الخميس 07 نيسان , 2022 04:36

تداعيات معركة حزب الله في مكافحة الفساد

كتلة الوفاء للمقاومة

حملت معركة مكافحة الفساد التي انطلق بها حزب الله منذ الانتخابات الماضية عام 2018 تحديات للحزب نفسه في الالتزام بالمعركة رغم العوائق الداخلية والخارجية حيث حاولت الإدارة الأمريكية وسفارتها في عوكر، بمعرفتها ان انتصار حزب الله على الفساد يعني انتصاره في معركة المشروعية في البلد، التصويب على الحزب لمنعه من إتمام مهمّه.

الا ان الحزب خاض المعركة بجدّية واستطاع تحقيق الإنجازات خلال الأربع سنوات الماضية، وقد تركت هذه المعركة التداعيات في الداخل:

مخاطر تقدم الدور المقاوم نحو السياسة

لم تنفصل ثورية حزب الله المترجمة على الجبهات عن رفضه للظلم والفساد. فمنذ اليوم الأول لدخول حزب الله إلى البرلمان لم يوافق يومًا على موازنات الهدر، واستمر باقتراح مشاريع قوانين وفضح ملفات فساد بالقدر الذي أتاحته الظروف الأمنية والسياسية.

تأنى حزب الله كثيرًا قبل إعلانه شنّ الحرب على الفساد في دولة يعتبر فيها الفساد نظامًا. وأي حرب على الفساد فهي حرب على النظام القائم على المحاصصة والمحسوبيات والكارتيلات والفوائد وسوء استخدام السلطة، حتى أن محاربة الفساد فيه، إذا لم تكن قائمة على ستة وستة مكرر قد تؤدي إلى حرب أهلية. كل هذه الأمور تقف عوائق أمام النجاح وتجعله أكثر صعوبة.

التحلل الهادئ لبنية الفساد

ردع حزب الله في هذه المعركة الفاسدين حيث أن إثارة مكافحة الفساد في الإعلام وأمام الرأي العام يجعل الفاسد "يتحسس رأسه" وقد يتجنّب الوقوع في مسائل مشابهة في المستقبل كي لا تشمل ملفات الفساد اسمه، وكل من كان فاسدًا علناً فإنه سيعمد إلى فساده في السرّ، الأمر الذي يخفف من حدة الفساد.

فالفاسد الصغير المنتشر بين صغار الموظفين والذي يقوم بمخالفاته من دون تنسيق مع الآخرين، عندما يسمع في الإعلام عن ملفات يتم تقديمها للقضاء دون ذكر الأسماء والتفاصيل، فإن هذا الغموض سيجعله أكثر حذرًا، كما أن الفاسد الكبير المنتشر بين كبار الموظفين والمسؤولين سيعمد إلى تفكيك شبكة المصالح خوفًا من كشفها، أو تجميد الحماية السياسية على أقل تقدير.

ومن ناحية أخرى يشكل إعلان الحرب على الفساد لدى طرف من الأطراف تحفيزًا للأطراف الأخرى للمضي في ذلك، ومنهم من سيتحمس لرفع الشعار قولًا وفعلًا، حتى لا يقال إن الحزب وحده من تصدى للفساد، وسيجتهد بتقديم الاقتراحات والقوانين وغيرها من سبل المعالجة. والأثر الأهم هو تحوّل قضية الفساد إلى مسألة محورية في الجدال السياسي.

الإصلاح على المستوى القضائي

إلى ذلك، فإن الملفات التي يعمد الحزب إلى تقديمها للقضاء، ثم تصطدم بحائط مسدود، سيكشف ذلك عن الثغرات الموجودة في القوانين القضائية، فيعمد بعدها إلى تقديم قوانين إصلاح في المجلس النيابي ويضغط باتجاه إقرارها. ومن لن يوافق أو يصوّت على قوانين إصلاح، فإنه بذلك سيصبح مكشوفًا لدى الرأي العام بتغطيته على الفساد.

الصدام

يمتلك حزب الله من القوة والمقدرة ما يجعله قادرًا على التفوق في أي صدام محتمل، وهو حل قد تطرحه أطراف لبنانية وجزء كبير من الجمهور الذي يئس من النظام اللبناني الفاسد ويرى أن الحلّ هو بقوة الذراع. وقد لفت الأمين العام السيد حسن نصر الله النظر في هذا الأمر في مقابلته مع إذاعة النور في عيد الانتصار والتحرير من العام 2020 إلى أن "من يريد القتال فينا من أجل الاصلاح في لبنان يجب أن يتفهم أن المقاومة على رأس لائحة الاستهداف في الكرة الأرضية، وأمام أي تحولات جديدة عندما تسير بمسار يجب أن تنتبه المقاومة ما إذا كانت تسير إلى الكمين الذي ينصبه لها العدو". وأضاف: "نحن ضد العزل والاقصاء ولا نريد حرباً اهلية في لبنان ولا نريد أن نحكم البلد". ذلك أن أي خلاف في لبنان على أي موضوع يستثمر طائفياً. كما أن العزل والإقصاء سيعملان على تربية الأحقاد ويؤديان إلى التدخل الدولي. وقد لفت السيد نصر الله إلى أنه "لا مصلحة ولا يمكننا أن نستخدم القوة في أي ملف فساد في لبنان". فاستخدام القوة لمكافحة الفساد هو فساد بدوره. أشار إلى أن "النظام اللبناني يحتاج إلى تطوير وإصلاح لكن ليس على قاعدة نسفه، ولكن يمكن الجلوس والبحث في تطوير الطائف". ففي ظل الظروف الاقتصادية والصحية الحالية، يبدو أن الحديث عن تغيير نظام الطائف في لبنان الذي اقتتل اللبنانيون لمدة 18 عامًا حتى تم التوصل إليه، هو ترف لا يتمتع به اللبنانيون حاليًا، خاصة في ظل عدم وجود نظام بديل يمكن التعويل عليه.

التشهير

أما في مسألة التشهير، يذكر أنه في الفترة ما بين 2008 و2018، درجت العادة في بعض البرامج تحت عنوان الصحافة الاستقصائية، أن يعمد الصحفيون في بعض المحطات اللبنانية (الجديد- lbc) إلى كشف قضايا فساد من خلال التشهير بأصحابها وقد نالت هذه البرامج أعلى نسب مشاهدة. هذا النوع من البرامج ربى الجمهور على ثقافة التشهير حتى بدا لهم أن محاسبة الفاسد لا تحصل الا بالتشهير، وهذا الأسلوب بكل الأحوال يقدم "فشة خلق" للجمهور وتشفي، فيحبه الجمهور ويستسيغه، ويتطلع إليه باهتمام، إلا أن هذا الأسلوب لم يذكر أنه وضع أي فاسد في السجن، أو استرجع مالًا منهوبًا. فقط أدى إلى سجالات ودعاوى قدح وذم استنزفت حماس اللبنانيين ولم تقدم لهم أي خطوة عملية.

حزب الله هو النموذج الذي دخل في نظام الفساد اللبناني دون أن يتلوث بالفساد، بل رفع لواء الحرب على الفساد من باب مؤسسات الدولة، انطلاقًا من اعتقاده الراسخ بأن البناء والإصلاح في مجتمع متعدد الانتماء والطوائف لا يحصل إلا عبر الدولة ومؤسساتها، وهذا الإيمان بالوطن، بالإضافة إلى نظافة الكف التي يشهد بها العدو والصديق، وبالنظر إلى قاعدته الجماهيرية الأكبر من بين كل الأحزاب اللبنانية، كل ذلك يستدعي أن يُنظر إلى الحزب كأول طرف قادر، وليس استبعاده وشمله بشعار ملتبس مثل "كلن يعني كلن".

يمكن القول إن مجرّد إعلان الحرب على الفساد له آثار بنيوية ستنعكس على المدى الطويل، لقد فتح حزب الله الملف الأكبر في الفساد وهو ملف الاتصالات الذي يدخل إيرادات كبيرة إلى الدولة، وهو يقف حجر عثرة في وجه ملفات الهدر في الموازنات المالية، والكثير من الملفات التي يعمل على متابعتها والتي ستظهر نتائجها على المدى القصير والبعيد. وبغض النظر عن النتائج المباشرة فإن تأثير بدء تلك المواجهة بدأ يعطي ثماره الأولى من خلال تراجع شعبية الفاسدين وانكشافهم ماليًا وشعبيًا.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور