الجمعة 11 حزيران , 2021 10:44

وزيرة الخارجية الأمريكية: آية الله الخميني حطم الهياكل القديمة فتبادل السجانون والسجناء الأدوار

كتاب الجبروت والجبار
كتاب الجبروت والجبار

تُبدي مادلين أولبرايت -وزيرة الخارجية الأميركية 1997/2001- في كتابها "الجبروت والجبار" عن دهشتها بالنموذج القيادي الذي قدمه الامام الخميني للعالم، مؤكدة على أن " الثورة الإيرانية لم تكن مجرد انقلاب، أو "تغييرًا للنظام" أو حتى حربًا أهلية، وإنما زلزالًا سياسيًا حقيقيًا مماثلًا للثورتين الفرنسية والروسية". وقد ركزت على الدور العظيم الذي لعبه الامام حينها واصفة المشهد العالمي الذي سيطرت عليه واشنطن ومسكو معتبرة أنه قد "لزم القوتان العظيمتان بعض الوقت لكي تدركا ان ثمة رجلا ملتحيا يرتدي عباءة طويلة يجلس الى جانبهما ويقوم بالفعل بخطوات خاصة به".

مقتطفات:

كان محمد رضا بهلوي المتأنق حليفًا لأميركا منذ سنة 1953 وهي السنة التي هندست فيه السي آي إيه انقلابًا ونصبته شاهًا لإيران مكان رئيس وزراء منتخب لكنه معاد للغرب. وبعد تسلّم العرش، أثبت الشاه نفسه كحاكم مستبد قاس ومتحمس للتحديث.

واكسبته " ثورته البيضاء" استحسان الغرب لإصلاح التعليم وبناء الطرق وتحسين الرعاية الصحية وتوسيع الفرص امام النساء. وكانت قد وافقت إدارة نكسون على بيع إيران أي سلاح غير نووي تريد حكومتها شرائه، متوقعة في المقابل ان يكون النظام حصنا للاستقرار المناهض للشيوعية. 

كان الشاه اختبارًا مبكّرًا بالنسبة للرئيس كارتر. فالسياسة الخارجية القائمة على حقوق الانسان فحسب ستنجب مثل هذا الدكتاتور الذي تمرست شرطته السرية في التعذيب لكن الإدارة احتضنته بدلا من ذلك.

فقد اعتبرت إيران ذات الاحتياطات الوفيرة من النفط والموقع الاستراتيجي على طول الشواطئ الشمالية للخليج. أثمن من مخاطرها بها وشكلت حالة اتفق فيها الرئيس وبرجنسكي على ان تسمح الولايات المتحدة لجانبها الواقعي بالتغلب على غرائزها المثالية فنحن بالنهاية ضالعون في لعبة ذات مجموع صفري تنطوي على اعلى المخاطر. فقد كانت واشنطن وموسكو تجلسان احداهما مقابل الأخرى وبينهما رقعة الشطرنج العالمية. وكان العالم في ذلك الوقت منقسم الى قسمين او هكذا ظننا. ولزم القوتان العظيمتان بعض الوقت لكي تدركا ان ثمة رجلا ملتحيا يرتدي عباءة طويلة يجلس الى جانبهما ويقوم بالفعل بخطوات خاصة به.

لم يلتفت أحد عندما طرد في الستينيات من القرن الماضي رجل دين إيراني غير معروف، آية الله الخميني، خارج بلده لأنه احتج على "انحطاط" نظام الشاه.

ولم يلاحظ سوى قلة من الأشخاص عندما بدأ آية الله اتصالاته بالشعب الإيراني باستخدام أشرطة الكاسيت المهرّبة من فرنسا. ولم يعبّر عن كثير من القلق عندما قتلت قوات أمن الشاه نجل الخميني في تشرين الثاني 1977. وفي العام التالي بعدما أعلن الشاه الأحكام العرفية، أطلقت قواته النار على حشد المتظاهرين العزّل فقتلت 900 شخص. تنبّهت الولايات المتحدة في النهاية إلى ما يجري فطمأنت الشاه إلى استمرار دعمها له، وحثته في الوقت نفسه، دون نجاح، على اعتماد الإصلاحات التي يمكن أن تسترضي خصومه وتعيد الهدوء.

بعد سنوات، تمكنت في صفوفي من ذكر الأحداث التالية كمثال على ما يحدث عندما تكون حكومتنا منقسمة. فقد كان لصانعي القرار الرئيسيين في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والسفارة الأميركية في طهران مصادر معلومات مختلفة، وإدراك مختلف لما يجري، وأفكار مختلفة بشأن ما يجب فعله. فظل السفير مقتنعًا حتى النهاية تقريبًا بإمكانية احتفاظ الشاه بالسلطة. وكانت وزارة الخارجية في واشنطن منشغلة في إيجاد طريقة لإخراج الشاه وتنصيب ائتلاف من المعتدلين في مكانه. واعتقد بريجنكسي ان على الشاه استخدام القوة العسكرية، عند الضرورة لإخماد الاحتجاجات.

وفي غضون ذلك، لم يكن لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ما تساهم به سوى القليل. ففي أحد الاجتماعات الحاسمة، سُئل ستانسفيلد تيريز مدير الوكالة في ذلك الوقت، عن تقييمه للإيرانيين المحتجين على الشاه. فرد بأنه لا يملك أي تقييم: لقد حظر الشاه على السي آي ايه التحدث إلى أي من خصوم النظام.

ونتيجة لذلك، لم يقدّم أي عرض رسمي إلى الخميني برعاية الولايات المتحدة، وصدت المساعي التي بذلها مساعدو الخميني برعاية الولايات المتحدة، وصدت المساعي التي بذلها مساعدو الخميني لاتصال بالمسؤولين الأميركيين. لذا كان المتمردون مجهولين تمامًا بالنسبة لأعلى المستويات في الحكومة الأميركية مجموعة من الرجعيين المتديّنين التي لفّ أعضاءها ونواياها.

فاجأتنا الثورة في إيران لأننا لم نرَ شيئا مماثلًا لها من قبل. كان يعتقد ان الإسلام، كقوة سياسية في طور الانحسار لا المد. وافترض أن الجميع في المنطقة منشغل في المشاكل العملية للاقتصاد والتحديث. هل يمكن أن تقع ثورة في إيران تستند إلى ردّة فعل عنيفة ضد أميركا والغرب. من يمكن أن يدعم مثل هذا الأمر سوى حفنة من المغتصبين؟

فشل خبراؤنا في استيعاب عمق العداء للشاه أو الاتباع المخلصين الذي يمكن أن يحشدهم رجال الدين، حتى وسط تفشّي المادية في نهاية القرن العشرين.  وفاقم صناع السياسة خطأهم بافتراضهم ان الثوار سيقنعون بالتخلّص من الشاه وتنصيب حكومة ديموقراطية. وسرعان ما عرفنا ان الثورة الإيرانية لم تكن مجرد انقلاب، أو "تغييرًا للنظام" أو حتى حربًا أهلية، وإنما زلزالًا سياسيًا حقيقيًا مماثلًا للثورتين الفرنسية والروسية. وبعد مغادرة الشاه كانون الثاني 1979 استولى آية الله الخميني على السلطة وانهارت الهياكل الأمنية القديمة. فتبادل السجانون والسجناء الأدوار.

للاطلاع على الكتاب:


المصدر: كتاب الجبروت والجبار

الكاتب: مادلين أولبرايت




روزنامة المحور