السبت 26 حزيران , 2021 06:44

أزمة الدواء: "سلامة" المرضى بيد المحتكرين

رياض سلامة
مع مرور الوقت، ومع الارتفاع الخيالي للدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية، يزداد نفوذ مستوردي الأدوية في لبنان، ما سهّل عليهم مهمة تحويل الأدوية من سلعة أساسية وضرورة من واجب الدولة تأمينها لمواطنيها، إلى سلعة تجارية ووسيلة لتأمين أرباح طائلة، فأصبح المرضى أهداف لكارتلات ترقص على همومهم وآلاهم.

"طبعاً بالدواء علينا ان نبذل اقصى الجهد، وهناك مواد ‏يجب ان يبقى فيها دعم ولو دعم مرشّد ولو دعم محسوب ومدروس وليس كيفما كان، مثلًا في موضوع الادوية ‏المزمنة والمستعصية..."، بهذه العبارة لخص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أزمة الدواء العصية على إيجاد حلول لها، نتيجة لتلاعب المستوردين بالسوق واحتكار كميات الأدوية المتاحة ورفع أسعارها حماية لمصالحهم الشخصية.

فعلى الرغم من تعهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ ما يقارب الشهر على صرف بدلات للأدوية المحتجزة في المستودعات -والتي تم استيرادها قبل صدور آلية جديدة تقضي بحصول المستوردين على موافقة مسبقة من المصرف المركزي- إلا أنه لم يلتزم بذلك، ما خلق مشكلة كبيرة بين وزارة الصحة والمصرف المركزي.

ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان -أوائل العام 2020- حذرت الكثير من الدراسات من وقوع لبنان في أزمة "فقدان الأدوية"، خصوصًا بعد "خبرية" رفع الدعم عن الأدوية وهو المصير المحتم على اللبنانيين، وبحسب تقرير صادر عن "مرصد الأزمة" في الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن "حتمية رفع الدعم الرسمي عن الدواء باتت مؤكدة، لكونه يستنزف نحو ٣ في المئة من الناتج المحلي وهذا أعلى رقم عالميا".

من هم المحتكرون للدواء في لبنان؟

مع مرور الوقت، ومع الارتفاع الخيالي للدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية، يزداد نفوذ مستوردي الأدوية في لبنان، ما سهّل عليهم مهمة تحويل الأدوية من سلعة أساسية وضرورة من واجب الدولة تأمينها لمواطنيها، إلى سلعة تجارية ووسيلة لتأمين أرباح طائلة، فأصبح المرضى أهداف لكارتلات ترقص على همومهم وآلاهم.

تشير التقديرات إلى أن استيراد ما يقارب 90% من الأدوية في لبنان تحتكره حوالي 10 شركات، من بينها 5 تستحوذ على أكثر من 70% من تجارة الأدوية، فمن هي هذه الشركات الخمسة؟ ومن هم المتحكمين بأوجاع المرضى وآلامهم؟

- في المرتبة الأولى: شركة "مرساكو"، تستحوذ على 19% من مجمل سوق الدّواء.

يعود تأسيسها إلى العام 1959، ويملكها كل من غسان المحاسني وأولاده، ووليد مروّة وأولاده، وجوزف باسيلا وأولاده، إضافة إلى عدد من المساهمين الصّغار. تعمل في مجال استيراد الأدوية والمنتجات الصيدلية وتوزيعها، كما تمتلك ما يقارب 14 وكالة حصرية لشركات أدوية أجنبية مثل Abbott وSanofi.

والجدير ذكره أن المحاسني ومروّة يمتلكان أيضًا شركة FDC التي تستحوذ على 5% من سوق الدّواء، ما يرفع من حصّتهما إلى 24%.

- في المرتبة الثانية: مجموعة فتّال والتي تبلغ حصّتها نحو 9% من سوق الدواء.

تمتلك مجموعة فتّال شركتين لاستيراد الأدوية والمنتجات الصيدلية وهي "فتّال غروب" لمؤسسها خليل فتّال والتي برزت عام 1897، وتمتلك هذه الشركة عشرات الوكالات الحصرية لسلع مختلفة، من بينها 15 وكالة لشركات أدوية عالمية أبرزها Bayer. أما الشركة الثانية فهي "باسفيك" التي تأسّست عام 2000 بهدف استيراد الأدوية والمعدّات الطبية.

- في المرتبة الثالثة: شركة "أبيلا أخوان" التي تستحوذ على 7% من سوق الدّواء.

تم تأسيسها في العام 1927 من قبل ألبير أبيلا، وذلك لاستيراد المنتجات الصيدلية من أدوية ومعدات وتوزيعها في لبنان والشرق الأوسط. وتمتلك الشركة حوالي 13 وكالة حصرية لشركات أدوية ومنتجات صيدلية عالمية مثل GlaxoSmithKline.

في العام 1997 أعيدت هيكلة الشركة، وأصبحت مملوكة من قبل شركة "هولمد" التي يتقاسم أسهمها عدد من المساهمين، من أبرزهم ريمون وجورج أبو عضل -يملكان أيضاً شركة لاستيراد الأدوية وغيرها من المنتجات والسلع-، أنطوان فاضل، رالف عودة ونبيل بسترس.

- في المرتبة الرابعة: شركة "مستودع أدوية الاتحاد Droguerie de l’Union" التي تستحوذ أيضًا على 7% من سوق الدّواء.

في العام 1946 تأسّست الشركة من قبل سليم الغريب وإخوته، وهي حاليًا لديها ما يقدر بـ 30 وكالة حصرية.

- في المرتبة الخامسة: شركة "أومنيفارما" والتي تستحوذ على 6% من سوق الدّواء.

تم تأسيسها في العام 1954، ويمتلكها كل من ظافر شاوي وعائلته، وجوزيف جبارة وعائلته. للشركة عدة فروع في لبنان والأردن والعراق، ولديها نحو 14 وكالة حصرية لأبرز الشركات العالمية من أبرزها Roche وAstraZeneca وNestle Healthcare.

وهنا يجب التذكير بأن هذه الشركات الخمسة وغيرها من الشركات، تساوي جزءًا صغيرًا أمام المحتكر الأكبر للدواء والدولار والبنزين وكل السلع الأساسية التي يفتقر إليها لبنان أي حاكم مصرف لبنان "رياض سلامة".

النتائج المترتبة على احتكار الدواء

كان نقيب مستوردي الأدوية في لبنان، كريم جبارة، قد حذر في وقت سابق من أن مخزون الأدوية وخصوصًا تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة إضافة إلى حليب الأطفال "سينتهي بعد بضعة أسابيع، وآلاف المرضى اللبنانيين لن يجدوا هذه العلاجات الضرورية لهم"، في إشارة إلى أن الوضع الصحي في لبنان سيدخل في "كارثة مطلع تموز المقبل"، إذ إن الشركات لن ترسل حاجة لبنان من الأدوية ما لم يسدد ديونه المتراكمة والتي تقدر بأكثر من "600 ألف دولار".

ومن بين النتائج التي تسبب الاحتكار بها حتى الآن:

- فقدان أكثر من 80 نوع من الأدوية خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية.

- اقفال أكثر من 700 صيدلية.

ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد، إذ تنسحب الأزمة على المستشفيات التي أعلن بعضها عن تفاقم الوضع الذي قد يؤدي إلى إقفال بعضها نتيجة النقص في معظم المستلزمات والمعدات الطبية إضافة إلى أدوية البنج.

بعد كارتلات البنزين والمازوت تأتي كارتلات الأدوية، ويبقى السؤال الأبرز متى سترفع الطبقة الحاكمة في لبنان الغطاء عن المحتكرين؟

 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور