الإثنين 28 حزيران , 2021 02:51

متى تتوقف الحرب على اليمن؟

يُعد إيقاف الحرب في اليمن بالنسبة للولايات المتحدة هدفًا استراتيجيًا، وجزء من تهيئة البيئة الإقليمية بتوحيد جبهة وكلاء الولايات المتحدة، استعدادًا لمرحلة ما بعد المفاوضات النووية مع إيران سواء عبر الاتفاق أو وقف التفاوض.

يستمر العدوان الأميركي الإسرائيلي عبر الوكيلين السعودي والاماراتي في اليمن، منذ أكثر من 6 سنوات، في الوقت الذي تبدو فيه الإدارة الامريكية في حيرة، لعدم قدرتها التأثير على حكومة صنعاء للقبول بالخضوع لشروطها لوقف الحرب في اليمن، وكانت قد جربت في سبيل ذلك العديد من الوسائل واستخدمت الأدوات المتاحة، منها المبادرة السعودية الأخيرة والوساطة العمانية، وكذلك العقوبات التي تستهدف مجهود اقتصاد الحرب للدولة لا سيما في القطاع النقدي، وآخرها نشر كميات كبيرة من العملة المزورة في المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء، واليوم تحاول تجربة ابتزاز إيران في الملف النووي مقابل ضغطها أو إيقاف دعمها للحكومة في صنعاء. 

في المقابل تستمر قوات الجيش واللجان الشعبية في الضغط على جبهة مأرب التي تحقق فيها تقدما هامًا في هذه الفترة، وتصر على موقفها بعدم ربط الملف الإنساني بوقف إطلاق النار، مما يؤثر يوميًا على عمل المبعوث الأميركي الخاص باليمن تيموثي ليندركينغ ويضعف موقفه ورصيده.

الوضع الإقليمي
وصلت الحرب اليمنية إلى النقطة الحرجة بالنسبة لدول العدوان، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، إذ يأتي إيقاف حرب اليمن بالنسبة لتحالف العدوان، في سياق متصل بنتيجة المفاوضات النووية للترويكا الأوروبية والولايات المتحدة مع إيران، التي من المتوقع وصولها الى خاتمتها في الشهور القليلة المقبلة، وبناء عليه تم رصد حركة ناشطة بدأت في الشهور الأخيرة من العام 2020، لرأب التصدعات في المعسكر الأميركي الإقليمي، بين الحلف السعودي الاماراتي من جهة، والحلف التركي القطري من جهة أخرى، كانت نتيجته صلحًا خليجيًا وفكًا للحصار عن قطر، وامتد رأب الصدع هذا الى المنافسة التركية المصرية، التي شهدت تفاهمات بِشأن ليبيا ووضعها على طريق الحل السريع، ولجمًا للمعارضة المصرية التي تتخذ من تركيا مقرًا أساسيا لها، ما انعكس خفضا للتوترات بين هذين القطبين الكبيرين داخل المعسكر الأميركي، بالإضافة الى خفض للتوتر الإعلامي بين تركيا وإسرائيل.

هنا يُطرح تساؤل عن السبب الذي يدعو هذه الأطراف الى حل خلافات كانت تعتبرها جوهرية بهذه السرعة؟ قد يكون في تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي في مؤتمر معهد الأمن القومي الإسرائيلي بتاريخ 26 كانون الثاني / يناير إجابة عن ذلك:" في مواجهة المحور الشيعي الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان تبلور تحالف إقليمي قوي يبدأ من اليونان وقبرص ومصر والأردن ودول الخليج، حيث تقف دولة إسرائيل داخل هذا التحالف".مضيفًا أن:" العودة إلى الاتفاق النووي لسنة 2015 أو حتى التوصل إلى اتفاق مشابه ومعدل سيكون اتفاقا سيئًا على المستويين العملي والاستراتيجي، لذا يجب عدم السماح بذلك".

بالطبع ليس عدم ذكر تركيا على لسان رئيس الأركان الصهيوني تاريخ إطلاق التصريح، يعني أنها خارجه، ولكن لم تكن التفاهمات الدولية والاقليمية مع تركيا قد نضجت في ذلك الوقت.

تخفيف الخسائر
بالنسبة للسعودية والامارات، يسمح إيقاف حرب اليمن بتحرير جزء هام من جهود ومتطلبات هذه الحرب، على الصعد الدبلوماسية الدولية والإقليمية، كذلك على صعيد السياسات الداخلية للبلدين، إضافة الى تقليص حجم الموارد المالية الكبيرة المسخرة للإنفاق على العمليات العسكرية والأمنية، وتمويل المليشيات والمرتزقة وغيرها من مجهود الانفاق الحربي، وكذلك تسخير جزء هام من أسلحة الطيران والمشاة والبحرية ... الخ، التي تساهم مباشرة في المجهود الحربي السعودي.

إن توقف الحرب في اليمن يسمح بتحويل جزء مهم من الجهود والأصول المالية والعسكرية الى مناطق أخرى في الإقليم، وبما أن استراتيجية إدارة بايدن تقضي بتغيير بيئة العمل الإقليمية لإيران وحلفائها في المنطقة، وتفادي المواجهة المباشرة معها كما كاد يحدث أثناء إدارة ترامب السابقة، فإن الهدف الأميركي والسعودي، وحتى الإسرائيلي بتوقف الحرب اليمنية يبدو ملحا. 

عقد تأسيسي 
تسببت الاكتشافات الغازية والنفطية في شرق البحر المتوسط، في اهتمام الاتحاد الأوروبي لا سيما ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، إضافة الى بريطانيا، بهذه الثروات الباطنية القريبة جغرافيا، لتؤمن بها موارد الطاقة التي تحتاجها دول الاتحاد الأوروبي في العقود المقبلة، وسوف يتسبب هذا الاهتمام الجديد بانزياح مركز الثقل الإقليمي الاقتصادي، وبالتالي السياسي، في المنطقة العربية من دول الخليج الى سواحل بلاد الشام وشمال أفريقيا، لذلك الدول الخليجية لا سيما السعودية والامارات في سباق مع الزمن للوصول الى نهاية هذا العقد، والسنة هنا 2030 هي ليست خطة اعتباطية بل هي دراسات واستنتاجات وتوصيات، بنت عليها مجموعة كبيرة من المنظمات الدولية والمصارف الكبرى في الولايات المتحدة إجراءات وسياسات تنفيذية، وخُصِص لها موارد مالية هائلة،  للوصول بحلفائهم في الخليج الى بر الأمان في العقود المقبلة، وهم قد هيئوا البنية التحتية المتطورة لتنويع اقتصاداتهم وتقليص اعتمادهم على بيع النفط، وهذه البنية التحتية بدورها مرتبطة بأجزاء رئيسية منها بدولة العدو الصهيوني مثل شبكة الانترنت البحري، وخطوط السكك الحديد والنقل البحري، وغيرها من القطاعات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، كما أن تقليص دور بحر الخليج الفارسي ومضيق هرمز يستتبع الاستعاضة عنه  بالغاز والنفط اليمني، ومد خطوط أنابيب النفط من حقولها في شرق السعودية الى خليج عدن وتصديرها الى الأسواق العالمية، ويعتبر استمرار الحرب في اليمن بتكلفتها الهائلة التي تجاوزت ال750 مليار دولار عائقًا رئيسيًا من الناحية الأمنية والمالية، حيث يشكل استمرارها خطرًا على تنفيذ هذه المشاريع، بسبب إمكانية استهدافها من قبل القوة الصاروخية والجوية لحكومة صنعاء.

فإلى أين وصلت الجهود الأمريكية الإقليمية المبذولة لإيقاف حربهم على اليمن؟ في المقابل كيف تفاعلت حكومة صنعاء مع المبادرات التي تقوم بها عدة أطراف إقليمية في هذا السياق؟

حركة دبلوماسية مكثفة
بتاريخ 5 حزيران / يونيو 2021، وصل وفد عُماني ممثلاً عن المكتب السلطاني المشرف على الملف اليمني في مسقط الى مطار صنعاء برفقة رئيس الوفد اليمني في المفاوضات محمد عبد السلام، على متن طائرة تابعة لسلاح الجو السلطاني العماني، وكان وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي صرّح أن:" طريق الحل السياسي للأزمة اليمنية يمر عبر بوابة وقف إطلاق النار، وانسياب المساعدات الإنسانية".

وبتاريخ 6 حزيران / يونيو 2021، جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن ونظيره العماني بدر البوسعيدي، وورد أن هذا الاتصال جاء بطلب من المبعوث الأميركي الخاص الى اليمن تيم ليندركينغ، وفي نفس اليوم أصدرت الخارجية الامريكية بيانا ألقت فيه باللوم على حركة أنصار الله لاستمرار هجومهما عل مأرب، ورفضهما لوقف إطلاق النار.

تزامنت زيارة الوفد العماني الى صنعاء مع زيارة وزير خارجية حكومة عبد ربه منصور هادي، أحمد عوض بن مبارك الى مسقط، التي التقى خلالها بوزير الخارجة العماني البوسعيدي وعدد من المسؤولين الخليجيين، في نفس الوقت الذي تلقى فيه هادي رسالة من أمير الكويت نواف الأحمد الصباح، عبر وزير الخارجية الكويتي الذي زار الرياض في 5 حزيران / يونيو 2021، بالإضافة الى توجه مبعوث الأمم المتحدة المنتهية ولايته مارتن غريفيث في 8 حزيران / يونيو 2021، الى طهران لإقناع المسؤولين الإيرانيين لممارسة ضغط ما على حكومة صنعاء للتجاوب مع العروض الامريكية الخليجية لوقف إطلاق النار، حيث جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال لقائه المبعوث الأممي، تأكيد بلاده على الحل السياسي في اليمن، مؤكدًا "ضرورة رفع الحصار وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني"، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، وفي اليوم نفسه بحث السفير الإيراني في صنعاء حسن إيرلو مع وزير خارجية صنعاء هشام شرف مسار التسوية في اليمن.

استكمالاً لهذه الحركة الدبلوماسية صرح المبعوث الأميركي ليندركينغ في مقابلة فيديو عبر الانترنت استضافه فيها مجلس العلاقات العربية الامريكية لبحث الازمة الإنسانية في اليمن بتاريخ 24 حزيران / يونيو 2021، أن الولايات المتحدة تعترف بحركة أنصار الله كطرف شرعي في اليمن، فيما يبدو أنه جزء من الحوافز التي يقدمها الأمريكي بالتنقيط لحكومة صنعاء خشية من أن تبدو كأنها تنازلات نتيجة ضعف الأدوات التي تستخدمها الإدارة الامريكية في الملف اليمني، إلا أن وزارة الخارجية الامريكية أصدرت بيانًا أوضحت فيه أن تصريح ليندركينغ تم تضمينه معنى خاطئ من قبل وسائل الإعلام، وأن الحكومة الامريكية لا تعترف سوى بحكومة هادي المعترف بها دوليًا، في موقف يدل أن الاعتراف بأنصار الله كطرف شرعي جاء في غير الوقت المناسب له.

سعى الوفد العماني إلى حل نقاط الخلاف الأساسية التي تشكل ركائز خطة الأمم المتحدة للسلام، وهي وقف إطلاق النار (الذي يشمل وقف هجوم قوات صنعاء على مأرب والمملكة العربية السعودية)، وافتتاح مطار صنعاء وميناء الحديدة، والاستعدادات لاستئناف المفاوضات السياسية، كما ناقش الجانب العماني الضمانات التي قدمتها السلطنة للتوصل إلى حلول بشأن جدول لحل الأزمة اليمنية، وتشير التقديرات إلى أن تلك الضمانات تركز على تخفيف مخاوف حكومة صنعاء بأن التحالف قد يتراجع عن أي خطوات لرفع الحصار، أو تحديد الوجهات المسموح بها للملاحة الجوية. من ناحية أخرى، من المحتمل أن يكون الجانب العماني قد سعى للحصول على موافقة وتأكيد قيادة حركة أنصار الله على مشاركتها في مشاورات السلام ووقف إطلاق النار، في حال تم بالفعل اتخاذ بعض الترتيبات لرفع أو تخفيف الحصار، برفع الحظر المفروض على مطار صنعاء وميناء الحديدة، والذي تصر صنعاء على أنها استحقاقات إنسانية لا يجب ربطها بأي اتفاق لوقف إطلاق النار.

نتائج الحركة الدبلوماسية
ظهرت النتيجة سريعًا في تصاعد العمليات العسكرية على جبهة مأرب وتقدم الجيش واللجان الشعبية في جبل البلق القبلي، وإسقاط طائرتي تجسس بدون طيار أمريكية الصنع في صرواح ومأرب بصاروخي أرض جو، فيما يبدو أن الولايات المتحدة هي من تراقب ساحة المعركة وتديرها بشكل مباشر، وفي المعلومات أيضاً أن ضبّاطاً أميركيين وبريطانيين، إلى جانب نظرائهم السعوديين، يديرون العمليات العسكرية بشكل مباشر في مأرب، ويشرفون على الخطط والتكتيكات التي تُنفّذ من قِبَل الفصائل المسلحة، كما يديرون عمليات سلاح طيران التحالف السعودي ــــ الإماراتي، والذي لا يغيب عن سماء الجبهة طوال الوقت. كذلك، سُمح لعناصر داعش والقاعدة الذين فرّوا من محافظة البيضاء، بالقتال إلى جانب القوات الحكومية، ليتمّ تسليمهم محاور كاملة، ويُزوّدوا بالأسلحة كافة التي بحوزة قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي. 

وليس أدل على ذلك من اتصال مرئي جرى في 2 حزيران / يونيو 2021، بين محافظ مأرب سلطان العرادة وتيم ليندركينغ، بالإضافة الى القائمة بأعمال السفارة الامريكية كاثي ويستلي، بحثوا فيها أوضاع مأرب وهجوم قوات صنعاء المستمر. كما وفرضت الإدارة الامريكية عقوبات على العديد من المؤسسات المالية اليمنية بهدف حرمان صنعاء من العملات الصعبة، ويبدو أن الولايات المتحدة ماضية في طريق العقوبات التي تستهدف القطاع النقدي في مناطق سيطرة صنعاء في الفترة المقبلة.

ولكن لا يمكننا الجزم أن الأمور وصلت الى طريق مسدود، إذ أن المفاوضات مع أنصار الله ليست بالسهولة التي كان يظنها الأمريكيين المضطرين لإنهاء عدوانهم على اليمن لاعتبارات ومصالح على مستويات وصعد متعددة لا مجال لذكرها هنا.

الخاتمة
يُعد إيقاف الحرب في اليمن بالنسبة للولايات المتحدة هدفًا استراتيجيًا، وجزء من تهيئة البيئة الإقليمية بتوحيد جبهة وكلاء الولايات المتحدة، استعدادًا لمرحلة ما بعد المفاوضات النووية مع إيران سواء عبر الاتفاق أو وقف التفاوض.

في حال فشل المفاوضات واستمرار الحصار والعقوبات، بتقليص حجم الصادرات والواردات للجمهورية الإسلامية وتضرر المالية العامة للدولة، قد يدفعها ذلك الى شن حرب استنزاف واسعة ضد القوات والمصالح الامريكية والإسرائيلية في المنطقة، والذي قد يؤدي بدوره الى اشتعال حرب إقليمية تستقطب فاعلين دوليين، وأقل ما يمكننا القول فيها أنها خطيرة بما لا يمكن قياسه على الامن والسلم الدوليين.

أما في حال نجاح المفاوضات، فإن الموارد المالية الإيرانية سوف تتضخم بشكل كبير، وبالتالي يتوسع دعمها لحلفائها الإقليميين، الذين خرجوا من أصعب وأشرس المعارك والتحديات منتصرين، هذا الدعم سوف يسرع عملية بناء القوة والاقتدار بمتوالية هندسية يصعب على العدو الصهيوني وحلفائه الاقليميين مجاراتها، مما يضعهم في أزمة استراتيجية وجودية.

لذلك، سوف تعمل الولايات المتحدة ووكلائها في المنطقة، وعلى رأسهم "إسرائيل" على جعل اتفاقات التطبيع الخيانية الأخيرة منطلقًا لرسم خرائط النفوذ في غرب آسيا، ويعني ذلك بداية تثبيت مواقع أدواتها داخل لبنان واليمن وسوريا والعراق، وبعد ذلك الانقضاض لانتزاع أسباب القوة والنفوذ من أطراف محور المقاومة، ويعتبر انتخاب رئيس ثوري جديد لإيران -السيد إبراهيم رئيسي- رافعة كبيرة لحلفاء إيران الإقليميين، سيزيد هذا الانتخاب من تعقيد الأمور بالنسبة للأمريكيين، وسوف تتجه المنطقة بخطى سريعة الى التصادم بين الجبهتين، جبهة محور المقاومة وجبهة وكلاء الاستكبار العالمي في صراع من نوع جديد، ستكون المواجهة قاسية هذه المرة وتتخذ أوجهًا جديدة وهجومية، مع حرص أمريكي واضح بعدم تطور الصراع الى حرب كبرى تستقطب تدخلًا أمريكيًا، ومع ذلك لا يبدو عدم تطورها مضمونا.

لذا يمكننا الاستنتاج أن عامل الوقت هو المهم في حرب اليمن، ولا يبدو أن إدارة بايدن لديها ترف الوقت لتعطيل استراتيجياتها الدولية والإقليمية الجديدة، وسوف تجد نفسها في وقت ما مضطرة لتقديم التنازلات التي تعالت عن تقديمها اليوم لإنهاء هذه الحرب.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: منير نصولي




روزنامة المحور