الإثنين 20 شباط , 2023 07:32

الشهيد الشقاقي عن السيد عباس: البطل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي

الشهيدان السيد عباس الموسوي والدكتور فتحي الشقاقي

في صيف العام 1988، أبعد كيان الاحتلال مؤسس حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين وأمينها الأول الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي عن وطنه الى الخارج، وذلك لارتباط الشقاقي بعملية الهروب الكبير لستة أسرى من سجن غزّة المركزي، وما تبعها من عمل عسكري شمال قطاع غزّة الذي ساهم بشكل مباشر في اندلاع انتفاضة الحجارة. 

كان الإبعاد فرصة للشهيد الشقاقي لتأسيس شبكة علاقات عربية واسلامية وشدّ أواصر الارتباط بحركات المقاومة التي كانت تتأسس في المنطقة، ومن أهمها المقاومة الاسلامية في لبنان التي نهضت منذ مطلع الثمانينيات من أجل التحرير.

مع تبلور هيكيلة هذه المقاومة تنظيمًا ضمن إطار حزب الله، تولى السيد عباس الموسوي عام 1991 مسؤولية أمانتها العامة. وتعمّقت العلاقة فيما بعد بين المقاومة الاسلامية و"الجهاد الاسلامي" خلال فترة إبعاد القيادات الفلسطينية الى "مرج الزهور" في كانون الاوّل / ديسمبر من العام 1992.

على الرغم من قصر اليمدّة التي عايشها الشهيد الشقاقي مع السيد الموسوي الا أن الأخير ترك خطابًا ألقاه في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد الموسوي عبر قصف اسرائيلي استهدف سيارته على طريق بلدة "جبشيت" الجنوبية، يظهر من خلاله فهمه العميق لشخصيته من جهة،كما قراءته الدقيقة لرؤية ومشروع هذا السيّد من جهة ثانية.

فـ "ما أكبر هذا الاسم.. ما أكبر هذا العنوان في زمن ضيق نصعد إليه بحرج النفوس، عنوان تزدحم تحته عناوين العصر الكبرى كأنها تخصه، كأنها اتسقت و انسجمت و تطابقت معه" استهلّ الشهيد الشقاقي خطابه.

القدس.. بين من باعها ومن استشهد لأجلها

قارب الشهيد الشقاقي بين محورين تمثلا في تلك الفترة، ويستمران حاليًا بطبيعة الحال، بين "طابور من زعماء وحكام وقادة يوغل غرباً، يتلمس حماية ورعاية وحنان الشيطان الأمريكي الذين اكتشفوا ألا ملجأ منه إلا إليه، وكان عباس الموسوي يوغل جنوباً، وكان دوماً يقف على خط النار بجبهته السمراء الشامخة وقبضته الخمينية، وصوته الهادىء الوديع الذي يخبىء حزن الأمة وغضبها وعنفوانها، كان الجميع ينحني أمام القدر الأمريكي وكان عباس الموسوي، بقية أهل البيت على عهد أهل البيت يمضي يصرخ في سواد الليل العربي: الموت للشيطان الأكبر الموت لإسرائيل"، ناقلًا أن السيد عباس لم يرى في أمريكا "قدرًا ولن يركع ولن يذل".

وشرح الشهيد الشقاقي أن "من خادم الحرمين في مكة والمدينة إلى المسمى إمام لجنة القدس وأمير المؤمنين في المغرب، يصطفون في طابور بيع القدس ووحده عباس الموسوي يسقط دفاعاً عنها".

الفلسطيني الأوّل

يركّز الشهيد الشقاقي في خطابه على مكانة فلسطين وقضيتها لدى الشهيد السيد الموسوي، فقال "ما رأيته يومًا الا يحمل هم فلسطين وهم الانتفاضة وهم الأطفال والفقراء، وهم الوحدة والجهاد والعمل، تستغرقه أدق التفاصيل في فلسطين كأنه ذاهب إليها، وهو الراحل دومًا إلى الجنوب رغم كل التحذيرات".

وتابع " عندما اجتمعنا، فصائل المقاومة الفلسطينية العشرة قبل أكثر من عام على هامش مؤتمر طهران، خجلنا أن نجتمع كفلسطينيين دون أن يكون عباس الموسوي أول الحاضرين" . وروى الشقاقي جانبًأ من الاجتماع حين قال إن "السيد عباس افتتح يومها حديثنا لأنه نفسه كان مفتتح النار وكان بإجماعنا رئيس لجنة الصياغة لأنه يكتب عن فلسطين بالرصاص والدم".

يُذكر أن مؤتمر طهران هو المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية، أقرّ إقامته مجلس الشورى الاسلامي عام 1990، وأقيم لأول مرّة في تشرين الاول / اكتوبر من العام 1991.

ومن هذا المنطلق، شدّد الشهيد الشقاقي "دلوني على لبناني واحد يزاحمه الشرف، شرف الدفاع عن فلسطين في السنوات العشر الأخيرة، دلوني على فلسطيني واحد يزاحمه الشرف، شرف الدفاع عن فلسطين والتصدي للاحتلال الصهيوني في السنوات العشر الأخيرة ولذا أسميه الفلسطيني الأول... دلوني على عربي يزاحمه الكبرياء والعنفوان، إنني أشهد أمام الله وأمام التاريخ وأمام الأمة أنه يوم رحيله كان اللبناني الأول والفلسطيني الأول والعربي الأول".

مشروع السيد عبّاس

تطرّق الشهيد الشقاقي الى مشروع السيد عباس الواسع الذي يتجاوز حدود الجغرافيا الضيقة فـ "في الحقيقة لم يكن همه لبنانيًا أو فلسطينيًا فقط، كان العالم قريته، وكل الوطن الإسلامي مجاله الحيوي، ذهب حتى كشمير وقال لي معاتباً: لماذا لم تذهب معنا ؟ ولم أر مثله اهتماماً بما يدور في الجزائر أو تونس أو السودان أو الاردن أو أي مكان يسمع فيه عن اضطهاد مسلم او نهوض مسلم". مؤكدًا أنه "قائد أممي".

اغتيال السيد الموسوي يفضح المشروع الغربي

وقف السيد الشهيد عباس الموسوي بمشروعه مقابل  ما يسمى بالنظام الدولي وجوهره "الإرهاب القائم على أوهام القوة والهيمنة والغطرسة، ولذا فهذا النظام ممثل باركانه وذيوله جاهز لإرهاب واغتيال القوى الحية التي تتصدى لجبروته وطغيانه"، وفق الشهيد الشقاقي. وأضاف "مضى الموسوي ليؤكد لنا بمقتله أو استشهاده أن وعود السلام الأمريكي ليست سوى أوهام وسراب وأن هذا العدو لا يريد سوى أن يفرض كامل إرادته وهيمنته ويحولنا إلى طوابير من العبيد والرق".

البطل الاستثنائي

استند الشهيد الشقاقي الى صفات الشهيد السيد عباس الموسوي والى مشروعه الذي ضحّى بنفسه وزوجته ( الشهيدة أم ياسر) ونجله الأصغر (حسين) في زمن كرّت فيه سبحة التطبيع والتموضع العربي في الفلك الأمريكي الغربي، ليصفه بـ "البطل الاستثنائي في الزّمن الاستثنائي". تاركًا عباراته الخالدة والتي أعادها اليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم شهادته:

"بورك حزب الله يستشهد أمينه العام... إنه حزب لا يموت إنه حزب ينتصر".


الكاتب: مروة ناصر




روزنامة المحور