الخميس 04 أيار , 2023 11:22

"تحالف الإرادة" بين إيران وسوريا: مبادئ ونتائج

الرئيس السوري ونظيره الإيراني

لم يكن التحالف "الإيراني-السوري" وليد العدوان الدولي على سوريا، فهناك مواقف وتطلعات مشتركة سبقت بسنوات مرحلة الحرب، والتي بدأت مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتعمّقت بعد العام 2000، وذلك مع وصول بشار الأسد إلى سدّة الحكم وتوالي الأحداث في المرحلة اللاحقة من الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، والموقف الموحّد للدولتين من هذا الاحتلال والذي ظهر من خلال التنسيق والتعاون الكبير بينهما لدعم حركات المقاومة العراقية والسعي لطرد الاحتلال الأمريكي منه.

كان لكل مرحلة تحدياتها وظروفها التي رسمت شكل التعاون ونوعه، لتأتي الحرب العالمية على سوريا، لتعيد بلورة هذا التحالف وترجمته بشكل ملموس على أرض الواقع ليصبح أكثر قوة وتكاملًا ونجاحًا.

ولأن التحالف الإيراني-السوري يجمع بين المصالح والقيم والمصير المشترك، على عكس الدول الأخرى التي تأخد المصالح الوطنيّة كمعيار أول وأساسي في بناء تحالفاتها، فقد استمر وزاد قوّةً مع كل أزمة جديدة أو ضغط دولي جديد على الطرفين، الأمر الذي عبّر عنه رئيس الدولة السورية بشار الأسد وأطلق عليه مصطلح "تحالف الإرادة".

وعليه، ما الذي يميّز هذا التحالف؟ وما هي سماته ومبادئه؟ وما هي العملية الدورية التي يخوضها التحالف الإيراني السوري من أجل تحقيق مصالح الطرفين والحفاظ على استمراريته وتكامله؟

في هذه الورقة، سيتم الإجابة على هذه الأسئلة مع تقديم نماذج لتحالفات دولية فاشلة مقارنة بالتحالف السوري الإيراني الناجح.

أولًا: سمات التحالف الإيراني السوري

- الثقة المتبادلة: يثق كل طرف بالآخر ويعتبره شريكًا موثوقًا به في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.

والدليل على ذلك، كان تصريح وزير الخارجية الإيرانية خلال لقائه بالرئيس الأسد أن بلاده لديها ثقة كاملة بالمواقف والقرارات السورية، وستدعم هذه المواقف. وكذلك عبّر الرئيس الأسد عن ثقته بإيران حين قال في مقابلته مع روسيا اليوم: "هناك وفاء بين سوريا وإيران عمره أربعة عقود."

- الدعم المتبادل: يتعاون الطرفان لتقديم الدعم والمساعدة لبعضهم البعض بمختلف أنواعه؛ الأمني، السياسي، الاقتصادي، العسكري، الطبي والإنساني وحتى المعنوي.

والدليل على ذلك، خطاب الرئيس الاسد في العام 2015 والذي جاء فيه: "قدمت إيران الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي فساهمت في تعزيز صمود شعبنا ومناعته انطلاقًا من أن المعركة ليست معركة دولة أو حكومة أو رئيس كما يحاولون التسويق بل هي معركة محور متكامل لا يمثل دولاً بمقدار ما يمثل منهجًا من الاستقلالية والكرامة ومصلحة الشعوب".

- التعاون المستمر: يتعاون الطرفان بشكل مستمر ومنتظم في العديد من المجالات لتحقيق الأهداف المشتركة.

والدليل على ذلك، أن العلاقات الإيرانية السورية لا تزال مستمرة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.[1]

الانضباط والتنسيق: يتميز الطرفان بالانضباط في تنفيذ الخطط والبرامج المشتركة، وينسقان مع بعضهما البعض لتحقيق التعاون الفعّال.

والدليل على ذلك، التأكيد المستمر للبلدين حول التنسيق المشترك بما يخدم علاقاتهما الاستراتيجية، والوضع الإقليمي والدولي.[2]

- الاحترام المتبادل: يحترم الطرفان بعضهما البعض ويتقبلان الاختلافات الثقافية والدينية والسياسية.

والدليل على ذلك، أن النظام السوري البعثي يختلف أيديولوجيًّا مع النظام الإسلامي في إيران.

-  الحماية المشتركة: يتعاون الطرفان في حماية بعضهما البعض وتأمين الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي.

والدليل على ذلك، قول الرئيس الأسد في خطابه الرئاسي 2019 "هناك أهمية كبيرة للتعاون بين سوريا وإيران في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية".

ثانيًا: مميزات التحالف الإيراني السوري:

تتميز العلاقات بين سوريا وإيران بالعديد من الجوانب الإيجابية، ومن أبرزها:

دعم إيران لسوريا في الحرب: قدمت إيران دعمًا كبيرًا لسوريا لا يمكن أن يُحصى، في الحرب العالمية عليها، سواء على المستوى العسكري أو السياسي والاقتصادي، مما ساعد على تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المختلفة والحفاظ على سيادتها ووحدتها الوطنية.

- التعاون الاستراتيجي في مجالات عدة: تتعاون سوريا وإيران في مجالات مثل: الأمن والدفاع والاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا والعلوم، مما يعزز التبادل التجاري ويساعد على تطوير البلدين في مختلف المجالات.

- الدور المؤثر في المنطقة: يلعب التحالف بينهما دورًا مؤثرًا ومهمًا في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها المنطقة.

- القيم المشتركة: تتشارك سوريا وإيران في العديد من القيم المشتركة، مثل الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتضامن في مواجهة التحديات المشتركة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني، ومواجهة المشروع الأميركي-الغربي في المنطقة، مما يعزز العلاقات بين البلدين ويساعد على تعزيز التعاون بينهما.

- الاعتماد المتبادل: يعتمد كل من سوريا وإيران على الآخر، في ظل معاناتهما من الحصار الغربي عليهما، وذلك في مجالات مختلفة، ما يجعلهما يعتبران بعضهما البعض شركاء مهمّين في تحقيق الأهداف المشتركة وخاصة على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي.

- الردع: يشكل التحالف الإيراني-السوري معادلة ردع ضدّ الكيان المؤقت والتي ترسخت في الفترة الأخيرة ضمن معادلة وحدة الساحات.

- تحالف لا ينتهي: لا توجد وجهة نهائية للتحالف الإيراني السوري المستمر من 4 عقود لأنه ليس تحالف مبنيّ على مصالح وطنية محددة فقط بل هو مزيج من المصالح والصداقة والقيم والمصير المشترك.

ثالثًا: المبادئ الخمسة للتحالف الإيراني السوري

يعتمد التحالف الإيراني السوري على خمسة مبادئ أساسية وهي:

المتابعة: يتابع الحليفان السوري والإيراني أحوالهما الداخلية وتحركاتهما الخارجية ليبقى الطرفان على دراية شاملة بأوضاعهما، والاطلاع على أفكارهما المطروحة وتصورتهما وقراراتهما، وذلك عن طريق مندوبين ورؤساء الوزارات الخارجية لكل دولة وحتى المتابعة الشخصية لرئيسي وللأسد.

الالتزام: يلتزم الطرفان بأي اتفاق أو معاهدة أو إجراء اتفقا عليه، كما بمصالح بعضهما في أي اتفاق أو قرار خارجي.

الصدق: يعتبر الصدق أساسًا لاستمرار التحالف وتكوين صورة ناجحة عنه. فمنذ بداية الحرب وقفت إيران إلى جانب سوريا وصدقت بموقفها عن طريق أفعالها وما قدّمته لها حتى الآن. وبعد 13 سنة من الحرب لا تزال سوريا في سلّم أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.

المرونة: يقدّر الطرفان ظروفهما الصعبة ولا يطلب طرف ثمن مادي لوقوف الطرف الآخر إلى جانبه في وقت الأزمات. فعلى سبيل المثال، لا تطلب إبران ثمن تقديماتها الاقتصادية لسوريا وبالتالي هي علاقة دون مقابل.

الإخلاص: يخلص الطرفان لبعضهما البعض في كل المواقف والتحركات وخاصة في الاتفاقات الخارجية، إذ يبقى حقوق ومصالح الطرفان محفوظة في أي تحرك أو اتفاق جديد خارج إطار علاقاتهما. على سبيل المثال، عرضت الولايات المتّحدة بأوقاتٍ مختلفةٍ على كلتا الدولتين، وبشكل سريٍ ومنفردٍ، أن تتخلّيا عن تحالفهما، وأغدقت الكثير من الوعود التي قد لا تستطيع معظم دول المنطقة مقاومتها، ولكن الإخلاص كان حاضراً ورفضا الطرفين هذه العروض[3].

رابعًا: التحالف الإيراني السوري نموذج التحالف النشط

من خلال الرسم أعلاه، نشرح كيف أن التحالف الإيراني السوري هو نموذج للتحالف النشط.

أولاً، في تعريف "التحالف النشط"، وبحسب إيزابيل جونكالفيس المتخصصة في شؤون إدارة المساواة، هو التحالف الذي يضمّ دولًا منخرطة فعلًا في شؤون بعضهما البعض، ومستعدّة لاتخاذ إجراءات متسقة وذات مغزى لضمان الأمن والاستقرار لمجتمعاتهم بغض النظر عن العرق أو الميول أو الهوية أو الدين[4]... وهذا ما ينطبق ويميّز التحالف الإيراني السوري عن باقي التحالفات، فعلى الرغم من الاختلافات الدينية والأيديولوجية وحتى القومية إلا أنهما مهتمان في شؤون بعضهما وتتخذان إجراءات فعلية للحفاظ على أمن بلدهما وهذا ما تبيّن خلال الحرب السورية، إذ دعمت إيران سوريا في كافة المجالات لتحقيق الأمن والاستقرار لها، وفي المقابل دعمت سوريا إيران في الحرب التركيبية عليها من خلال المواقف المساندة للنظام الإيراني.

ثانيًا، يمر التحالف الإيراني-السوري في عملية دورية ضمن ثلاثة مراحل: الوعي، الفعل، التكامل. هذه العملية هي التي تحدد نجاح ونشاط هذا التحالف.

الوعي، هو الركيزة الأساسية للتحالف الايراني السوري والتي على أساسه تحدد المراحل المقبلة (الفعل والتكامل). فمن دون الوعي غالبًا ما تأخد الدول المتحالفة إجراءات خاطئة ومضللة والتي تقطع الطريق أمام التكامل.

يأتي الوعي[5] ضمن سياق فهم أفكار وتطلعات ومصالح ومشاعر وتصورات وامتيازات كلا الطرفين إن كانت إيجابية أو سلبية. هذا الفهم يحدد بدوره كيفية تفاعل الطرفين مع الأحداث والخطط المستقبلية بطريقة مرضية لكليهما ويحدد الطريقة التي ينظر بها العالم إليهما.

ويأتي الفعل[6] هنا نتيجة الوعي الناجح بين الطرفين، ويكون الفعل عبارة عن إجراءات عسكرية، اتفاقات، مواقف، تحركات ملموسة وحتى يمكن أن يكون قرار أن يبقى الطرفان في حالة الوعي والتفكير بشكل أعمق لاتخاذ الفعل المناسب.

ويأتي التكامل[7]، ليكون عملية تتويج للوعي من خلال العمل، ومحطة للوصول إلى وعي جديد وفعل جديد.

وفهم القدرات يعني أن يعرف كل طرف ما هو قادر على القيام به بشكل واقعي لتجنّب الخيبة أو الفشل، وكذلك لتجنّب رفع أو خفض مستوى التوقعات أو التهديدات.

أما بالنسبة للرؤية الموحدة، فهي عنصر مهم في العملية الدورية، إذ أن الطرفين يجب أن يجتمعا على رؤية موحدة لأي حدث من أجل أن يتخذا الفعل المناسب والمرضي لهما.

وفهم التحيز الضمني وهو أن يفهم الطرفان الأفكار والمشاعر والتصورات والهواجس الضمنية لكل منهما، لكيلا يقدّم أحدهما أفكارًا أو يمارس سلوكيات تحرج الطرف الآخر.

ويأتي هنا الوعي أساس لفهم القدرات والتحيزات الضمنية، وللاتفاق على رؤية موحدة لاتخاذ الفعل.

وعبّر الرئيس السوري بشار الأشد لدى استقباله السيد رئيسي عن هذا التحالف بقوله: "العلاقات السورية الإيرانية غنيّة بالمضمون، غنيّة بالتجارب وغنيّة بالرؤية التي كوّنتها، ولأنها كذلك كانت خلال الفترات العصيبة علاقة مستقرّة وثابتة بالرغم من العواصف الشديدة السياسية والأمنـية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط".

خامسًا: نماذج عن التحالفات الدولية الأخرى:

التحالف الثلاثي بين كلٍ من السعوديّة وتركيا وقطر

الهدف: إنّ الهدف الأساسيّ، وربمّا الوحيد، لهذا التحالف كان تغيير نظام الحكم في سوريا بنظام حكم يتماشى مع المصالح الصهيونيّة. 

المصير: سقط هذا التحالف وتحوّل إلى خصومةٍ كادت تتطور إلى مواجهةٍ مُسلّحةٍ بين السعوديّة من جهة، وكلٍّ من قطر وتركيا من جهة أخرى.

الاسباب: تحالف مبنيّ على هدف عالي التوقعات وغير واقعي.

تحالف حلف الشمال الأطلسي مع تركيا:

الهدف:  راهنت تركيا على الحاجة الأوروبيّة والأميركيّة لها، لكونها تمثل قاعدةً عسكريةً قويّةً ومُتقدمةً أنشأها "الناتو" في وجه روسيا، كما أنها سوقٌ ضخمٌ للبضائع الأوروبيّة والأميركيّة.

المصير: فرض الأوروبيون والأمريكيون العقوبات على تركيا.

الأسباب: رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا لها واتخاذ تركيا إجراءات تضر بالمصالح الأروربية ردًا على الرفض، متمثلة بفتح حدودها أمام النازحين غير الشرعيين وغيرها

تحالف العدوان على اليمن:

الهدف: احتلال اليمن وتقاسم ثرواته والسيطرة على ممراته المائية ومواجهة الحوثيين.

المصير: انتصار اليمن بعد 8 سنوات من الحرب وسقوط التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي.

الأسباب: اصطدام التحالف بقوة المقاومة اليمنية والتي دعمتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي غيّرت مسار الحرب لصالح الشعب اليمني.

التحالف الغربي ضد روسيا:

الهدف: تفكيك روسيا خشية من عودة قوتها وتمددها في أوروبا والشرق الأوسط.

المصير: حالة تخبّط بين الدول وعجز في اتخاذ القرارات وانسحابات متتالية من الحلف وتراشق الاتهامات وخيانة دول التحالف لبعضها البعض وتوريط أوكرانيا في حرب مع روسيا.

الأسباب: انعكاس الاجراءات العدوانية على روسيا والعقوبات بشكل سلبي، على دول الاتحاد الأوروبي وتراجع اقتصاداتها وتأجيج المجتمعات الأوروبية على حكوماتها.

التحالف الغربي والخليجي على إيران:

الهدف: منع إيران من تحولها إلى دولة نووية والضغط لتغيير النظام الإيراني

المصير: تفكك التحالف وبدء الدول بالتقرب من إيران وعقد اتفاقيات اقتصادية واتفاقيات تعاون معها على سبيل المثال الاتفاق الإيراني-السعودي.

الأسباب: فشل كل الاجراءات العدوانية على إيران، وإثبات إيران لجميع الدول أنها قوة إقليمية واستراتيجية وحليف قويّ.


[3] أنظر: عوامل نجاح التحالفات.. سوريا وإيران نموذجاً، غسان الاستانبولي، الميادين، 24-11-2021

[4] How You Can Be an Active Ally, Isabel Gonçalves, salesforce, 19-8-2022

[5] أنظر: Phase One: Awareness, building allies, 17-11-2019

[6] أنظر: Phase Two: Action, building allies, 24-11-2019

[7] : أنظر: Phase Three: Integration, building allies, 1-12-2019


الكاتب: ضحى حمادي




روزنامة المحور