الأربعاء 22 حزيران , 2022 04:55

الدور الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية اللبنانية-الفلسطينية

عون وشينكر

اتخذ الأمريكي صفة الوسيط في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت، وهو الذي لطالما سعى إلى تجميع إطار أمني للممرات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط وليس خافيًا الدور الذي يلعبه إلى جانب الإسرائيلي في عرقلة استخراج الغاز اللبناني لنهب ثروات المنطقة من الغاز والنفط.

يشكل هذا الملف تقرير كرونولوجيا لمسار المفاوضات منذ بدء الحكومة اللبنانية بإجراءات ترسيم الحدود والدور الأمريكي المتزامن مع أي إجراء حول الغاز المتوسطي، الذي يملك سمة مناهزة الغاز الروسي ويشكل بديلا عنه إذا ما تمت عملية استخراجه.

الدور الأمريكي منذ بدء ترسيم الحدود البحرية اللبنانية

بدأ لبنان ترسيم حدوده البحرية اعتبارًا من العام 2002 حين كلّفت الحكومة اللبنانية مركز ساوثمسون لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بغية إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة. وقد واجه هذا المركز عدة صعوبات في الترسيم بسبب عدم توافر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وبذلك كان الترسيم غير دقيق.

 في العام 2006 عادت الحكومة وبناء على طلب وزارة الأشغال العامة والنقل، بتكليف المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، وكانت هذه الدراسة عبارة عن تحديث لتلك التي سبقتها.

واللافت أنه حتى عام 2007، كانت هيئة المسح الجيولوجي في الولايات الأمريكية تبحث عن المسوحات التي تستطيع من خلالها تأمين بدائل للغاز لأوروبا والعالم خارج القوة الروسية التي تمتلك 40% من احتياط الغاز في العالم، والقوة الإيرانية التي تمتلك 15 % من احتياط الغاز في العالم، أضف إليها 15 % من احتياط النفط العالمي. كان الهدف من المسوحات في سواحل المتوسط التي أجريت خلال 4 – 5 سنوات، أي منذ 2002، تأكيد وجود الغاز، الذي يتم العمل من أجله وتوظيفه سياسيًا. التقديرات الأولية أكدت وجود 122 ترليون قدم مكعب في ساحل المتوسط. بالتالي، إن مسألة الغاز والنفط ليست مجرد خلاف لبناني داخلي، بل هي قضية عالمية. هذا ما يفسر أكثر من 120 زيارة لوفود أمريكية للبنان خلال عشر سنوات ليست هباءً بل بناء على أطماع ومعطيات.

الدور الأمريكي من خلال قبرص والكيان المؤقت:

في 17/1/2007، وقّع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون فيما بينهما لاستثمار الثروات النفطية. وتمّ تحديد خط حدود بحري ما بين النقطة (1) جنوبًا والنقطة (6) شمالًا، مع توضيح مفاده أن النقطتين المذكورتين غير نهائيتين بانتظار التفاوض مع الدول المعنية. استندت هذه الاتفاقية إلى القوانين المرعية الإجراء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط. ولكن الدولة اللبنانية لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع العدو الإسرائيلي (2010) لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، متجاهلة ما تمّ الاتفاق عليه مع لبنان، وهذا ما أدى إلى خسارة لبنان مساحة مائية تزيد على 860 كلم2 من دون وجه حق.

وللنظر في حيثيات الاتفاقية بين قبرص والكيان ودلالاتها، نرى "الولايات المتحدة التي تعمل مع اليونان وقبرص وإسرائيل لمواجهة التحديات وتعزيز الرخاء."  وذلك كما ورد في كتاب يشرح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، يظهر أنه "حتى 2015، بدأت الولايات المتحدة واليونان وقبرص والكيان في تجميع إطار أمني للممرات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط". هذا ضروري لضمان الاستخراج الآمن، والإسالة (إذا لزم الأمر)، ونقل الطاقة من المصدر إلى الأسواق، عندما يصبح الغاز في نهاية المطاف على الإنترنت".

استكمال الترسيم من الجانب اللبناني وبدء الاعتداءات الإسرائيلية:

في العام 2008، شكّلت الحكومة اللبنانية لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الوزارات المعنية في الدولة لوضع تقرير مفصل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة.

رفعت اللجنة بتاريخ 29/4/2009 تقريرها المتعلق بتعيين الحدود البحرية الشمالية مع سوريا والجنوبية مع فلسطين المحتلة، وتم ربط هذه الحدود مع خط الوسط للحدود البرية والمنصوص عنه في الاتفاقية بين لبنان وقبرص. وقد أضافت الدراسة التي قامت بها هذه اللجنة نحو 375 كلم2 إلى المساحة التي وردت في دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني (2006). أعقب ذلك إيداع احداثيات الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية لدى الأمم المتحدة (9/7/2010 و11/10/2010).

في العام 2009 حددت حكومة فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة آنذاك، الحدود بالخط 23، ثم أودعت حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 النقطة لدى الأمم المتحدة، عبر مرسوم يحمل الرقم 6433، وقُدّرت بـ 860 كلم مربع. ومذّاك لم يجرِ تعديل المرسوم، على الرغم من تقديم الجيش اللبناني احداثيات جديدة تشير إلى أن الخرائط السابقة التي استند إليها المرسوم خاطئة.

عام 2009 وبعد اتفاق الخديعة، صدر عن العدو الاسرائيلي، عن مؤسسة بترويلم رايتس للكيان المؤقت، خريطة تشير إلى أن الخط 23 هو الخط المعتمد إسرائيليًا في أوكتوبر 2009، وبذلك يكون قد بدأ الاعتداء على الحقوق اللبنانية، لكنهم لم يكونوا يعتقدون أنهم يستطيعون الدخول إلى الخط 1 الذي حصل نتيجة التغافل اللبناني وعدم الردع والمطالبة بالحقوق عبر الدولة اللبنانية، وقد كان ذلك في عهد الرئيس سعد الحريري.

الزيارات الأمريكية تمهيدًا لعملية التفاوض

جرت المفاوضات اللبنانية، بوساطة أمريكية، منذ بدايتها. حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2012، عبر موفدها فريدريك هوف، في عهد الرئيس نجيب ميقاتي، اقتراحاً لحل النزاع البحري بين لبنان والكيان المؤقت، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها، برسم خط عرف في حينه بخط "هوف"، يعطي لبنان حوالي 500 كلم مربع، وإسرائيل حوالي 360 كلم مربعا من أصل كامل مساحة الـ 860 كلم مربعا. ورفض لبنان في حينه هذا الاقتراح على اعتبار أن المساحة الكاملة (360 كلم2) هي من حقّه.

واقترح الجانب الأميركي في حينه أن يكون خط "هوف" خطا مؤقتا وليس حدودا نهائية، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحول المؤقت إلى دائم عند الإسرائيلي.

- في 16 فبراير/ شباط من العام 2018، بعد حوالي أسبوع من توقيع لبنان عقدا مع ائتلاف الشركات الدولية، توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في (البلوك) 4 و9 بمياهه الإقليمية؛ دخلت أميركا بالوساطة مجدداً بين لبنان والكيان المؤقت عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد.

- أعاد ساترفيلد اقتراحات "هوف" عام 2012 لرسم الحدود البحرية بين الطرفين، غير أن لبنان رفض المقترح. ولفت بيان صادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري في حينه، إصراره على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم أبريل/نيسان 1996 التي تضم لبنان والكيان المؤقت والأمم المتحدة. فيما تبنى مجلس الأمن القرار 1701، في 11 أغسطس/ آب 2006، الداعي إلى وقف كل العمليات القتالية بين لبنان والكيان.

- زار المبعوث الخاص لشؤون الطاقة الدولية في وزارة الخارجية عاموس هوكشتاين بيروت في 1 و2 تموز (يوليو) 2015، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين في محاولة لإحياء الجهود لتسوية الخلاف الحدودي البحري بين لبنان والكيان.  وعقد هوشستين سلسلة اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين لتسوية الخلاف الحدودي البحري.

- في مارس/ آذار 2019 زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبنان، والتقى بالرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري وتناقش معهم في عدّة مواضيع منها ترسيم خط الحدود البحري بين لبنان والكيان. لم تسفر تلك الزيارة عن نتائج على مستوى ترسيم الحدود البحرية، بل كانت مجرد زيارة لتوجيه رسائل إلى حزب الله ورفع سقف العقوبات عليه، وقد تبعها سلسلة من المواقف المتناقضة على الساحة اللبنانية السياسية بين مؤيد ومعارض. حيث قدم وزير الخارجية الأمريكي، إنذاراً نهائياً: احتواء حزب الله أو توقع عواقب غير مسبوقة.

وفقًا للسياسة الخارجية، أخبر بومبيو عون أنه إذا أخفق في إكمال المهمة المستحيلة المتمثلة في إزالة حزب الله من المؤسسات الحكومية وقمع أنشطته العسكرية، فينبغي أن يتوقع لبنان وضع حد للمساعدات الأمريكية وحتى العقوبات المحتملة. وحذر بومبيو المسؤولين اللبنانيين من أنهم هم أنفسهم أهداف محتملة للعقوبات، مثل أعضاء التيار الوطني الحر، الذي يأتي معظم الدعم من المسيحيين اللبنانيين. خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو مع الرئيس اللبناني، ميشال عون، من المحتمل أن تستهدف العقوبات المحتملة أولاً وزارة الصحة اللبنانية التي يديرها حالياً عضو منتخب في حزب الله السياسي.

- في مايو/ أيار 2019، زار ساترفيلد لبنان مرتين في غضون أيام، والتقى كلا من الحريري وبري ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وأبلغهم قبل مغادرته بيروت إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة، تشمل الحدود البرية والبحرية بين لبنان والكيان.  واستمر ساترفيلد بمفاوضاته مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي إلى أن تمّ تعيين ديفيد شينكر خلفاً له في سبتمبر/ أيلول 2019.

سبتمر/ أيلول 2020، زار شينكر لبنان على خلفية انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ أغسطس لكنّه لم يلتقِ أي من الرؤساء مع أنّ زيارته وضعت سابقاً في إطار استكمال المناقشات حيال ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، لا سيما مع بري الذي يتولّى الملف.

1 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أعلن بري، التوصل إلى "اتفاق إطار" لإطلاق المفاوضات بين بلاده والكيان لترسيم الحدود. وقال بري، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر إقامته غرب العاصمة بيروت، إن "مفاوضات لترسيم الحدود مع الكيان ستتم برعاية الأمم المتحدة مع تلازم بين البر والبحر". وقد أشار بري أن المفاوضات ستجري بوساطة أمريكية.

الجولات الخمس من المفاوضات غير المباشرة

الجولة الأولى:

 14 أكتوبر/تشرين الأول2020، انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، في مدينة الناقورة الحدودية، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها "تاريخية" بين دولتين في حالة حرب.

كانت هذه الجولة عبارة عن جلسة شكلية، حيثي جلس وفدا الطرفين في القاعة ذاتها دون أن يتبادلا الحديث مباشرة بل عبر ممثل للأمم المتحدة، وفق مسؤولين لبنانيين، وبحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، ميسّر الجلسة الافتتاحية، واضطلع السفير الأمريكي جون ديروشيه بدور الوسيط في المفاوضات.

وضع فيها أسس التفاوض، ومواعيد الجولات اللاحقة للتفاوض.

الموقف اللبناني من الجولة الأولى:

ضم الوفد اللبناني أربعة أعضاء، عسكريَّين ومدنيَّين، هم العميد بسام ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص، والخبير التقني نجيب مسيحي، وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط. من جهته، اعتبر الرئيس اللبناني ميشال عون إن "المفاوضات تقنية والبحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديدا". توجه رئيس الوفد اللبناني العميد ياسين بكلامه للمبعوث الأممي والوسيط الأمريكي: " "نحن هنا اليوم لنناقش ونفاوض حول ترسيم حدودنا على أساس القانون الدولي، واتفاقية الهدنة عام 1949 الموثقة لدى دوائر الأمم المتحدة، واتفاقية بوليه نیوكومب عام 1923 وتحديدا بشــأن ما نصـت الاتفاقية حول الخط الذي ينطلق من رأس الناقورة براً".

وأضاف ياسين في كلمته: "نتطلع لقيام الأطراف الأخرى بما يتوجّب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات، إن تثبيت محاضر ومناقشات اجتماعات التفاوض غير المباشر كذلك الصيغة النهائية للترسيم يتم بعد تصديق السلطات السياسية اللبنانية المختصة عليها".  وقال: "لقاؤنا اليوم سوف يطلق صفارة قطار التفاوض التقني غير المباشر ويشكّل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل نحو ترسيم الحدود الجنوبية وانطلاقا من مصلحة وطننا العليا نتطلع لأن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة".

إن لبنان كان يريد وضع جدول زمني لهذه المفاوضات بحيث لا تتجاوز 6 أشهر. لكن هذا البند سقط من اتفاق إطار المفاوضات، وبالتالي فلا حدود زمنية لمسار هذا التفاوض الذي سيكون طويلا، وربما بلا أفق أو نتائج تذكر.

الموقف الإسرائيلي في الجولة الأولى:

ضم الوفد الإسرائيلي ستة أعضاء بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الإستراتيجية في الجيش أورين سيترز.

وقد وصف الكيان الموقت المفاوضات، التي تتعلق بمساحة تمتد لنحو 860 كلم مربع، بـ"المباشرة" وهو ما يصر لبنان على نفيه.

قال مصدر في وزارة الطاقة الإسرائيلية إن الأمر "مهم لإسرائيل لكنه أيضاً حاسم بالنسبة للجانب اللبناني"، مشيرا إلى أن الأمر قد يحتاج بضعة أشهر فقط إذا لم يكن هناك عوائق. هدفنا أن نحل النزاع حول ترسيم الخط البحري"، مشددا "لا أوهام لدينا، ليس هدفنا أن نخلق نوعا من التطبيع أو عملية سلام".

الموقف الأمريكي في الجولة الأولى:

قادت واشنطن على مدى سنوات وساطة بين الجانبين، تكثفت مع توقيع لبنان العام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين في مياهه الإقليمية، أحداها تقع في الجزء المتنازع عليه مع الكيان المؤقت.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان "ضغط الأمريكيون قبل الانتخابات الرئاسية ليعلنوا عن إنجاز جديد في السياسية الخارجية (..) كانت إدارة ترامب تريد أن تظهر أن هناك مسارا للسلام في المنطقة، وستروّج للمفاوضات بالطريقة ذاتها". ولا يستبعد ألا يأبه اللبنانيون بالمفاوضات ونتيجتها، كونهم غارقين في أزماتهم المعيشية على وقع الانهيار الاقتصادي.

الجولة الثانية والثالثة

 28 – 29 أكتوبر/تشرين الأول2020، انعقدت الجولة الثانية والثالثة، من المفاوضات غير المباشرة، بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية، اليوم، للبحث في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، في بلدة الناقورة جنوبي لبنان. ويترأس المفاوضات / يان كوبيتش / أحد مساعدي المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، وفي حضور الوسيط الأمريكي السفير جان ديروشر.  وأفادت الوكالة اللبنانية للإعلام أن المفاوضات بجولتها الثانية التأمت في مقر "اليونيفيل" برعاية الأمم المتحدة وبواسطة أمريكية حيث دخل الوفدان غرفة الاجتماعات وتم البحث في ترسيم الحدود البحرية. تنصب المحادثات في هذه الجولة على المناقشات التقنية وتفاصيل الترسيم.

الموقف اللبناني في الجولة الثانية والثالثة

ضم الوفد اللبناني المفاوض نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن بسام ياسين رئيسا، والعقيد البحري مازن بصبوص، والخبير في نزاعات الحدود بين الدول الدكتور نجيب مسيحي، وعضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، منطلقاً من النقطة صفر. ما يعني أن كل النقاط التي تم التوصل اليها سابقاً، إن من خلال المفاوضات مع الأمم المتحدة أو مع الولايات المتحدة، وحتى مع قبرص، تعتبر بنظر لبنان لاغية، بما فيها خط "هوف" وكأنه يبدأ التفاوض من جديد.

طالب الجانب اللبناني عبر "اليونيفيل" تسلمه "خرائط التحصينات" التي كان الجانب الإسرائيلي قد أقامها أثناء الاحتلال، وقد عثر الجيش اللبناني واليونيفيل على إحداها بتاريخ 24/4/2020 في محيط بلدة الغجر. ويصرّ لبنان على الطابع التقني البحت للمفاوضات غير المباشرة الهادفة حصرا إلى ترسيم الحدود، فيما تتحدث إسرائيل عن تفاوض مباشر.

قال رئيس الوفد اللبناني، بسام ياسين، بعد انتهاء الجولة الأولى: إنّنا "نتطلع إلى قيام الأطراف الأخرى بما يجب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات".

وأكد ياسين أنّ "اللقاء الأول أطلق صفارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، وشكل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع إلى أن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة".

 وقد اعترض حزب الله الذي يشكل الخصم اللدود لإسرائيل، مع حليفته حركة أمل، عشية جلسة التفاوض الأولى على ضمّ الوفد اللبناني الذي يقوده العميد الركن الطيّار بسام ياسين، شخصيات مدنية، معتبرين أنّ في ذلك "تسليما بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع".

الموقف الإسرائيلي

وفقاً لوزارة الطاقة الاسرائيلية، يرأس الوفد الإسرائيلي المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، الذي سيُرافقه رئيس موظفي وزارة الطاقة مور حالوتس، وأفيف عياش، المستشار الدولي للوزير، بالإضافة إلى نائب مستشار الأمن القومي رؤوفين عازار، ونائب المدير العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية في وزارة الخارجية ألون بار. كما سيحضر المحادثات الجنرال أورين ستير، رئيس القسم الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، وحاييم سريبرو، خبير الحدود الدولية والرئيس السابق لهيئة المساحة الإسرائيلية.

يشارك الكيان المؤقت شارك في المفاوضات على أساس استكمالها، وهذا فارق جوهري بين الطرفين. وعلى عكس الجلسة الأولى التي لم تتجاوز ساعة ونصف الساعة، استمرت الجولة الثانية أكثر من ثلاث ساعات قبل أن ترفع لليوم التالي.

وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خلال تفقده تدريبات حول استعدادات الجيش لهجوم محتمل من حزب الله، "أسمع أصواتا إيجابية تأتي من لبنان وتتحدث حتى عن السلام مع إسرائيل وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية".

الموقف الأمريكي في الجولة الثانية والثالثة

وصفت وزارة الخارجية الأمريكية المفاوضات، بأنها "مثمرة"، دون أن تورد مزيدا من التفاصيل.

 الموقف الأممي:

كان قائد "اليونيفيل" الجنرال ستيفانو ديل كول، ترأس اجتماعاً ثلاثياً استثنائياً أمس الثلاثاء، مع كبار ضباط الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، في مقرّ الأمم المتحدة في رأس الناقورة، ودعا "إلى المضي إلى أبعد مما حققناه وإكمال العمل على النقاط العالقة على النحو الذي شجع عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2539".

الجولة الرابعة

في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انعقدت الجولة الرابعة.

قدم الوفد اللبناني على طاولة المفاوضات وثائق وخرائط تثبت حق لبنان في حدود مياهه البحرية، وفقا لقانون البحار الدولي، متمسكا بحقه من مساحته البحرية البالغة 1430 كيلومترا مربعا.

وضم الوفد اللبناني، نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن بسام ياسين رئيسا، والعقيد البحري مازن بصبوص. كما ضم الوفد، الخبير في نزاعات الحدود بين الدول نجيب مسيحي، إضافة إلى عضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط.

الجولة الخامسة

4 أيار/ مايو 2021، انتهت الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت، بعد استئنافها صباح الثلاثاء، عقب توقف دام نحو 5 أشهر. وبعد عقد 3 جولات في مقر بعثة الأمم المتحدة الموقتة "يونيفيل" في منطقة الناقورة الحدودية، جنوبي لبنان، لم تعقد الجلسة الرابعة التي كانت مقررة في 2 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد ما طلب الجانب الإسرائيلي تأجيلها.

جولة المفاوضات استمرت 5 ساعات، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية، وسط سرية تامة بعيدة من الإعلام".

الموقف اللبناني:

الجانب اللبناني "أصر على حقه في حدوده البحرية وفي كل نقطة مياه، وفقا لقانون البحار المتعارف عليه دوليا". وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان والكيان لدى الأمم المتحدة، لكن الوفد اللبناني المفاوض يقول إن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم. وكان الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات المحادثات التي انعقدت سابقا خريطة جديدة تدفع باتجاه 1430 كلم، إضافيا للبنان، وهو ما يرفضه الكيان.

من جانبه، أكد الرئيس اللبناني، ميشال عون، أهمية تصحيح الحدود البحرية وفقا للقوانين والأنظمة الدولية، مشددا على حق لبنان في استثمار ثرواته الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وقال: "تجاوب لبنان في استئناف المفاوضات مع الكيان برعاية أمريكية، يعكس رغبته في أن تسفر عن نتائج إيجابية لحفظ الاستقرار في المنطقة".

وجاء ذلك خلال ترأس عون لاجتماع في قصر بعبدا، بحضور قائد الجيش، العماد جوزيف عون، وأعضاء الفريق اللبناني في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية مع الكيان.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسان دياب، قد أقر في وقت سابق من الشهر الماضي، مرسوما يقضي بتوسيع المنطقة التي يطالب بها لبنان في خلافه مع الكيان المؤقت بشأن الحدود البحرية. ويضيف هذا التعديل، الذي أدخل على المطالب اللبنانية الأصلية المقدمة إلى الأمم المتحدة، والذي وأحيل إلى رئاسة الجمهورية، حوالي 1400 كيلومتر مربع إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يطالب بها لبنان.

الموقف الإسرائيلي:

في الجهة المقابلة، حذر وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، حينئذ من أن الخطوات اللبنانية الجديدة "تخرج المفاوضات عن مسارها"، متوعدا بـ"الرد على الإجراءات اللبنانية أحادية الجانب بخطوات موازية".

استمرار الزيارات الأمريكية لتحريك عملية التفاوض

زيارة الوسيط الأمريكي هوكشتاين إلى لبنان في كانون الأول 2021

بعد سريان معلومات عن نية الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان و«الكيان»، عاموس هوكشتين، زيارة لبنان، افادت صحيفة الاخبار حينها أن مسؤولين أميركيين معنيين بالملف أجروا اتصالات بعيداً عن الأضواء مع الرؤساء عون بري ميقاتي للتدقيق في الموقف اللبناني، ومعرفة ما إذا بات هناك تصوّر موحد لدى الدولة اللبنانية يمكن الوسيط الأميركي الانطلاق منه لاستكمال التفاوض مع العدو الإسرائيلي، وانه تم تبليغ المسؤولين بأن هوكشتين سيزور بيروت بعد العاشر من كانون الثاني، لكن من دون تحديد موعد دقيق، وانه قد يعدل عن الزيارة في حال تبيّن أن الخلافات لا تزال على حالها بين المسؤولين اللبنانيين حيال الملف.

وكانت صحيفة الاخبار قد ذكرت في 24 ت2 2021، ان هوكشتاين، سينقل خلال زيارته للبنان موقف الكيان المتمثل بموافقته على اعطاء لبنان حقلا كاملا، على ان يعود حقل كاريش للكيان، وان الأخير مع الولايات المتحدة يستعجلان الوصول إلى اتفاق قبل شهر آذار، موعد بدء الاحتلال الإسرائيلي بالتنقيب عن النفط في حقل كاريش.

قام هوكشتين بجولات بين العواصم وصولا الى روما، حيث أجرى سلسلة اتصالات مع المعنين بملف التنقيب، ومنهم ممثلون عن شركة «اني» في روما، مستبقا زيارة وزير الطاقة، وليد فياض، الى فرنسا لبحث ملف التنقيب في البلوك رقم 4 مع شركة توتال، متسائلة اذا كان بدأ السباق الفرنسي-الاميركي.

على مسار التنقيب داخليا، وقع وزير الطاقة، وليد فياض، في 25 ت2 الماضي، قراراً يقضي باستكمال دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية محددا الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في الدورة من قبل شركات النفط والغاز في 15 حزيران 2022، كما تضمن القرار أرقام الرقع المفتوحة للمزايدة، وهي الرقع الثمانية غير الملزمة من أصل الرقع العشر، مع العلم أن الرقعتين 4 و9 قد تم تلزيمهما بفعل دورة التراخيص الاولى، في حين نقلت الديار عن مصادر ان لبنان سيستمر في القيام بما عليه، ولن يرضخ للضغوط الاميركية لأجل التنازل عن أي حق من حقوقه. 

زيارة هوكشتاين إلى لبنان/ كانون الثاني 2022

عبّر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عن استعداد لبنان لاستئناف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها مع الكيان، بشكلٍ يحافظ على حقوق لبنان وسيادته في كانون الثاني 2022، بعد زيارة قام بها موفد واشنطن لملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان آموس هوكشتاين لعون، وبعد أن كان قد زار الكيان قبل نحو أسبوعين والتقى وزيرة الطاقة الإسرائيلية.

الخطوات اللبنانية

-لبنان يودع رسالة لدى مجلس الأمن الدولي/ 7شباط 2022

انتهت الاتصالات الجارية الى تحديد موعد جديد لزيارة الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والكيان عاموس هوكشتاين إلى لبنان، وذلك لاستئناف البحث في مصير هذه المفاوضات التي تُجرى في الناقورة حيث مقر قيادة قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) برعاية اميركية.

وبحسب المعلومات حينها، فقد اضطر الجانب الاميركي الى استعجال تحديد موعد وصول هوكشتاين إلى بيروت، في أول ردّ فعل يمكن استكشافه نتيجة الرسالة التي أودعها لبنان لدى مجلس الأمن الدولي وكشف عنها نهاية الأسبوع الماضي، وبعدما أنهى هوكشتاين لقاءاته في اسرائيل التي أمضي فيها اياماً عدة، وقد طلب مواعيد رسمية بدءاً من بعد غد الأربعاء على الرغم من كونه يوم عطلة لمصادفته عيد القديس مار مارون.

وعشية وصوله الى بيروت نُشرت الرسالة الرسمية التي اعدّتها وزارة الخارجية ورفعتها مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة امال مدللي الى المنظمة الدولية، وكانت الأولى من نوعها منذ عام 2011، وذلك بناءً على توجيهات رئاسة الجمهورية، وتمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض في شأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخط 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم الرقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حل عادل.

وقالت مصادر مواكبة لحركة المفاوضات ليل أمس لــ «الجمهورية»، إنّ الرسالة شكّلت خطوة ستغيّر من مهمّة هوكشتاين وتعطيها أبعاداً أخرى ذات تأثيرات بالغة الدقة والأهمية بالنسبة الى الموقف اللبناني، بعدما أدّت الى وقف كل التحضيرات الاسرائيلية المتصلة في منطقة انتقلت من اعتبارها بالمنطق الاسرائيلي «منطقة اسرائيلية اقتصادية خالصة «إلى صفة أخرى سبغتها عليها الرسالة وحوّلتها إلى «منطقة متنازع عليها» لا يمكن ان تشهد اي عمليات استكشاف وتنقيب لأي شركة أياً كانت هويتها.

عشية وصول الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية، آموس هوكشتاين، إلى بيروت اليوم، وتعليقاً على الضجة التي أحدثتها الرسالة التي أرسلها لبنان الى مجلس الأمن ردّاً على الرسالة الاسرائيلية التي تعترض على دورة التراخيص اللبنانية في المنطقة الاقتصادية التابعة للبنان، أفادت مصادر ديبلوماسية لبنانية "النهار" إنّ "الرسالة كانت منسقة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، وأنّ الإعلان عنها لا علاقة له بزيارة هوكشتاين وليس لها ارتباط بأي ملفات اخرى. وكل ما في الأمر أنّها جاءت رداً على رسائل إسرائيلية سابقة". كما لفتت المصادر الديبلوماسية إلى أنّه "هوكشتاين قد لا يتطرق إلى مضمون هذه الرسالة في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين. وأتت في إطار الردود بين لبنان وإسرائيل لا أكثر ولا أقل

2-دعوة لبنان للولايات المتحدة لاستكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية

في 18 مارس 2022 قرر لبنان دعوة الولايات المتحدة إلى استكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع الكيان، وذلك بعدما درس مقترحا قدمه الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين.

وذكر بيان للرئاسة اللبنانية أن الرئيس ميشال عون ترأس اجتماعا في قصر بعبدا دام حوالي ساعتين ونصف الساعة، بحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، تم خلاله "دراسة الاقتراح الذي سلمه الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية الجنوبية".

وتابع أنه تم خلال الاجتماع أيضا "عرض نتائج ما توصلت إليه اللجنة التقنية التي درست اقتراح هوكشتاين"، لافتا إلى أن "المجتمعين عرضوا الملاحظات والاستفسارات حول الاقتراح بهدف الوصول إلى موقف موحّد يضمن المحافظة على حقوق لبنان وسيادته الكاملة على حدوده البحرية".

وتألفت اللجنة التقنية من ممثلين عن رئاستي الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش وهيئة إدارة قطاع البترول في لبنان. وأضاف البيان أنه "بعد النقاش تقرر دعوة الولايات المتحدة إلى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة".

وكان هوكشتاين قد قدم خلال زيارة إلى لبنان في فبراير الماضي مقترحا، لم يكشف عن مضمونه، إلى المسؤولين اللبنانيين بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع الكيان.

الجولة السادسة وزيارة هوكشتاين في حزيران 2022

تأجلت الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة، استنادًا إلى ما سيتوصل إليه الوسيط الأمريكي في زيارته إلى المنطقة، (ولم يكن معلومًا إن كان قد توجه لزيارة الكيان بعد مغادرته لبنان مساء الثلاثاء في الرابع عشر من حزيران الجاري).

في السياق الإقليمي والدولي، يعتبر مراقبون أن الإدارة الأميركية الجديدة -التي تخوض حملة مفاوضات دبلوماسية تتناول الأمن الإقليمي، والشراكة الإستراتيجية في المنطقة، بدءًا من محادثات فيينا المتصلة بالملف النووي الإيراني مرورا بملفات أفغانستان واليمن وغيرها- وجدت الوقت ملائما لتحريك موضوع المفاوضات الحدودية البحرية بين لبنان والكيان. وتنفيذا لذلك عقد الجانبان جولة جديدة من التفاوض في مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفل" (UNIFIL) في بلدة الناقورة جنوبي لبنان. 

في حوار خاص مع قناة «الحرة» الاميركية، أفاد هوكشتاين أن زيارته إلى بيروت:

-كنت هنا قبل بضعة أشهر وقدّمت في حينها بعض الاقتراحات بشأن ما يفترض أن تكون عليه المفاوضات كما قدّمت هذه الاقتراحات إلى الجانب الآخر أيضًا، واليوم جئت للاستماع للمسؤولين في الحكومة اللبنانية والإصغاء لوجهات نظرهم وتَلقّي أفكارهم حول المسارات المحتملة للدفع قدمًا.

-الخبر السار هو أنّني وجدتُ إجماعًا أكبر حول الرسالة، وإعدادًا جدّيًا للزيارة، وقد قدّموا بعض الأفكار التي تشكل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها.

-أعتقد أنّ ما سمعته أيضًا كان فهمًا واضحًا، مفاده أنّ الخيار الحقيقي لمستقبل لبنان، وهو الهَم الأساس للرؤساء والقادة الآخرين الذين التقيتُ بهم، هو إيجاد حل للأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والتي ترتبط بشكل وثيق بملف النفط، وحل النزاع البحري يشكّل خطوة أساسية ومهمة من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، وللانطلاق في مسار الانتعاش والنمو.

-أعتقد أنّ ما جرى كان محاولة جدية تقضي بالنظر إلى الخيارات المتاحة للمضي قدمًا، من غير أن تغفل عن بالنا فكرة أن علينا أن نقدّم تنازلات والتفكير في شكل بنّاء.

-لم آتي لأقدّم اقتراحات أو نقاط جديدة، بل جئت إلى لبنان للاستماع إلى ردود الفعل حول الاقتراحات والنقاط التي أثارها من قبل.

- وفي شأن الردود والأفكار التي تلقّاها من الجانب اللبناني، فضّل هوكشتاين عدم الكشف عنها حالياً، قائلاً: «لأننا في مرحلة حسّاسة نحاول فيها أن نَردم الهوة بين الجانبين لكي نتمكن من التوصّل إلى اتفاق بينهما، أعتقد أنّ هذا بالغ الأهمية بالنسبة الى لبنان بقدر ما أعتقد بصراحة أنه بالغ الأهمية لإسرائيل. لذلك، قبل أن أفصح عن هذه الأفكار، سأتشاركها مع الجانب الآخر، ونكمل المسار من هناك.

-ورأى أن الرد اللبناني يدفع بالمفاوضات إلى الأمام، وعليه سأتشارَك هذه الأفكار مع إسرائيل وما أن أحصل على رد واقتراح من الجانب الإسرائيلي، سأبلغه إلى الحكومة في لبنان.

ولدى سؤاله إذا ناقش لبنان معه الخط 29، خصوصا أن فريق الجيش اللبناني الفني واللوجستي أفاد أنه يعدّ ملفًا متينًا فيما يخصّ هذا الخط؟ اعتبر هوكشتاين أن «أمتن الملفات الذي يفترض بالجانب اللبناني إعداده هو ما قد ينجح، والحل الناجح يقضي بالإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضيّة قانونية، هل أنا في أفضل موقع لي..».

ثمة طرفان هنا وعلى الجانبين بدل التركيز على ما هو حق لي مقابل الطرف الآخر الذي يرى ما هو حق له، يجب أن يكون التفكير قائمًا على الطاقة التي يفترض بذلها في التفكير، ما هي الأفكار الخلاقة التي يمكننا كلّنا أن نتفق عليها. قد لا أحصل على كل ما أردته، لكنني حصلت على ما هو أكثر بكثير ممّا لديّ الآن، وفي حالة لبنان، هو لا شيء.

-أعتقد أنّ كثيرين كَوّنوا أفكارًا حول ما يفترض أن تكون عليه المفاوضات. أعتقد أن الحكومة اللبنانية قد قامت بخطوة قوية جدًا إلى الأمام اليوم، عبر طرح مقاربة موحدة، والتفكير مليًا، لا أعتقد أنّ الأمر حِكر على الشعارات، بل يقضي بالنظر إلى نوع التسوية التي يمكن التوصل إليها، ويوافق عليها الإسرائيليون من غير أن يشعروا أنّ في ذلك ما يتعارَض مع مصالحهم، وذلك مع الحفاظ على أهم جزء من مصالح لبنان.

وختم هوكشتاين: «لذلك لا يتناول الأمر صيغة أو أخرى بل ما يمكن أن يكون ناجحًا، وأعتقد أنه هنا تكمن الصعوبة في الموضوع. أعرف أن الأمر صعب لأن الناس يحبون «الشعارات»، ولا شك في أن الأمور أكثر تعقيداً من ذلك.

"حيث هناك إرادة هناك وسيلة… إن اتفاقاً على الحدود البحرية يمكنه أن يخلق فرصة تشتد الحاجة إليها لتحقيق الازدهار لمستقبل لبنان"، هكذا علّقت السفارة الأمريكية في بيروت على جولة الوسيط الأمريكي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان، عاموس هوكشتاين، الذي استبق جولته بالقول "هناك فرصة اليوم وقلّصنا الثغرات بشأن موضوع ترسيم الحدود البحرية ويمكننا التوصل إلى اتفاق”.

ورافقت السفيرة دوروثي شيا، هوكشتاين، في جولته في بيروت حيث التقى كلا من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وحضر الاجتماع في بعبدا وزير الخارجية عبد الله بوحبيب ووزير الطاقة وليد فياض.

واللافت انّ هوكشتاين زار السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لمناقشة الجهود الأميركية والفرنسية لدعم لبنان. وغرّدت غريو عبر «تويتر»، كاتبة: «حوار مستفيض بشأن الحدود البحرية مع الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين». وأضافت: «من المهم بالنسبة إلى مستقبل لبنان واستقرار المنطقة أن يتمّ التوصّل إلى حلّ ديبلوماسيّ لهذا النزاع، عبر التفاوض"، مؤكدة "أن فرنسا لن تألو جهداً في هذا السبيل."

الموقف اللبناني الأخير

حسم لبنان موقفه الرسمي من مسار المفاوضات التقنية غير المباشرة مع الكيان لترسيم حدوده البحرية الجنوبية؛ فقدم للوسيط الأميركي أموس هوكشتاين ردا شفهيا عنوانه الرئيسي: تمسك لبنان بحقه الكامل في الخط 23 مستقيما مع حقل قانا وبلا تعرجات تقضم من مساحاته، والرغبة في استئناف المفاوضات. وكرس لبنان الرسمي موقف الرئيس اللبناني ميشال عون الرافض توقيع مرسوم 6433 لعدم إغلاق باب التفاوض. وكان المرسوم -الذي وقعه رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب- يرتكز على خرائط الجيش اللبناني التي ترى أن مساحة المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل تصل إلى الخط 29، وتبلغ 2290 كيلومترا، وتشمل حقل كاريش، حيث ترسو سفينة "إنرجين باور" لاستخراج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه، وشكّل وصولها الأسبوع الماضي شرارة التوتر بين لبنان والكيان.

وقال وزير الطاقة وليد فياض لـ«الجمهورية» انّ هناك تقدماً نحو إتمام اتفاقية استجرار الغاز من مصر عبر سوريا. واوضح انه بحث في هذا الملف مع هوكشتاين «الذي أبدى كل الاستعداد للتعاون والمساعدة من أجل انجاز المراحل المتبقية». وكشف فياض ان اللمسات الأخيرة توضَع على المسودة النهائية لهذه الاتفاقية، «ومن المتوقع ان يُعقد قريباً اجتماع في بيروت يضمّ ممثلين عن وزارتي الطاقة في مصر وسوريا لتوقيعها». واشار الى ان هوكشتاين أكد له أنه سيساعد في الاتجاهات الآتية: العمل مع البنك الدولي للتسهيل والاسراع في بدء تمويل المشروع من دون إضافة شروط إضافية، تحييد هذا المشروع عن عقوبات قانون قيصر، والتدخّل لدى العراقيين لتمديد عقد توريد الفيول الى لبنان والذي ينتهي في أيلول المقبل. وشدد فياض على انه من الضروري البدء قريباً باستجرار الغاز من مصر ونقله عبر سوريا الى لبنان «حتى تتحسّن منظومتنا الكهربائية ونصبح قادرين على زيادة الانتاج وتزامناً رفع التعرفة لتحقيق الاستدامة المالية»، كاشفاً انّ هوكشتاين وافَقه الرأي وأبلغَ اليه انه «متحمّس لانجاز اتفاقية استجرار الغاز في أسرع وقت ممكن، واذا أمكَن خلال الشهرين المقبلين، وانه سيسعى الى المساهمة في تذليل العقبات التي تعترضها». واوضح فياض انّ هوكشتاين أبدى أيضاً اهتماماً بمتابعة اتفاقية استجرار الكهرباء من الاردن بعد الانتهاء من اتفاقية الغاز. ونقل عنه انه سمع من الملك الأردني عبدالله الثاني، «كما سمعنا نحن»، حرصاً على تنفيذها في أسرع وقت ممكن بعد تأمين التمويل الضروري لها.

أما ميقاتي وبعد استقباله الوسيط الأمريكي في دارته، ولدى سؤاله عن العرض الذي يحمله هوكشتاين، أوضح أنه "سيتشاور في شأنه مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب لتحديد الموقف اللبناني".

ختام الجولة كان في عين التينة عند الرئيس بري الذي شدّد على أمرين: رفض خط هوف ورفض أي استثمار مشترك بين لبنان وإسرائيل لحقول الغاز. وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لفت إلى "عدم تدخل المقاومة بموضوع الترسيم لأنه بالنسبة لنا لا حدود مع كيان العدو ولا نرسّم معه الحدود، لذلك قلنا إن هذا شأن الدولة اللبنانية، وما تقرّره الدولة تلتزم المقاومة به."

الموقف الإسرائيلي الأخير

في غضون ذلك أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أنّه يتطلّع إلى اليوم الذي سيقرر فيه لبنان أنه «جاهز للاستفادة من الغاز الطبيعي الكامن في مياهه الاقليمية». وقال: «من المؤسف أن القيادة اللبنانية منشغلة في خلافات داخلية وخارجية بدلاً من استخراج الغاز لمصلحة مواطنيها»، مضيفًا: «أنصح الحكومة اللبنانية بتحسين الاقتصاد وببناء مستقبل أفضل للشعب اللبناني." وقد صرح وزير الحرب في الكيان المؤقت بيني غانتس، بأن " منصة الغاز وصلتْ إلى المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية وليس إلى منطقة متنازع عليها. وستتم تسوية الخلاف بين إسرائيل ولبنان على المناطق المتنازع عليها في البحر المتوسط عبر المفاوضات الجارية بوساطة أميركية، وهي محادثات غير مباشرة".

إن المنصة الهائلة تلك والمصنوعة خصيصاً للمهمة، تموضعت في المكان المقرر لها قبالة رأس الناقورة، ويمكنها بدء العمل بعد شهرين على الأكثر، ويمكنها الحفر بشكل مائل وحتى بشكل أفقي واستخراج الغاز وإسالته وتخزينه بكميات كبيرة (بقدرة معالجة تبلغ 800 مليون قدم مكعب في اليوم (أو 8 مليار متر مكعب سنوياً، وسعة تخزين السوائل لديها تبلغ 800 الف برميل)، وقد أُنجز منذ آذار/ مارس الماضي ربط الحقل بخط الغاز الإسرائيلي.


المصدر: وكالات

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور