الإثنين 27 آذار , 2023 03:54

الاحتلال الأميركي في سوريا: ضربات متزايدة تعجّل الانسحاب

قاعدة أميركية في سوريا

مرة أخرى تعلن الولايات المتحدة عن تمسكها بإحتلالها العسكري لشرق سوريا، على الرغم من معارضة ثلث الكونغرس الأميركي. ولكن في الوقت نفسه، هناك الثلثان من ممثلي الشعب الأميركي الذين صوتوا على استمرار الاحتلال، وهذا كلام خطير جداً، مفاده أن المعاناة الاقتصادية والمعيشية في سوريا ستستمر على الأقل لعام جديد قادم، ولكن في المقابل من يستطيع أن يمنع عودة الأميركيين بالتوابيت؟

باتت المعلومات التي تتعلق بأهمية شرق الجزيرة السورية أمراً معروفاً، وقد كتب فيه اختصاصيون عدة، فشرق الجزيرة السورية كان وما يزال خزان الطاقة الأهم في سوريا، وخزان القمح والقطن والمنتجات الزراعية الموسمية الذي كان يطعم سوريا والعراق والأردن ولبنان، ويغطي معظم حاجة السوق الخليجي. في حين أن غرب منطقة الجزيرة هي منطقة تتصل بمعظمها بالبادية السورية، والتي كانت المراعي الأهم لإنتاج الخراف السورية المعروفة "العواس"، والتي تعد من أفضل أنواع اللحوم عالمياً، وكانت تعتبر من أهم صادرات السورية إلى مناطق مختلفة من العالم وبخاصة الخليج.

تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الزراعة السورية أن سوريا كانت تملك 22 مليون رأس غنم في العام 2011، واليوم ليس لديها سوى 12 مليون، وقدرت نسبة تراجع الإنتاج بـ 60%.  معظم سلالة "العواس" تمت سرقتها وتهريبها إلى الخارج ليتم إعادة إنتاجها، وذلك خلال سني احتلال داعش لمنطقة الجزيرة، واليوم يتولى الأميركي في منطقة التنف وفي شرق الجزيرة هذا الدور بهدف خنق البلاد اقتصادياً.

مثال آخر في تراجع أحوال الإنتاج الزراعي، هو جني الكمأة، والتي تنمو في البادية السورية بشكل طبيعي وهي من أفضل الأنواع، والتي يصل سعرها حتى 1200 يورو للكيلو للنوع الأسود، و8000 يورو للنوع الأبيض، في أوروبا. وهي من أهم موارد الرزق في البادية، خاصة أن محاولات استنبات الكمأة خارج الصحراء او بشكل غير طبيعي لم تنجح حتى اليوم.

تتصل منطقة غرب الفرات بمعظمها بالبادية السورية، وهي تتصل بقاعدة الإحتلال الأميركي العسكرية في منطقة التنف في البادية في محافظة حمص. ونحن هنا نتحدث عن محافظات سورية تتصل ببعضها البعض، وليس عن دويلات في مناطق متفرقة في العالم. يقع في كنف قاعدة التنف مخيم الباغوز، الذي يقطنه أفراد تنظيم داعش الإرهابي الوهابي وعائلاتهم، وتوصف أوضاع العائلات هناك بأنهم رهائن لدى الأميركي، ومن خلالهم يحكم قبضته على مقاتلي داعش في البادية. وليس هناك من شك حول دور التنف في تأزيم الأوضاع الأمنية في سوريا، إذ ما تزال حادثة السويداء في العام 2019 ماثلة في ذاكرة السوريين حين خرجت داعش من التنف التي تبعد حوالي 20 دقيقة في السيارات لتهاجم قرية في السويداء، وتجاوز عدد الضحايا يومها المئة ما بين شهيد وجريح. بعد الحادثة عاد ترامب عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا، وأطلق شعاره "نحن هناك من أجل النفط".

في الحقيقة، إن ما حدث في 17 شباط، حين هاجمت داعش شباناً وشابات يجمعون الكمأة في جنوب شرق مدينة السخنة، شرق محافظة حمص، يعد سيناريو غاية في البشاعة يشابه ما حدث في السويداء، والهدف منه تبرير التمديد للإحتلال الأميركي! ولذلك عندما قدم النائب الجمهوري مات غيتز مشروع قرار يلزم الرئيس الأميركي جو بايدن بسحب القوات من سوريا، بناء على توصية السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، كان لا بد من مبرر للرئيس الأميركي لتقديم الحجج التي قامت عليها تبريراته منذ استلامه مهام منصبه، حين عاد وأعلن أن الجيش الأميركي في سوريا موجود من أجل مقاتلة داعش.

في فترة الـ 18 يوم التي كان يتحضر فيها الكونغرس للتصويت على مشروع غيتز جاءت الجريمة، أي قبل أيام من التصويت وخروج القرار في 9 آذار/ مارس. أي ان 53 شاباً وشابة قدّموا على مذبح القرار الأميركي، الذي يخدم مشروع بايدن في سوريا منذ وجوده كنائب لباراك أوباما، وإحدى اهم أهدافهم من البقاء، هو قطع طريق الإمدادات القادم من إيران باتجاه المقاومة الإسلامية في لبنان.

لكن تتالي الأحداث في الأيام الماضية، وبعد القصف الأميركي لمواقع تابعة لحلفاء سوريا في شرق الفرات، الذي تم الرد عليه بمسيّرات وصواريخ زلزلت الأرض سياسياً، تحت أقدام بايدن، قبل أن يكون عسكرياً. هذا القصف لا يخرج فعلياً عن مسار ما حدث: منذ طرح غيتز حتى قتل جامعي الكمأة من قبل مجموعات داعش، فالتوقيت لمن يتابع مترابط ومتتال. إذ يعرف الأميركيون أن وقت المستحيل قد جاء، وخاصة فيما يتعلق ببقائهم في سوريا، وبعد تصريح قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي في الشرق الأوسط، مايكل كوريلا، أن 78 هجوماً قد نفذ ضد الأميركيين منذ تشرين الثاني/يناير 2021، أمر ليس بالسهل، ولربما كانت تتوقع قيادة بايدن، التي عيّنته في بداية هذا العام، أن تشهد تغيرات في عملياتها العسكرية في المنطقة، لأن كوريلا أحد أهم الجنرلات المشاركين في غزو العراق 2003، وأفغانستان 2001، وحرب الخليج الأولى 1990، اي أنه يعرف المنطقة.

يضاف إليه ما أعلنته الإستخبارات الروسية في 20 آذار/ مارس بأن "الولايات المتحدة الأميركية تخطط لنقل عشرات الشاحنات الصغيرة المزودة بمدافع رشاشة ومنظومات الدفاع الجوي للإرهابيين في البادية السورية"، ليس بالاعتباطي، وهناك ما يبيت وخاصة حول الوجود الإيراني في سوريا. فالولايات المتحدة لا تستطيع البقاء في سوريا، ولا تستطيع شن حرب واسعة، ولا تستطيع المغادرة، قبل إنجاز تسويات محددة. ولكن كم من هذه التسويات تستطيع إنجازها، لا أحد يعلم وخاصة بعد ضربة المسيًرات والصواريخ لمواقع الأميركيين في حقول النفط السورية! وإعلان وسائل الإعلام الأميركية ومنها فوكس نيوز، التي تتحدث عن عدد إصابات في الجيش الأميركي أكبر وأخطر بكثير مما أعلن عنه، وأنها ليست إصابة واحدة وبحالة مستقرة كما قيل، وهذا معناه، أنه إذا ما تضاعفت الخسائر على هذا المنوال فسيبدأ حتماً معها العد التنازلي لإنهاء الوجود الأميركي في سوريا ومن الداخل الأميركي.

يريد الأميركيون من البقاء في سوريا تحقيق هدفين أساسيين وآخر جانبي، الأول أمن الكيان المؤقت، وهم يرون أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال تحقيق معادلة "التنف مقابل البوكمال"، أي أنهم سيقبلون بالخروج من التنف مقابل ضبط الحكومة السورية برقابة أميركية على الحدود، ومنع تمرير السلاح لحزب الله القادم من إيران وخروج الأخيرة من سوريا.

والثاني، وضع اليد على مصادر الطاقة في العراق. ولا يستطيع الأميركيون الإستمرار بوضع اليد على مصادر الطاقة إذا ما خرجوا من سوريا، لأنهم سيضعون أنفسسهم ما بين كفي كماشة، ما بين إيران أقوى وسوريا أصلب، خاصة وأن أيام المقاومة العراقية ومشاهد صمودها التي أخرجتهم أذلاء ما زالت ماثلة بين أعينهم. وأما الهدف الجانبي، وهو حديث الولادة، قلق الولايات المتحدة من إعادة تجربة فيتنام بالخروج المذل، وتعريض حياة عملائها للقتل كما حدث حين خرجت من أفغانستان، وهو ما سيحدث في سوريا بالتأكيد.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور