الإثنين 13 شباط , 2023 04:04

تسييس الكارثة: دمشق لأهلها وواشنطن تفضّل ارسال التوابيت!

36 ساعة قضيتها بين الأنقاض في اللاذقية وجَبلة السوريتين. كان حجم الكارثة يدعونا إلى الاقتراب أكثر. رائحة الموت كانت تهمس بأن عدّاد الضحايا -الذي زاد عن 4500- كان ليسجل أرقاماً أقل، لو أن سوريا تَشد العزم لتكون جزءاً من حلف الناتو أو أن الرئيس بشار الأسد، قد صافح رئيس وزراء كيان الاحتلال السابق، يائير لابيد، في ظلمة ليالي نيويورك، كما فعل نظيره التركي. لم يكن هناك سرعة استجابة، حتى ان القرار الأميركي، بتحفيف الحصار عن سوريا، جاء متأخراً، كاستعراض إعلاميٍّ لِلَملمة خيبة المحاولات بعزل الدولة عن شعبها.

في 9 شباط/ فبراير الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن الترخيص السوري (GL) ، والذي يسمح لمدة 180 يوماً "بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية (SySR)". وأوضح نائب وزير الخزانة والي أدييمو، ان "العقوبات الأمريكية في سوريا لن تقف في طريق الجهود المبذولة لإنقاذ حياة الشعب السوري... تحتوي العقوبات على استثناءات قوية للجهود الإنسانية... التركيز مطلوب على إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".  

جاء هذا القرار بعد 3 أيام على حدوث الكارثة. الوقت الذي كان كفيلاً بأن ينقذ عدداً اضافياً من الضحايا لو ان المعدات كانت قد وصلت إلى دمشق، بنفس السرعة التي وصلت إلى أنقرة. إلا ان واشنطن قد اختارت، ان تمشي على النهج نفسه منذ عام 2011، عندما دعمت وصول الأسلحة إلى الميليشيات الإرهابية المسلحة ثم أوقفت جهود الاعمار، اذ انها فضلت في ظل هذه الكارثة، ان تدعم وصول التوابيت لانتشال الضحايا، بدلاً من السماح للمساعدات بأن تصل في وقتها، لإنقاذ الجرحى من بين مخالب الأنقاض. ويشير مدير الاستجابة في منظمة وورلد فيجن، يوهان موج، في هذا الصدد: "لم نشهد معاناة ودمارًا بهذا الحجم منذ أكثر من عقد...التأثير هائل للغاية ... قد يستغرق الأمر جيلاً كاملاً حتى يتعافى الناجون".

وقد كان من اللافت إصرار وزارة الخزانة على حصول الشركات والمنظمات والجهات التي ترغب بالمساعدة، على تراخيص واعفاءات من خلال الاتصال بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية مباشرة عبر رقم هاتف وبريد الكتروني مُرفق. وهذا ما يشي بأن المقاربة الأميركية للكارثة لم تدخل بعد حيّز الحالات الطارئة، وان البيت الأبيض يمتلك رفاهية الوقت ويتصرف على هذا الأساس.

ولأن لكل لحظة شياطينُها، كانت الأصوات التي تطالب واشنطن بعدم تخفيف "العقوبات"، ترتفع مع ازدياد عدد المشردين في الأزقة. في حين حمل القرار نفسه، عدداً من الحيثيات تتلخص بإقرار واشنطن الصريح، ان عزل الدولة السورية عن شعبها، هو ما يستحيل تطبيقه. وان العقوبات على دمشق تؤثر على مختلف أطياف المجتمع السوري دون استثناء.

المساعدات: بين النهب والتضليل والتجنيد

بعيد إعلان دمشق عن استعدادها ارسال المساعدات إلى الشمال السوري، رفضت "هيئة تحرير الشام" فتح معبر سراقب، بينما أعلن "الائتلاف المعارض" فتح المعابر في مناطق "الإدارة الذاتية" مع ما يسمى "قوات سوريا الديموقراطية-قسد"، لتمرير المساعدات الآتية من تركيا حصراً، ضمن مشروع يهدف ضمنياً بتوحيد مناطق "المعارضة" والميليشيات في تلك المناطق. وبما ان الجهات الداعمة والمؤسِّسة لتلك الجماعات متعددة، وتختلف بالمشروع والأهداف، كانت مسألة ضمان وصول المساعدات إلى محتاجيها أمراً صعباً ومُعقداً. خاصة ان هناك عدد من الجمعيات التي برز اسمها خلال الفترة الماضية، تنتمي مباشرة إلى الميليشيات الإرهابية المسلحة في الشمال السوري، ومن بينها "فريق ملهم التطوعي".

برز اسم هذا الفريق من جديد، عبر حملاته الدولية التي ينظمها لتأمين "التمويل اللازم لإعادة اعمار المناطق المحررة"، في مكاتبه المنتشرة في ألمانيا والسويد وكندا، على الرغم من الحصار الأميركي الذي يمنع دخول أي تحويلات مالية. إضافة لإعلانه بأن "التبرعات" القادمة من فلسطين المحتلة ستكون عبر بنك إسرائيلي.

ويذكر، ان عبد الباسط الساروت، وهو من أبرز مؤسسي "فريق ملهم"، الذي كان يُلقب بـ "أيقونة الثورة"، اشتهر بما ردده خلال التظاهرات في حمص، من شعارات فتنوية عنصرية "كلتنا جهادية... بدنا نبيد العلوية"، وأغانٍ أخرى تحرّض ضد الأقليات الدينية الأخرى في البلاد، انتقل للقتال إلى جانب تنظيم "داعش" في ريف حمص الشرقي عام 2014. وهو الأمر الذي يزيد احتمالية وصول هذه الأموال إلى أيدي الجماعات التكفيرية في تلك المناطق، بعد ان كان قد جُفف تمويلها -تقريباً- خلال الفترة الماضية، إضافة لعدم ضمان استقرار تلك المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، أمنياً وعسكرياً خلال الأيام المقبلة. ويؤكد منسق الأمم المتحدة للمساعدات، مارتن غريفيث، ان "سكان شمال شرق سوريا لم يحصلوا على المساعدات وهم يشعرون بأنه قد تم التخلي عنهم".

(فريق مُلهم ينعى الساروت) 

وعلى الرغم من ان الحقائق تلك، قد أكدتها الجهات الأممية، -منها ما تحدث لوكالة رويترز- إلا ان التصويب الإعلامي على الدولة السورية استمر دون انقطاع، مُتهماً إياها بعرقلة وصول المساعدات إلى مختلف المحافظات.

ويقول أحد منظمي "حملة الشباب اللبناني لإغاثة سوريا"، حسن نور الدين، في حديث خاص لموقع "الخنـادق"، ان "هناك من تواصل معنا من شركات الأدوية -التي كانت قد وضعت سابقاً على لائحة العقوبات الأميركية- لإرسال المساعدات الطبية، وكذلك عدداً من الجمعيات التي تخشى أيضاً إضافتها على اللائحة".

ورداً على سؤال حول الإجراءات السورية التي اتُخذت منذ انطلاق الحملة من بيروت متوجهة نحو اللاذقية وجَبلة، شدد نور الدين، "على التسهيلات الأمنية واللوجستية من الدولة السورية لدخول المساعدات، على الرغم من ان الحملة هي تجمع شبابي غير منظّم، وغير مدعوم من أي جهة حزبية او سياسية أو طائفية... وهذا ما يُعد سابقة في وضع خطر كهذا". وأضاف "استطعنا توزيع المساعدات مباشرة إلى المتضررين، دون أي تدخل من قبل الدولة".


مرفقات


الكاتب: مريم السبلاني




روزنامة المحور