السبت 03 أيلول , 2022 12:36

ذا ايكونوميست: الولايات الأمريكية المفككة

الولايات المفككة الامريكية

تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من موعد الانتخابات النصفية (منتصف الولاية الرئاسية) في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حيث يجدد الناخبون الأميركيون لبعض أعضاء الكونغرس وحكام بعض الولايات والمسؤولين المحليين. هذه الانتخابات فتحت الباب أمام المشاكل الداخلية التي تعاني منها الادارة الاميركية بسبب النظام الفيدرالي. وبعيداً عن الصراع بين القطبين السياسيين الرئيسيين، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، على المنصب الرئاسي، وبعيداً عن التهديدات الخارجية التي تواجه واشنطن على المستويات كافة، فإن التهديد الحقيقي الذي يتربّص بأمريكا هذه المرة من الداخل، وتكمن المشكلة في سيطرة اللون الواحد على المجالس التشريعية للولايات الاميركية، وذلك بسبب القانون الانتخابي الحالي.

وقد نشرت مجلة " The Economist" في عددها هذا الأسبوع مقالاً يستعرض فيه هذه المشاكل والازمات، تحت عنوان "الولايات الأمريكية المفككة"، وأرفقته بصورة لتمثال الحرية في نيويورك وهوينقسم الى قسمين فوق أحد ابراج المدينة في إشارة الى حجم التفكك والانقسامات بين الولايات.

المقال المترجم:

هما حالتان مختلفتان تمامًا. ففي الخامس والعشرين من آب/ أغسطس، حظرت كاليفورنيا بيع السيارات التي تعمل بالبنزين اعتبارًا من عام 2035، وهي خطوة ستعيد بناء صناعة السيارات، وتقلل من انبعاثات الكربون، وتجهد شبكة الكهرباء في الولاية. وفي نفس اليوم في تكساس، حظر قانون الإجهاض لحظة الحمل، دون استثناءات لحالات الاغتصاب أو سفاح القربى. ويواجه أولئك الذين يجرون عمليات إجهاض عقوبة تصل إلى 99 عامًا في السجن.

ربما يبدو للوهلة الاولى أن هذين الحدثين غير مرتبطين، لكنها أعراض لاتجاه مهم. قد تكون واشنطن العاصمة منشغلة الى حد كبير، لكن الولايات الاميركية الاخرى تضع القوانين و السياسات بوتيرة متسارعة. نظرياً، هذا ليس أمراً سيئًا. فلدى أمريكا 50 مختبرا لاختبار سياساتها التي تنجح أو لا تنجح. ويمكن للناس أن يختاروا العيش والعمل في الولايات التي يفضلونها وللشركات أن تختار ايضاً، كما فعل الكثيرون أثناء جائحة كورونا، حيث انتقلوا الى ولايات فيها قيود أقل، وتستطيع كل ولاية ان توازن بين الضرائب والخدمات العامة. وان تستفيد من  تجارب جيرانها، المدارس أو الوظائف والاعمال الأفضل.

لكن للأسف، هذا الشكل البنّاء من الفيدرالية ليس ما يسعى إليه سياسيو الدولة اليوم. وبدلاً من ذلك، فإنهم يخوضون حربًا ثقافية وطنية: "نظرية العرق" في الفصول الدراسية، سهولة شراء وحمل السلاح، المساعدات الطبية للمراهقين المتحولين جنسيًا، والفوائد التي قد يقدمها المهاجرون غير الشرعيين. إن مثل هذه القضايا  تثير غضب المواطنين الاميركيين من كلا الحزبين، فهي لا تؤمّن إصلاح الطرقات أو تحسين السياسة الضريبية.. وذلك لأن 37 ولاية من أصل 50، حيث يعيش ثلاثة أرباع الأمريكيين، يحكمها حزب واحد، ويسيطر فيها على كل من المجلسين التشريعيين..

ولهذا، فان التطرف ينتشر، ويعتقد معظم سكان تكساس أن قوانينهم الجديدة للإجهاض شديدة القسوة، على الرغم من أن معظمهم يعتقدون أيضًا أن القوانين القديمة كانت متساهلة للغاية. وإذا لم تكن ولاية تكساس  يحكمها حزب واحد، كان يمكن ان يتوصل مشرّعوها إلى حل وسط.

إن سياسات المواجهة الجديدة في بعض الولايات تهدف إلى معاقبة أولئك الذين يسعون إلى الإجهاض أو القيام بعمليات جراحية للمتحولين جنسياً؛  فيما تقدم ولايات أخرى الملاذ لهم. وتشجع الولايات الزرقاء الدعاوى القضائية ضد صانعي الأسلحة؛ فيما تعمل الولايات الحمراء لمنع كاليفورنيا من وضع معايير للانبعاثات خاصة بها. وبعض الأحزاب تروج لوجهة نظرها القائلة بأن الولايات الزرقاء متساهلة جدًا في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، وقد أرسل حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، المهاجرين في الحافلات إلى نيويورك. وثمة تركيز مستمر على الخلافات الوطنية لصرف الانتباه عن المشاكل المحلية التي انتخب نواب الولاية بهدف حلها. وقد كشف حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، وهو مرشح محتمل للرئاسة، عن قانون لتقييد كيفية مناقشة "نظرية العرق" في الفصول الدراسية. وهي واحدة من بين الأمثلة العشرة للإسراف المفرط الذي جاء في بيانه الصحفي، هذه كلها معارك مثيرة للانقسام، لهذا لا يعتقد أحد في فلوريدا انه يمكن دمج الحزبين الاحمر والازرق في هذه الولاية. 

هذا  الامر يجعل الحوار الوطني أكثر صعوبة وصخباً . ويجعل من الصعب القيام بأعمال تجارية في أمريكا. في حين كانت ذات يوم، سوقًا واحدًا عملاقًا تقريباً، فكاليفورنيا ونيويورك تدفعان الآن بالشركات لكي تصبح خضراء، بينما تقوم تكساس  ووست فرجينيا بمعاقبتها فهي تفضل الطاقة المتجددة على النفط والغازـ وقد ذهبت تكساس مؤخراً إلى حد إدراج عشر شركات مالية في القائمة السوداء لكونها أكثر مراعاة للبيئة.

القلق الأكبر هو في أن يقوض التحزّب بين الاميركيين الديمقراطية الأمريكية نفسها. ولا يمكن لبعض الجمهوريين الفوز في الانتخابات التمهيدية ما لم يؤيدوا الكذبة الكبيرة لدونالد ترامب بأنه تغلب على جو بايدن في انتخابات عام 2020.  وآنذاك رفع ائتلاف من المدّعين العامين الجمهوريين دعوى قضائية ضد ولايات أخرى لإبطال أصواتهم. ومهما حدث في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، فإن مثل هذا الاشتباك والشجار السياسي مرشح للازدياد. لن تذهب أمريكا  الى حرب أهلية أخرى، كما يتوقع بعض النقاد الموتورين، لكن امريكا التي عانت من العنف السياسي، قد يزداد هذا الامر سوءًا.

يشكل الخلل الوظيفي الأمريكي خطرًا على العالم، الذي يعتمد على أمريكا لدعم النظام العالمي القائم وقواعده (أو ما تبقى منها)، وردع الاعداء العسكريين، وتقديم مثال للحكم الديمقراطي. إنه يؤدي الى نتائج سيئة في نهاية المطاف، لكن ما الذي يمكن فعله؟

يجب على الحكومة الفيدرالية التوقف عن إهمال مسؤولياتها. من الواضح أن السياسات المتعلقة بالهجرة والتغير المناخي،  تحظى باهتمام  على المستوى الوطني أفضل منها على المستوى المحلي. وقد تساعد هذه الإصلاحات لكسر الجمود في واشنطن، مثل التخلي عن تعطيل مجلس الشيوخ. لكن الاهم من ذلك كله  أن أمريكا تحتاج إلى إصلاح القانون الانتخابي.

يجب إنهاء عمليات التلاعب في الدوائر الانتخابية، والتي تسمح للسياسيين باختيار ناخبيهم بدلاً من العكس. يجب على الولايات إعادة تقسيم الدوائر من خلال لجان مستقلة، كما تفعل ميتشيغان، من أجل نزع الطابع السياسي عن العملية. هذا من شأنه أن يجعل من الصعب على حزب واحد ترسيخ نفسه...

إن على الناخبين الاميركيين أيضا تحمل مسوؤلياتهم. وقد يكون من الصعب، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تجاهل عاصفة الغضب الشديد، والتصويت للقادة الذين يرغبون القيام بالإنجازات. لكن البديل هو الانفصال أكثر من أي وقت مضى، وهذا لا يبشر بأي خير.


المصدر: ذا ايكونوميست




روزنامة المحور