الإثنين 11 تشرين أول , 2021 05:28

مفهوم الكتلة النيابية الاكثر عدداً التي ستشكل الحكومة العراقية

اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي

يمنح الدستور العراقي لسنة 2005 للكتلة النيابية الأكثر عدداً أحقية تشكيل الحكومة، إذ نصّ البند (أولاً) من المادة (76) منه على الآتي: (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية)،  وإذا ألقينّا الضوء على مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً نجد أنّ شقاقاً بين الفرقاء السياسيين، بل بين بعض القانونيين حول مفهوم هذه الكتلة، خاصة وانّ الدستور العراقي لم يخض في تفاصيل تعريف الكتلة الأكثر عدداً، وكيفية تشكيلها.

ويتمحور الخلاف حول نقطة معينة، هل الكتلة الأكثر عدداً هي الكتلة الفائرة بأكثر عدد من المقاعد في الانتخابات، وبالتالي يكون لها حق ترشيح رئيس مجلس الوزراء لتكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة وفقاً للمادة (76) من الدستور بغض النظر عن التحالفات التي من الممكن أن تتشكل بعد إعلان النتائج، وبغض النظر عن عدد مقاعد أي كتلة تتكون نتيجة  هذه التحالفات، أم إنّ مفهوم الكتلة الأكبر يعني الكتلة التي من الممكن أن تتشكل من تحالفين أو أكثر  بعد إعلان النتائج وتكون هي الكتلة الأكثر عدداً، وبالتالي يكون من حقها ترشيح رئيس مجلس الوزراء لغرض تكليفه بتشكيل الحكومة؟ 

برز هذا الخلاف إبتداءاً من تاريخ إعلان النتائج في الإنتخابات النيابية عام 2010؛ إذ حصلت القائمة العراقية آنذاك برئاسة أياد علاوي على (92) مقعداً، وكانت هي الكتلة الفائرة  باكثر عدد من المقاعد بعد إعلان النتائج، إلّا إنّ كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي والحاصلة على (89) مقعداً آنذاك، كان لها رأي آخر بمفهوم الكتلة الأكثر عدداً مخالف لرأي القائمة العراقية، الأمر الذي جعل الفرقاء يتجهون إلى المحكمة الإتحادية العليا للوقوف على رأيها، ليأتي تفسير المحكمة بقرارها الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) في 25/3/2010 (إنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني: أمّا الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات بأسم ورقم معينين، وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين، أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثمّ تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة، أو الكتل الأخرى، بتشكيل مجلس الوزراء استناداً إلى أحكام المادة 76 من الدستور).

وعلى أثر هذا التفسير تمكن إئتلاف دولة القانون آنذاك من تشكيل الحكومة بعد تحالفه مع قوى شيعية مختلفة، وشكل ما عُرف بالتحالف الوطني الذي جمع بحدود (140) نائباً، وأصبح هو الكتلة الأكثر عدداً، لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فظهر الخلاف مرة أخرى بشأن مفهوم الكتلة الأكثر عدداً بعد الانتخابات النيابية عام 2019، وبالتحديد بين تحالف الإصلاح والاعمار وتحالف البناء بعد تقديم رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبد المهدي استقالته من المنصب، لتتلقى المحكمة الاتحادية العليا  في 19/12/2019 طلباً جديداً من رئيس الجمهورية حول مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً، وكان رأي المحكمة مطابقاً لرأيها السابق تماماً، ولم يأت بشيء جديد، وفي ظل تشريع قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 ورغم أنّ هذا القانون لم يتطرق لموضوع الكتلة الأكثر عدداً، إلّا إنّه منع في المادة (45) منه إنتقال النائب أو الحزب أو الكتلة المسجلة ضمن قائمة مفتوحة إلى ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى إلّا بعد تشكيل الحكومة، دون أن يخل ذلك بحقهم في الائتلاف مع قوائم أخرى بعد إجراء الانتخابات، وذلك في محاولة من المشرع بمنع بيع وشراء المقاعد من قبل بعض النواب، سواء أكانوا مستقلين أم تابعين لأحزاب وكتل وقوائم أخرى، فيعلنون انسحابهم من كتلة معينة وانضمامهم إلى أخرى مقابل منافع شخصية، مما يترتب على ذلك فوضى وضبابية وعدم وضوح في الرؤية وفي تحديد الكتلة الأكثر عدداً.
 وفي هذا الصدد نصّت المادة (45) من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي على إنّه (لا يحق لأيّ نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلّا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة، دون أن يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل إجراء الانتخابات من الائتلافات مع قوائم أخرى بعد إجراء الانتخابات)، وبهذا فإنّ قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 لم يتطرق لمفهوم الكتلة الأكثر عدداً، وأنّ مفهومها وتفسيرها وفقاً لرأي المحكمة الاتحادية العليا لم يتغير هو الآخر، وهو التفسير المعمول به، ووفقاً لذلك فإنّ الكتلة الأكثر عدداً هي أمّا الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات دون تشكيل كتلة أخرى قبل الجلسة الأولى تكون مقاعدها أكثر عدداً، أيّ إنّه في  حالة تشكيل كتلة جديدة بعد الإنتخابات وقبل الجلسة الأولى التي يعقدها مجلس النواب وتكون مقاعدها اكثر عدداً من الكتلة الفائزة تكون هي الكتلة الأكثر عدداً المشار إليها في المادة (76) من الدستور، ومن ثمّ يكون لها ترشيح رئيس مجلس الوزراء لغرض تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس الوزراء ضمن المدد القانونية المنصوص عليها في المادة (76) من الدستور العراقي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: د. محسن حنون غالي العكيلي




روزنامة المحور