الإثنين 16 آب , 2021 01:57

لا سلاح إلا سلاح الدولة في درعا (1)

دبابة للجيش السوري درعا

تنتظر درعا في هذه الأيام القرار النهائي حول مصير المسلحين فيها، إذ يبدو أن القرار بأن "لا سلاح إلا سلاح الدولة" قد اتٌخذ ولا رجعة عنه، وما يعنيه ذلك من انتهاء لإتفاقيات التسويات، ليس في درعا وحدها وإنما على جميع الأراضي السورية، وأن من يريد القتال مع الدولة عليه أن يكون جزءاً من الجيش العربي السوري. وبناء عليه، فقد ضُمّ العديد من المجموعات المعروفة تحت لواء الجيش، ومن هذه المجموعات التي لم تخضع في قيادتها للجيش بحتى الآن: اللواء الثامن في درعا والتابع للفيلق الخامس ومركز قيادته في طرطوس، وبقيت إمرة اللواء بيد الروس.
ما حدث في درعا بالذات كان مؤشراً على خطورة التسويات، وبقاء القوى المسلحة خارج إطار الدولة على أمن الجنوب السوري خاصة وسوريا عامة. ولذا فبعد الحوادث التي ابتدأت في نهاية شهر تموز/ يوليو، اتخذت القيادة السورية القرار النهائي، وأكد مصدر خاص مطلع، أن "لا سلاح إلا سلاح الدولة".

أُبرم اتفاق التسوية في درعا بعد دخول الجيش السوري إليها من أجل تحريرها من عناصر النصرة. فمعظم المجموعات الإرهابية ما قبل العام 2018 كانت تتبع تنظيم النصرة تحت مسمى "جبهة فتح الشام"، والتي تأسست في العام 2014، واحتلت مكان الجيش الحرّ، بل أنهت وجوده أو انضم معظم أفراده إلى جبهة فتح الإسلام الإرهابي، والذي كانت قيادته على اتصال مع تركيا. 

بعد التسويات التي أنجزت في درعا 2018، غادر معظم أفراد تنظيم النصرة مع عائلاتهم إلى محافظة إدلب، وأما الباقي فقد تمت تسوية اوضاعهم ومنهم من انضم إلى اللواء الثامن. وأكد المصدر المطلع أن الروس يشرفون على تسليم رواتب عناصر هذا اللواء! والأكثر من ذلك فقد حاول الروس سحب بعض من  أفراد هذا اللواء للقتال إلى جانب اللواء حفتر في ليبيا، كما فعل الأتراك بسحب مقاتلي النصرة من إدلب للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، إلّا أن الحكومة السورية عارضت ذلك بشدة ومنعته. 

من جهة أخرى، اعتبرت المجموعات التي انضوت تحت قيادة اللواء الثامن أنها بأمرة القيادة الروسية، وأن لا علاقة لها بالدولة السورية، وهذا ما تردد في أوساط درعا وبقوة. وبحسب إتفاق التسوية، اقتصر الوجود العسكري الرسمي السوري على دوريات للشرطة العسكرية، وخاصة في ريف درعا الغربي وفي درعا البلد "المدينة القديمة"، حيث ابتدأت الأزمة السورية في العام 2011. 

يتشكل معظم هذه قوات حالياً، وبحسب ما قال مصدر من الأهالي: "صديقي من ناحتة"، وناحته قرية تبعد 24كم إلى الشمال الشرقي من مدينة درعا، "وهو من أخبرني أن زعران هذه القرية من غير المتعلمين وأصحاب السوابق مجندون في اللواء الثامن. اذ جاءت القيادات العميلة وجندتهم بالمال". وهو مثال على نوعية المنضمين للواء الثامن. ولكن يبدو أن الوضع بدأ بالتغير إذ: "بات هؤلاء المضللين الآن كما غيرهم يخافون من تورطهم بسبب قياداتهم، والمفاوضات لم تنقطع". وهذا ما تراهن عليه قيادة الجيش السوري اليوم من خلال محاولتها لحل الأزمة بالمفاوضات لعودة هؤلاء إلى حضن الوطن.

وقد أُبرم اتفاق التسوية ما بين المسلحين وما بين الدولة السورية بضمانة روسية في العام 2018، ويستند إلى البنود التالية:  يتوزع الإتفاق على مراحل ثلاثة، يبدأ تنفيذ الإتفاق ابتداءاً من ريف درعا الشرقي وانتهاء بريفها الغربي، وتقوم المجموعات المسلحة بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط. وبعد ذلك تسوى أوضاع المسلحين إما بتسليم السلاح أو بالرحيل. ثم تبدأ المرحلة الأولى من دخول الجيش السوري إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، يليه إجلاء غير الراغبين في التسوية من مقاتلين ومعارضين إلى محافظة إدلب في شمال غرب سوريا. ومن المفترض أن يٌسوّى وضع الراغبين بالبقاء في المحافظة، وأن يعطى المتسيبين من الخدمة العسكرية فرصة 6 أشهر قبل عودتهم للإنضمام تحت صفوف الجيش.

في تلك المرحلة، بينما كان الجيش العربي السوري يقتحم مواقع الإرهابيين في درعا، هرب ما بين 150- 200 رجل من المسلحين إلى الحدود في المنطقة الحرة السورية- الأردنية قرب معبر جابر الأردني. بعد التوصل إلى الإتفاق عاد النازحون الذين وصل عددهم بحسب تصريحات أندرسن بيدرسون أنذاك إلى عشرات الآلاف، إلى قراهم في ريف درعا الشرقي والغربي. وهذا معناه أن المسلحين قد عادوا تحت مسمى نازحين وتسللوا بين أهاليهم. وشكل هؤلاء مشكلة كبرى، إذ أنهم شكلوا ضرباً من التحالف مع العدو الصهيوني عبر تسللهم إلى الأراضي المحتلة عبر قرية جلين الحدودية، وابتدؤوا بعمليات الإغتيال التي طالت القائمين على المصالحات ورجال الأمن والمخابرات السورية، طوال الخمس سنوات الماضية. 

وبسبب ضغط دولي على روسيا، بعد زيارة رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لموسكو في العام 2018، تم استبعاد إيران لتكون إحدى الدول الضامنة للإتفاق بسبب خشية "اسرائيل" من تواجد قوات إيرانية، أو موالية لإيران "بحسب تعبيره" على الحدود مع الجبهة السورية والجولان المحتل. وخلال اللقاء هددت "اسرائيل" بالتصعيد على حدود سوريا الجنوبية. وبحسب مصدر مطلع فإن: ""اسرائيل" أخبرت الأردنيين والروس بأن تدخل الجيش السوري أو الإيرانيين سيجعلها تدخل إلى ريف حوران الغربي". 

ولكن وفي جميع الأحوال فإن ذهاب الدولة السورية نحو التسوية، قد يراه البعض غير منطقي، ولكن في حقيقة الأمر يتعلق بنقاط هامة جداً.  أولها، أن الجيش السوري كان موزعاً في مناطق الشمال يقاتل في معركة حلب لتحريرها من الإرهاب، خلال قتاله لتحرير درعا. وبحسب المصدر المطلع فإن: "موضوع حلب كان موضوعاً سياسياً" وهذا الكلام دقيق، لأنّه في تلك المرحلة كانت تركيا تضغط بدعم أميركي من أجل إقامة منطقة عازلة بعرض حتى 35 كم في داخل الأراضي السورية. والنقطة الثانية بحسب المصدر ذاته أن: "المطلوب في 2018 كان السرعة في الأداء، وليس النتائج، وهذا أحد أسباب الإنتقال من درعا إلى حلب".

وأما النقطة الثالثة الهامة، التي يحددها المصدر ذاته: "أن تسوية درعا في وقتها كانت إبرة بنج وتخدير لتنويم المشروع الاسرائيلي في الجنوب بإقامة منطقة عازلة فيه"، وسوريا في تلك المرحلة لم تكن مرتاحة في حروبها كما اليوم، إذ كان الجيش السوري يقاتل على جبهات عدّة، منها تدمر وحلب ودرعا وغرب الفرات وحتى في إدلب. ولذا كان من المفترض أن تدخل المنطقة في حالة من السكون، وهذا ما لم يعد قائماً اليوم وخاصة بعد انقلاب المسلحين على الإتفاق.

يتبع ... الجزء 2

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: عبير بسّام




روزنامة المحور