الأربعاء 12 نيسان , 2023 05:04

سوريا وتركيا: عملية تطبيع معقّدة

رؤساء إيران وتركيا وروسيا

يبدو واضحًا أن العلاقات التركية السورية تطبخ على نارٍ هادئة. ذلك أن جهود إعادة التواصل بين الطرفين يحكمها أزمة عميقة ومتشعبة ويمكن القول بأنها ملغّمة، ومطالبُ سقفِها مرتفعٌ على كلا الطرفين، كما ينظر إليها كلا الطرفين على أنها تتعلق بالأمن القومي. منذ أن أعلنت موسكو رعايتها لتطبيع العلاقات، تمّ الإعلان عن لقاءات عدة ومن ثمّ تأجيل لهذه اللقاءات، كان آخرها الإعلان عن لقاء رباعي يضم إيران بالإضافة إلى روسيا كراعٍ آخر، ثم تأجيل الاجتماع إلى آخر أيار / مايو المقبل. يارأيار/ مايو، من المرجح أن يكون الرئيس الأسد حاضرًا في القمة العربية في الرياض.

مطالب الطرفين

سوريا التي من المتوقع أن تشارك في القمة العربية في الرياض في نفس الشهر، ستزيدها خطوة التطبيع مع تركيا مزيدًا من الحصانة الإقليمية، إلا أن دمشق ليست مستعجلة لتطبيع سريع قبل تحقيق الشروط التي أعلنتها. وهي: التعهّد بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، ووقف دعم المعارضة السياسية والعسكرية (ليتمكن النظام من استعادة سيطرته على الأراضي التي تسيطر عليها تركيا وحلفاؤها)، والمساعدة في إعادة الإعمار ورفض العقوبات الغربية على النظام. في المقابل، ترفض تركيا تقديم تعهد بالانسحاب من الأراضي التي تسيطر عليها شمالًا، ولا يبدو أنها في وارد التخلي عن المعارضة من دون ثمن سياسي، لكنها تريد، من جهة أخرى، مساعدة النظام في استعادة السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وإخراج الأميركيين، وفتح خطوط التجارة عبر سورية إلى الخليج ومصر وشمال أفريقيا.

حسابات الحكومة التركية

حسابات أردوغان ليست واضحة من جميع جوانبها، وهو اليوم يواجه سباقًا صعبًا لإعادة انتخابه مع معارضة شرسة، وسط مشاكل اقتصادية واستياء شعبي من اللاجئين السوريين. 60% من الجمهور التركي يدعم الحوار مع الرئيس بشار الأسد، على أمل أن يسهّل عودة اللاجئين. وكانت المعارضة قد تعهّدت في برنامجها الانتخابي التطبيع مع سوريا، وعليه يحتاج أردوغان لنزع هذه الورقة من يد خصومه. وبسبب التأجيل المستمرّ ليس معروفًا إذا كان أردوغان قد اتخذ قرار التطبيع حقًا أم أنه فقط يراوغ من أجل حظوظٍ انتخابية إضافية.

العامل الآخر هو إيمان الأتراك بأن انسحابهم من سوريا سيساعد في التخلص من القوات الأمريكية التي تدعم الانفصاليين الأكراد، إذ تعتقد حكومة أردوغان أن واشنطن تخطط فعليًا لإنشاء كيان كردي في شمال شرق سوريا، وأنها تستهدف من خلال ذلك وحدة تركيا وسلامة أراضيها. وعليه، فإنها تحتاج إلى تعاون تركي – سوري لإعادة النظام إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، والذي سيفضي في النهاية إلى خروج الأمريكيين من سوريا.

مطالب الحكومة السورية

تشاطر دمشق الأتراك في هدف احتواء الانفصاليين الأكراد ومنع بروز كيان كردي يرتع فيه الأمريكيون. وإعادة السيطرة على أراضيها في شرق البلاد والشمال الشرقي. ولكنها تريد الأراضي التي تحتلها تركيا أيضًا، وهو الأمر الذي يعني نهاية المعارضة السورية المسلحة. ويطرح سؤالًا عما إذا كانت تركيا أيضًا مستعدة للتخلي عن ورقة نفوذ واسع لها في سوريا وهي ورقة المعارضة. يقول العضو السابق في الائتلاف الوطني السوري المعارض ياسر فرحان: "نؤمن بتركيا كوسيط نزيه لأن مصالحنا متقاطعة، ولن تستطيع تركيا أن تؤمن على حدودها بوجود الأسد في السلطة، لذلك حتى لو توصلت تركيا وسوريا إلى اتفاقيات بمساعدة إيران وروسيا، فإن هذا التقارب سيكون قائمًا على مصالح إيران وروسيا وليس العكس".

جهود المصالحة

بعد سنتين من محاولات روسيا لتقريب وجهات النظر بين البلدين، ومع تسارع وتيرة التقارب في الأشهر الأخيرة، يمكن القول إن التطبيع السوري التركي لديه الكثير من الملامح والتعقيدات التي تجعله مختلفًا عن أي عملية مصالحة أخرى للحكومة السورية. بعد التوافق بين دمشق وأنقرة على الملفات الأمنية، انتقل الجانبان لبحث الملف السياسي الذي يُعتبر من أعقد الملفات، خاصة وأن كلاً منهما لم يبلور خريطة طريق واضحة يمكن التفاوض حولها تحسم مسألة الوجود العسكري التركي وكيفية التعامل مع المعارضة في الشمال، بالإضافة إلى القوى المصنفة على لوائح الإرهاب.

تتعدّد الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية ما يجعل هذه متعددة الجهات الراعية وقد انضمت إيران إلى جهود المصالحة، وهي مصالحة بالتأكيد ستعني بداية نهاية النزاع الداخلي في سوريا بشكل نهائي. ولأن الاقتصاد السوري محاصر وعلى حافة الانهيار، فإن عودة العلاقات مع تركيا، سيأتي معها عودة العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وعودة الآلاف من الأيدي العاملة السورية. وكذلك عودة رأس المال السوري الذي هاجر أغلبُه إلى تركيا.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور