرانية. كما أنّ عدد الأذريين في إيران، يفوق عدد سكان أذربيجان نفسها. كانت الأراضي التي هي الآن أذربيجان جزءًا من العالم الفارسي. ومع توسع روسيا جنوباً في هذه المنطقة، اصطدمت مع بلاد فارس، وفي القرن التاسع عشر وقعت الإمبراطوريتان معاهدتي جولستان وتركمنشاي، التي أرست الحدود التي لا تزال قائمة بين إيران وأذربيجان. وبقي عدد كبير من الأذربيجانيين الناطقين بالتركية على الجانب الجنوبي من تلك الحدود. كانوا مهمشين تمامًا خلال سلالة البهلوي، وللدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل، عارضوا دائمًا أي شكل من أشكال القومية الأذربيجانية داخل إيران، وبالتالي ظلوا منفصلين تمامًا عن إخوانهم في القوقاز.

الخطاب الأذربيجاني العدائي واستفزاز إيران

 أجرت القوات الخاصة الأذربيجانية مؤخراً مناورات عسكرية بالقرب من الحدود الإيرانية. تبع ذلك  كلمة إلهام علييف في قمة زعماء منظمة الدول التركية بسمرقند، حيث دعا الدول الحاضرة إلى الاهتمام بحقوق الأذربيجانيين العرقيين في إيران الذين "حرموا من فرصة الدراسة في إيران" بلغتهم الأم وفق تعبيره.  ومما زاد من حدة خطابه، أن علييف أعلن أن باكو ستواصل جهودها لضمان "بقاء المنفصلين عن أذربيجان موالين للأفكار الأذربيجانية وعدم قطع العلاقات مع وطنهم التاريخي".

بعدها بأيام قليلة، في مؤتمر دولي في باكو، أثار القضية مرة أخرى، وقال هذه المرة علانية، " سنبذل قصارى جهدنا لحماية الأذربيجانيين الذين يعيشون في إيران"، الذين "وجدوا أنفسهم معزولين عن دولتنا". ثم في كانون الأول ديسمبر، وقبيل افتتاح سفارة الاحتلال الإسرائيلية، أجرت أذربيجان  تدريبات كبيرة أخرى على طول الحدود الإيرانية، هذه المرة مع تركيا، تحت الاسم الرمزي "قبضة الأخ"، والتي كانت مصدر إزعاج آخر لطهران.

تعليمات من نظام علييف لوسائل الإعلام الأذربيجانية

في سياسة متواصلة بدأت منذ نهاية العام 2021، وعلى خلفية دعم إيران لأرمينيا، حصلت وسائل الإعلام الأذربيجانية على تعليمات محددة بناءً على خطاب الرئيس إلهام علييف بشأن إيران، يُطلب "توسيع الحملة على العلاقات الإيرانية الأرمينية، وتهريب المخدرات، والادعاء بنهب الأراضي المحتلة في ناغورنو كاراباخ وحولها من قبل هذين البلدين". بعد ساعات قليلة، تلقت وكالات الإعلام رسالة أخرى. هذه المرة طُلب منهم توخي الحذر في صياغتهم: لا توجد عبارات تهين "شرف وكرامة" قائد الثورة الإسلامية، آية الله السيد علي خامنئي. ويجب ألا يكون هناك أي ذكر لـ "أذربيجان الجنوبية"، كما يشير القوميون الأذربيجانيون إلى المقاطعات الشمالية لإيران، التي يسكنها بكثافة الأذربيجانيون العرقيون.  بدأت وسائل الإعلام الأذربيجانية العمل على الفور، وبثّت جميع أنواع الاتهامات التي لم يسبق لها مثيل ضدّ طهران. وهو الأمر الذي يحصل الآن منذ الإعلان عن الهجوم على السفارة الأذربيجانية.

استفزازات وهمية

لم تكن العلاقات بين أذربيجان وإيران سهلة على الإطلاق خلال السنوات الماضية. خاصة في ظل التحالف والتعاون العسكري والأمني الوثيق بين نظام علييف وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة العدوّ الدائمة والمشهودة لاستهداف الأمن في إيران. وهو الأمر الذي يجعل هذه الحادثة مثيرة للريبة، واستخدامها للقول بأن المقار الدبلوماسية في إيران غير آمنة، في الوقت الذي يعرف فيه العدوّ أن الأمن الدبلوماسي في إيران هو خطّ أحمر بالنسبة للسلطات الإيرانية.

الواضح أن باكو لا تتردد في المخاطرة بتصعيد التوترات مع طهران، ربما بسبب استقواء أذربيجان بدعم تركيا والكيان المؤقت، باعتبارهما رادعًا ضدّ إيران. إلا أنه من الواضح من خلال أداء وسائل الإعلام وطبيعة الاستفزازات، أن الحكومة الأذربيجانية تحاول شقّ إبرة من خلال الوقوف في وجه جارتها الأكبر بكثير، دون أن تترك الأمور تتصاعد أكثر من اللازم، خاصةً أنها تراقب اعتماد روسيا المتزايد على إيران، وأنها تدرك أن القوة الإيرانية موازية للقوة التركية، وأن الكيان المؤقت محاط بحلفاء إيران المسلحين.


مرفقات


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور