الأحد 02 نيسان , 2023 11:54

أمريكا: من مبدأ مونرو الى نصائح بريجنسكي

العلم الأميركي

‏أربع أزمات عالمية خلال أربع سنوات كفيلة بتغييرات جذرية عالمية، إرهاصات أزمة 2007-2008 التي تجلت واضحة في 2019 ثم أزمة كوفيد والإغلاق العام 2020-2021 وأزمة الطاقة والحبوب 2022 والتي ولدّتها سياسة العقوبات الغربية وما يعيشه العالم اليوم وما ظهر جليا في البنوك الأميركية نتيجة لتلك الأزمات.

فالعالم بشكل عام لا يحتمل أربع أزمات متتالية في أربعة أعوام، وهو لا يزال تحت تأثير أزمة 2008 وما كان يحكم العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو لوبي "أميركي" متمثلاً بـ "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقوة الدولار وفق اتفاقية بريتون وودز وسياسة العقوبات الأميركية" بات اليوم في غرفة الإنعاش.. بعد أن دخل ذلك اللوبي بمنظومة العولمة والشركات العابرة للحدود ونظام سويفت والأمن السيبراني، فلم يعد هذا اللوبي الأميركي العالمي بمأمن عن الأزمات وباتت اليوم الحاجة الأميركية ملحّة للعودة إلى عقيدة نيكسون وأفكاره حول السلام بعد الخسارة المدوية في حرب الفيتنام.. ودعوات برجينسكي حينها بتقبل العالم على ما هو عليه بصراعاته ومنافساته ومحاولة الاستفادة منه قدر المستطاع.

بل وأكثر من ذلك كان يرى كيسنجر في عهد نيكسون أن "من مصلحة الولايات المتحدة تشجيع تعددية القوى في العالم والتحول باتجاه نظام عالمي جديد يعتمد على ضبط النفس والتعايش جنباً إلى جنب، والتعاون في نهاية المطاف" وبالتالي الابتعاد عن سياسة الاحتواء وتحقيق الاستقرار الدولي الذي كان عماد السياسة الخارجية الأميركية إبان عهد نيكسون، وربما لحفظ ماء الوجه ستعود الإدارة الأميركية لتلك العقيدة.

وإن لم تكن بذات الصياغة إنما بذات الفحوى وربما سترافقها مراجعة لأفكار روزفلت الرئيس الأميركي الذي كانت رؤيته بالتصالح مع الاتحاد السوفياتي ومحاولة الوصول لسلام مع الجيران في أميركا اللاتينية، وواجه أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ أميركا ففي إدارته دعمَ الزراعة والصناعة، وأوجد فرص عمل وقام ببناء منشآت ضخمة وتمّ تشغيل أكثر من مليوني شخص حينها نتيجة لهذه السياسات التي تدخلت فيها الحكومة الأميركية مباشرة كما خصص مبالغ مالية للفقراء والأكثر احتياجاً لينهي بسياسته تلك أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ أميركا.

الصين وروسيا من دبلوماسية القوة الى قوة الدبلوماسية

واليوم تعيش الولايات المتحدة ذات الأحداث من أزمة اقتصادية وما ولدته من أزمات داخلية وبطالة وخسارات مدوية في أفغانستان والعراق وسورية وفشل مع إيران وروسيا والصين ما أحدث فراغاً استراتيجياً في مناطق عدّة.. وكما ملأت أميركا الفراغ الذي نتج عن ضعف بريطانيا "العظمى" وفرنسا سابقاً فإن الصين اليوم تقوم بعمل مماثل بالتنسيق مع روسيا لملئ الفراغ الذي نتج عن ضعف الولايات المتحدة متمثلة بضعف اللوبي الأميركي الآنف الذكر.. وخروج الصين بدبلوماسيتها من السور المغلق إلى السور المفتوح وبدء المواجهة في العلاقات الدولية بعد المناورة لتنتقل الدبلوماسية الصينية مع نظيرتها الروسية من دبلوماسية القوة إلى قوة الدبلوماسية، وليسحبا معاً ملف الشرق الأوسط من الطاولة الأميركية وتشكلان بخطوتهما زلزالاً دبلوماسياً جعل الأميركي في حالة من الصدمة.

ناهيك عن أن توأمة العقيدة الاستراتيجية الصينية – الروسية تقوم على معادلة أساسية وهي (رابح – رابح) هذه المعادلة التي تلقى قبولاً لدى دول المنطقة خصوصاً ومعظم دول آسيا وأميركا اللاتينية التي تمردت على العقيدة الاستراتيجية الأميركية ومعادلتها الأساسية وهي (رابح – خاسر)، فالمعادلة الأميركية تقوم على الربحية الأميركية الحصرية وخسارة كل من يدور في فلكها وامتصاص ثروات الشعوب ومكتنزاتهم، في حين المعادلة الصينية – الروسية معادلة تشاركية الكل فيها رابح بشرط عدم انتهاك سيادة الدول واحترام هذه السيادة المكفولة بالقوانين الدولية.

بعد أكثر من أربعين عاماً على خروج إيران من العباءة الأميركية مع سقوط عهد الشاه وإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووضع نهاية منطقية لسياسة الرؤساء الأميركيين بالتوالي منذ عهد الرئيس فرانكلين روزفلت وهي سياسة "شرطي الخليج" وفق ما عينها الرئيس جيمي كارتر في مذهبه الذي وضع إيران (في عهد الشاه) والسعودية كشرطي على الخليج للحفاظ على أمن النفط وبالتالي المصالح الأميركيّة وأمن "إسرائيل" إنما ما حدث مع وصول الامام الخميني الراحل من المنفى هو تمرد أحد "الشرطيين" ضدّ حاميه، بل وأكثر من تمرد تحدي من خلال ثورة إسلامية مناهضة للإمبريالية الأميركية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران.

وربما نشهد اليوم مع تحركات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإدارته الدفة نحو الشرق هو تمرد سعودي ضدّ حاميه عسى أن يكون تمرداً على خطى الممانعة والمقاومة الإيرانية، وإعادة رسم الخارطة الإقليمية وكذا الدولية وفق مصالح بعيدة عن المصالح الأميركيّة. وكما يقال في العامية "ما في شجرة وصلت لربها" بمعنى أن التاريخ سجل سقوط إمبراطوريات ونهوض أخرى.. ولمن يريد التشكيك بضعف الولايات المتحدة ودنو أجلها فإنّ ما مرّت به الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس لا بدّ أن يمر بـ"إمبراطور العالم" المتمثل بالولايات المتحدة.

وما سبق وأن قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ روسيا تقوم بتصحيح التاريخ فهو يعي تماماً ما قال، وأخطاء التاريخ السابقة التي جعلت من الولايات المتحدة الأميركية متحكمة بالمجتمع الدولي ضاربة المواثيق الدولية بعرض الحائط فإنّ هذا الحائط بات سوراً منيعاً أمام الجبروت الأميركي والعنجهية الغربية التابعة للإملاءات الأميركية..

وباعتبار أن الولايات المتحدة مجموعة مؤسسات وشركات باتت منقسمة القرار بين مصالحها غير الموحدة في المواقف تجاه قضايا عدة بداية من "أمن إسرائيل" و"أمن الطاقة" وصولاً إلى "الأمن السيبراني" والشراكة التكنولوجية مع الصين، وفق الترابط العولمي باتت الولايات المتحدة بمجموعة مؤسساتها وشركاتها بحاجة لتوافق والسعي نحو إعادة صياغة وتوأمة لكل من "مبدأ مونرو وعقيدة نيكسون وأفكار روزفلت ونصائح بريجنسكي تعيد من خلالها ترتيب بيتها الداخلي وتواجه الأزمة الاقتصادية والمالية وتعترف بتعددية قطبية وسلام مع الجيران لو لعقود من الزمن، خاصة بعد أن وصلت الليبرالية الجديدة لأفق مسدود ورفض شعبي أميركي وغربي لمبادئها الفردية التي بدأت تنهش بمجتعاتهم لحد الرفض وبالتالي بلورة إيديولوجية جديدة تتوافق مع النظام العالمي الجديد.

أما ما يتوجب على شعوب المنطقة فهو أن تقتنص الفرصة التاريخية والضعف الأميركي، وأن تنهض بمقاومة شعبية ضدّ الوجود الأميركي وضدّ قواعده العسكرية وتحديداً في سورية والعراق فليرحلوا أفقياً..

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.سماهر عبدو الخطيب

-كاتبة صحافية سورية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية.

 




روزنامة المحور