الثلاثاء 06 أيار , 2025 03:47

العلاقة العكسية: مساهمة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية في الجيش الأمريكي

التكنولوجيا الإسرائيلية وجندي أميركي

تتجاوز العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية الأطر التقليدية كأي حليفين استراتيجيين في العالم، بل تعبّر هذه العلاقة عن عمق قلّ نظيره، فقد أظهرت واشنطن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر خلال معركة طوفان الأقصى وأولي البأس، كفاعل مباشر وشريك ميداني إلى جانب كيان الاحتلال، فتشمل عناوين الدعم مجالات الاستخبارات، والتسليح، والتمويل العسكري والاقتصادي، ناهيك عن تأمين الغطاء الدولي للممارسات الإسرائيلية في حرب الإبادة على قطاع غزة.

في هذا السياق، بلغت القيمة الإجمالية للمساعدات الأميركية للكيان الإسرائيلي، منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة أكثر من 158 مليار دولار على شكل مساعدات اقتصادية، ومساعدات عسكرية، وتمويل لمشاريع الدفاع الصاروخي. وفي مطلع حرب طوفان الأقصى، صادق الكونغرس الأميركي في عهد بايدن على رزمة من المساعدات بقيمة 26 مليار دولار، تضمّنت 14 ملياراً للتسليح والأنظمة الأمنية.

لكن لا تبدو العلاقة بين الطرفين تسير في اتجاه واحد. فالكيان الإسرائيلي يوفّر للولايات المتحدة بيئة اختبار عملية لتقنيات عسكرية متقدمة. ولتوضيح العلاقة العكسية بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، يستعرض هذا المقال، دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" بعنوان: "مساهمة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية في الجيش الأميركي: استجابات لتحديات الأمن الإسرائيلي التي تم تبنيها في ساحات القتال الأميركية"، التي تُسلّط الضوء على آثار التجربة العسكرية الإسرائيلية في صياغة العقيدة القتالية والتسليحية والأداء الميداني للجيش الأميركي.

بدأت الورقة البحثية باستعراض الخلفية التاريخية لهذه العلاقة، فبعد حرب يوم الغفران، طلبت وزارة الدفاع الأميركية إجراء تقييم شامل للحرب، وكلفت بإجراء ما لا يقل عن 37 دراسة منفصلة حول هذا الموضوع، بما في ذلك تقرير من سبع مجلدات عن أنظمة الأسلحة، والذي لا يزال مصنفاً سرياً حتى الآن. ويقول الكاتبان: "إن الدروس المستفادة من نجاحات إسرائيل في ساحة المعركة سوف تشكل في وقت لاحق العقيدة العسكرية للولايات المتحدة، حيث أثرت بشكل مباشر على تطوير عقيدة "القتال الجوي الأرضي" وأنظمة الأسلحة "الخمسة الكبار" - مروحيات الأباتشي، ومركبات برادلي القتالية، وأنظمة صواريخ باتريوت، ودبابات أبرامز، ومروحيات بلاك هوك. إن هذه التطورات، إلى جانب النهج العملياتي الجديد الذي يركز على السرعة والقوة النارية والتنسيق بين القوات، من شأنها أن تعيد تعريف الحرب الحديثة".

ويضيفان "لا يزال التدخل المستمر للجيش الأمريكي في الابتكارات الأمنية الإسرائيلية يؤثر على استراتيجيات وأنظمة القتال للجيش الأمريكي. من أنظمة الدفاع بالدبابات إلى حلول الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي - قدمت شركات الدفاع ومؤسسات البحث الإسرائيلية باستمرار ابتكارات من الدرجة الأولى وجدت طريقها إلى الجيش الأمريكي. وقد نشأت العديد من هذه التقنيات نتيجة للتحديات الأمنية الاستثنائية التي تواجهها إسرائيل وحاجتها إلى حلول سريعة لحروب المدن والحروب غير المتكافئة. وقد تبنى الجيش الأميركي العديد من الأنظمة الإسرائيلية، ودمجها في حروبه في العراق وأفغانستان وفي مختلف أنحاء العالم".

الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي: ساحة المعركة المستقبلية

تساهم الابتكارات الإسرائيلية القائمة على الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الحرب الحديثة والتأثير على التطورات العسكرية في جميع أنحاء العالم. ويعمل الجيش الأميركي أيضاً على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال الجمع بين القيادة الرائدة والرؤى المستمدة من التقدم الإسرائيلي:

- أسلحة متجولة من طراز هاربي وهاروب: طورت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية طائرات بدون طيار مستقلة تعمل بالذكاء الاصطناعي وقادرة على تحديد أهداف العدو وضربها دون أوامر مباشرة من المشغل. قام الجيش الأمريكي بتوسيع تجاربه باستخدام أسلحة جوالة مماثلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطبيقات مكافحة الرادار والمركبات.

- نظام إدارة المعركة Fire Weaver: ينفذ نظام Fire Weaver من Rafael عملية اكتساب الهدف في الوقت الفعلي وتحسين إطلاق النار، باستخدام التنسيق القائم على الذكاء الاصطناعي. وقد قامت الولايات المتحدة بتجربة شبكات مماثلة تربط بين أجهزة الاستشعار وإطلاق النار بهدف تحسين الوعي الظرفي في ساحة المعركة.

- أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدمير الطائرات بدون طيار: "قبة الطائرات بدون طيار" من شركة رافائيل هي نظام دفاع يعتمد على الذكاء الاصطناعي مصمم لاكتشاف وتحديد وتحييد الطائرات بدون طيار المعادية. وفي ظل التهديد المتزايد الذي تشكله الطائرات بدون طيار من قبل جهات غير حكومية، اعتمد الجيش الأمريكي تقنيات الذكاء الاصطناعي المماثلة لتدمير الطائرات بدون طيار، بهدف تحسين دفاع القواعد والوحدات العاملة على الخطوط الأمامية.

- كارمل - مركبة قتالية مدرعة تعتمد على الذكاء الاصطناعي: يدمج مشروع كارمل الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في المركبات القتالية المدرعة، لتحقيق عملية شبه مستقلة. يستخدم برنامج مركبات القتال من الجيل التالي التابع للجيش الأمريكي تقنيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي مماثلة لتلك التي تم تنفيذها في مشروع كارمل.

- الدفاع السيبراني وذكاء الإشارات المبني على الذكاء الاصطناعي: تعد شركات الأمن الإسرائيلية، التي يدير العديد منها خريجو الوحدة 8200، رائدة في مجال الأمن السيبراني واستخبارات الإشارات القائمة على الذكاء الاصطناعي. ومن المفترض أن الجيش الأمريكي ووكالات الاستخبارات الأمريكية تعملان بشكل وثيق مع الشركات الإسرائيلية لدمج أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل التنبؤ بالتهديدات في أنشطتها.

وتُظهر تطورات الذكاء الاصطناعي التقدم الشامل في تكنولوجيات الأمن الإسرائيلية، والتي تستمر، إلى جانب الولايات المتحدة، في تشكيل مستقبل الحرب.

ضمادة الطوارئ الإسرائيلية: إنقاذ الأرواح في ساحة المعركة

لقد ساهمت الابتكارات الإسرائيلية في تشكيل العقيدة العسكرية وبنية القوة، كما كان لها تأثير مباشر على مستوى المحارب في الميدان، كما يتضح من التطورات الطبية في ساحة المعركة. ضمادة الطوارئ - ضمادة بسيطة ولكنها فعالة للغاية لوقف النزيف طورها طبيب عسكري إسرائيلي - أنقذت أرواح عدد لا يحصى من الجنود الأميركيين. الضمادة، التي تم تقديمها لأول مرة في تسعينيات القرن العشرين، تحتوي على عاصبة مدمجة تسمح للجنود بمعالجة الجروح الشديدة بيد واحدة. اعتمد الجيش الأمريكي ضمادة الطوارئ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخاصة في ضوء العدد المتزايد من الضحايا في العراق وأفغانستان بسبب العبوات الناسفة ونيران الأسلحة الصغيرة، واليوم أصبحت جزءاً قياسياً من أنظمة الإسعافات الأولية للجنود الأمريكيين والقوات الخاصة وخدمات الطوارئ.

الجرافة المدرعة: أداة أساسية في حرب المدن

أدى تكييف جيش الاحتلال الإسرائيلي لجرافة D9 للاستخدام القتالي إلى إنشاء نموذج لجرافة مدرعة ثقيلة أثبتت نفسها في ساحة المعركة وأثرت بشكل مباشر على العملية العسكرية الأمريكية في العراق. في عام 2003، اشترى الجيش الأمريكي 14 جرافة إسرائيلية مدرعة من طراز D9 تم تطويرها من قبل سلاح الهندسة العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي لاستخدامها في ميادين مختلفة. 

أنظمة الدفاع النشطة: أهمية نظام الحماية من الرياح في ساحة المعركة

لقد أدت التطورات الإسرائيلية المصممة لحماية القوات المقاتلة إلى زيادة قدرة المنصات المدرعة على البقاء في القتال بشكل كبير. أحد أهم المساهمات الإسرائيلية في الحرب المدرعة هو نظام "Windbreaker" ويسمى Trophy باللغة الإنجليزية. يوفر النظام، الذي طورته شركة رافائيل لأنظمة القتال المتقدمة، دفاعاً متعدد الطبقات ضد الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وصواريخ آر بي جي، وهو قادر على تحديد التهديدات وتتبعها واعتراضها تلقائياً قبل أن تصيب الدبابة. تم اختبار النظام لأول مرة من قبل الجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة في عام 2011، وسرعان ما أثبت فعاليته في المواقف القتالية.

التعامل مع العبوات الناسفة

في حل معضلة العبوات الناسفة، التي واجهت فيها الولايات المتحدة أزمة حقيقية في الشرق الأوسط، إذ حصدت العبوات الناسفة في العراق أرواح العديد من الجنود الأميركيين، مما دفع واشنطن إلى استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية، وخاصة أنظمة الميكروويف المخصصة لتعطيل المتفجرات، والتي شكلت أساساً لتطوير برامج أميركية تعرف باسمDragon Spike .

الكلاب في الخدمة العسكرية: وحدات الكلاب

ساهمت الخبرة الإسرائيلية في تطوير وحدات الكلاب القتالية، لا سيما من خلال وحدة "عوكتس"، التي طورت أنظمة تحكم لاسلكي عن بُعد، استخدمها الجيش الأميركي في عملياته الاستطلاعية ومكافحة الأفخاخ والأنفاق.

تقنيات حرب الأنفاق: دروس من حرب إسرائيل تحت الأرض

وفي مجال القتال تحت الأرض، أدى التعاون الأميركي الإسرائيلي إلى إنتاج تقنيات كشف وتعطيل متقدمة للأنفاق، بالاعتماد على رادارات أرضية وذكاء اصطناعي، انعكس أثرها لاحقاً في جهود الولايات المتحدة لتأمين حدودها الجنوبية مع المكسيك.

أنظمة الملاحة والصواريخ الدقيقة: ميزة للقوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية

أما في الجو، فقد أصبحت بودات الملاحة (LITENING)، المطورة إسرائيلياً، أساساً في دقة الاستهداف الجوي الأميركي، خاصة مع ربطها بنظام APKWS  لتوجيه صواريخ منخفضة التكلفة ضد الطائرات بدون طيار.

التحسينات الإسرائيلية على طائرة إف-35: تحسين التفوق الجوي للقوات الجوية الأمريكية

أسهمت تعديلات إسرائيل على مقاتلة F-35، وخاصة في مجال الحرب الإلكترونية والأسلحة الذكية، في تعزيز القدرات الهجومية للطائرة وتوسيع خيارات استخدامها، حتى باتت النسخة الإسرائيلية "أدير" معياراً في تطوير النسخة العالمية.

تخلص الدراسة إلى أن التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يقتصر على الدعم المالي والعسكري، أو على نقل التكنولوجيا، بل يتعمق في مشاريع تطوير مشترك تؤسس لتفوّق عسكري مستدام. ومع تعاظم التهديدات وتحوّل طبيعة الحروب، تظل هذه الشراكة مهمة في طليعة الابتكار العسكري، ضامنةً ريادة مزدوجة في استشراف المخاطر وفي إعادة صياغة مفاهيم القوة في الحروب.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور