الإثنين 26 كانون الاول , 2022 05:20

جنود الرب أم جنود للشيطان الاكبر؟

جنود الرب - أنطون الصحناوي- القوات اللبنانية

على مرّ العقود الأخيرة، أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية عن قدرتها الكبيرة، في توظيف الجماعات المتطرفة، ولو كانت في الظاهر على تناقض كبير معها. فهكذا كانت الحال مع تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الأفغانية خلال الثمانينيات، وهذا ما حصل مع الجماعات الإرهابية التي استُقدمت الى سوريا، وأبرزها داعش الوهابي الإرهابي منذ سنوات، وهذا ما يحصل حالياً في أوكرانيا، عبر جماعات النيو-نازية. ومن المرجح بقوة، أن يكون تنظيم "جنود الرب" الذي برز مؤخراً في منطقة الأشرفية، هو حالةٌ مماثلة للحالات أعلاه، وذلك للعديد من المعطيات الواضحة، ولوجود بعض النقاط التي تثير علامات استفهام حولها، وبالتالي ليس اتهاماً جزافاً، وهذا ما سيحاول هذا المقال تبيينه.

التلميح للفيدرالية

الكل في لبنان يعلمون بأن منطقة الأشرفية، تعتبر من أبرز مناطق خطوط التماس، بين ما كان يعرف ببيروت الغربية والشرقية. كما أن هذه المنطقة معروفة بانتماء أغلبية قاطنيها السياسي، إلى حزب الكتائب وميليشيا القوات اللبنانية (اللذين استثمرا في العقيدة المسيحية المتطرفة خلال الحرب الأهلية، والتي لا تختلف إطلاقاً عن عقيدة جنود الربّ وهذا ما سيتم تبيّنه بعد قليل)، لوجود المقر المركزي لحزب الكتائب فيها ولما خصّه بشير جميّل من اهتمام كبير بها، بحيث كانت بداية عمله السياسي كنائب لمسؤولها في حزب الكتائب. كما أن الأشرفية، كانت وما زالت تعدّ من المناطق الحيوية بالنسبة للعاصمة، خاصة لسيطرتها الكبيرة على مرفأ بيروت (الذي استثمرته الميليشيات في تلك المنطقة لرفد خزائنها بملايين الدولارات)، بالإضافة الى اعتبارها عقدة وصل مهمة بين العاصمة ومنطقة الشمال.

وبالتالي فإن ضمان السيطرة على هذه المنطقة عبر شبان هذه المجموعة، لا ينتمون ظاهرياً الى حزب سياسي معيّن يتحمل المسؤولية عن أفعالهم، ولا ينافسون هذه الأحزاب سياسياً بدورهم (مع الإشارة الى أن التنافس على الاستقطاب شديد فيها بين حزبي الكتائب والقوات مع وجود معتبر للتيار الوطني الحر)، بل يتلطّون تحت شعارات دينية لما يصفونه بحماية المنطقة ومساعدة قوى الأمن، فإن هذا ما سيساهم تدريجياً في فرض أمر واقع على سكان هذه المنطقة، بل وربما على الدولة أيضاً.

وثمة احتمال أيضاً، أن تقوم هذه المجموعة بتنفيذ عمليات تحرش في المناطق المجاورة ذات الأغلبية المؤيدة للثنائي الوطني، من أجل استدراجهم الى ردة فعل معين قد تصل الى صدام أهلي دموي (كحال مجزرة السبت الأسود خلال الحرب الأهلية)، وعندها سيكون من الصعب على الأحزاب والقوى السياسية وقف التداعيات، وعندها سنصل حتماً الى سيناريو الأمن الذاتي والكانتونات.مما سيشجع ذلك حتماً، الأحزاب التي لديها مشاريع فيدرالية وتقسيمية، على طرح الموضوع بل والعمل عليه، خاصةً أن في ذلك مصلحة كبيرة لأمريكا دون غيرها من الدول العظمى. وهذا ما يستدل عليه من تركيزهم على آيات محددة من الإنجيل التي تقول:

_لاَ اقْتِحَامَ وَلاَ هُجُومَ، وَلاَ شَكْوَى فِي شَوَارِعِنَا. (مز 144: 14)،

_لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟" (2 كو 6: 14).

_فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَمُوتَ فِي الْقِتَالِ، وَلاَ نُعَايِنَ الشَّرَّ فِي قَوْمِنَا وَأَقْدَاسِنَا (1 مك 3: 59).

وهذا ما دفع بالكثير من أهالي هذه المنطقة، الى التعبير عن خشيتهم من هذه المجموعة، وإلى ماذا يمكن أن يتطور سلوكها، بحيث من الممكن أن يعود عهد فرض الخوات والأتاوات.

فما هي أبرز المعلومات حول هذه المجموعة؟

_ تتألف هذه المجموعة من عشرات الأشخاص الذين يقدّر عددهم ما بين 100 و300 شخص.

_ يرتدون لباساً موحّداً طابعه الأسود مع شعار واحد وعبارة "جنود الرب"، مع أحذية وتجهيزات عسكرية، ينقصها السلاح في الصورة فقط.

_تجمع العديد من الجهات، على أن هذه المجموعة تتلقى تمويلاً من نبيل الصحناوي ونجله رجل الأعمال أنطون الذي يملك مجموعة "SGBL" للأعمال والمعروف بعلاقاته الوطيدة والوثيقة بالأمريكيين، وعلى الرغم من نفي الأخير لعلاقته بهذه المجموعة، إلا أن الصور التي استحصلنا عليها من حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات الشخصية لأعضائها، تؤكد على وجود علاقة وثيقة تجمع الطرفين على الأقل، خاصة عبر الموظف فادي.س، أحد كبار موظفي المصرف والمشاركين في هذه المجموعة، بالإضافة الى "قائد" المجموعة جوزيف منصور.

نبيل صحناوي وابنه انطون

_ ورد اسم جنود الرب لأول مرّة في العام 2019، خلال الاعتراضات الشعبية على تنظيم حفل لفرقة "مشروع ليلى" في حي الجميزة التابع للمنطقة، على خلفية ترويج هذه الفرقة للشذوذ الجنسي. ومن اللافت أن هذه المجموعة يسوّقون بأنهم ضد الشذوذ الجنسي والإجهاض والزواج المدني، وضد كل ما يحاول الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الترويج له، من ثقافة تتعارض مع الأديان السماوية وقيمها. فلماذا لم نراهم حتى الآن يتصدون لما تقوم به السفارات الغربية، أمريكية وبريطانية وهولندية وغيرها، أو من المنظمات غير الحكومية أو الجامعات، من ترويج بل غزو بهذه الثقافات الشاذة؟!

جنود الرب ومجزرة الطيونة

أمّا الحادثة الأبرز التي أعادتهم الى الضوء، فهي في 15 تشرين الأول / أكتوبر من العام 2021، قبل مجزرة وكمين الطيونة التي ارتكبتها ميليشيا القوات، عندما بيّنت تحقيقات الأجهزة الأمنية، بأنّ أفراداً من هذه المجموعة قاموا في الليلة السابقة للكمين بكتابة شعارات دينية ورسم ونصب صلبان في عدد من أحياء المنطقة الشرقية لشدّ العصب الطائفي. وهنا يستوقفنا جداً الخطاب الذي يتوجهون به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي ينحصر حول أبناء الرب وأبناء الشيطان، بحيث يتحول كل من يخالفهم في الرأي مباشرةً الى الفريق الثاني، وهذا ما يشبه الى حد كبير أسلوب داعش الوهابي الإرهابي. ومؤخراً برزت خلال الإشكال الذي حصل في ساحة ساسين في الأشرفية، عقب تأهل منتخب المغرب الى النصف النهائي من كأس العالم في كرة القدم، حين هاجم أعضاؤها مواكب المحتفلين بشكل بربري ولاقى اعتراضاً من الشعب اللبناني وشجبه الكثيرون.

_تأسّست هذه المجموعة في الـ 3 من تشرين الأول / أكتوبر للعام 2019، في منطقة كرم الزيتون على يد جوزيف منصور، الذي يعتبر من تابعي نبيل الصحناوي ونجله، وكان من المجموعة التي تضم "طارق يتيم" أيضاً، الذي اشتّهر خلال العام 2015، بقتله الوحشي للضحية جورج الريف.

_ بالرغم من نفيهم في العديد من المناسبات عدم استخدامهم للأسلحة، أو عدم سعيهم لذلك (كما حصل مع حركة أحمد الأسير في صيدا سابقاً!)، فإن هنالك العديد من الصور التي تكشف امتلاك هؤلاء الأفراد ومنهم منصور للأسلحة، أو تدربهم عليها.

ما علاقة الأب طوني رزق بهم؟

_ من اللافت علاقة هذه المجموعة بكاهن رعيتي مار جرجي المنصورة وجب جنين الأب طوني رزق، الذي اشتهر في الحادثة التي حصلت يوم الانتخابات في حوش الامراء، حينما انتشر مقطع فيديو له وهو يرمي الحجارة خلال الإشكال مرتدياً زيه الكنسي، مطلقاً حينها عبارة: "يا عيشوا بكرامتكن يا عمرا ما تكون!" معللاً تصرفه هذا بأنه للدفاع عن نفسه متهماً حزب الله، فيما بيّنت الوقائع بأنه لا علاقة للحزب بذلك أبداً. وعلى إثر هذه الحادثة، اشتكى على الأب رزق الكثيرون، منهم الدكتور بيار شبيب عند السلطات البابوية، لما عدّه "تصرفاً مشيناً" منه. فما كان من الأب رزق إلا أن ردّ عليه بالقول: "المشين هو عدم الدفاع عن ديانتنا المسيحية وعقيدتنا وكرامتنا الانسانية ممن يهاجمونها باستمرار لأننا لسنا ابناء جارية ولا ذميين. واعلم ان المسيح طرد التجار من الهيكل ودعانا لأن نكون حكماء ندافع بشرف عن كرامتنا. وأيضاً امام رئيس الكهنة حين لطمه أحدهم على خده لم يدر له الخد الآخر بل اعترض يسوع وسأله لماذا تضربني...".

_ يعدّ الأب رزق الراعي الروحي لهذ المجموعة، من خلال ترؤسه لأغلب القداديس التي تنظمها، والذي يظهر في فيديو أحدها محدداً شروط الانتساب لها، ومن جملة هذه الشروط: "سنكون حيث يجب أن نكون"!

_ من خلال رصد الحسابات الشخصية، يتبين بوضوح أن الأب رزق هو من المقربين بشدة للقوات اللبنانية، وهذا ما يتبيّن من خلال رعايته وحضوره للكثير من مناسباتها، بالإضافة الى عباراته التي لا تخلو من شعاراتهم، وارتباطه بالشخصيات البارزة بعدائها لحزب الله كشربل بدر.

ارتباط جنود الرب بالقوات

_ لا يخفى على أحد وجود ارتباط ما بين جنود الرب والقوات اللبنانية، خاصة وأن المجموعة وأكثرية عناصرها، لا يخفون انتماءهم أو مناصرتهم لها، كما لا يخفون كرههم للرئيس ميشال عون وللتيار الوطني الحر.

_ عند تعرفيها بجنود الرب، تقوم بنشر صور مقاتلي القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية، لا سيما تلك التي تظهر ممارسة المقاتلين للصلاة وقراءة الإنجيل.

كما يعدّ لافتاً تشابه عرض الشعار الخاص بهم على شبكاتهم الاجتماعية، وسياراتهم أو دراجاتهم وقمصانهم السوداء المؤلف من درع وصليب أبيض وأحمر، وأجنحة القديس ميخائيل والإنجيل (بما يشبه الى حد كبير صليب القوات المعقوف وألوان علمها).

_ تجاهر هذه المجموعة بالعداء للحزب الشيوعي وللفلسطينيين وخاصة حركة حماس، كما تدّعي رفضها للنازحين السوريين في لبنان (الذين ترفض أمريكا والدول الأوروبية عودتهم الى بلادهم عبر ترهيب وترغيب الدولة اللبنانية من السماح بذلك)، فيما لم يتعرضوا بالانتقاد مطلقاً الى حزبي القوات والكتائب عما يعدّونه ابتعاداً عن الإنجيل، والذي تسبّب بـ"العقاب الإلهي" للبنان، من كورونا وصولاً الى الأزمات الاقتصادية وغيرها. فهل جنود الرب جماعة إرهابية على غرار تنظيم داهش الوهابي وجبهة النصرة؟ ومتى ستتحرك الأجهزة الامنية المعنية لطمأنة الشعب اللبناني ومعرفة أجندات هذه المجموعة التي تشكل مصدر قلق وإرعاب لأبناء الأشرفية قبل غيرها من المناطق اللبنانية؟!


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور