الأربعاء 16 حزيران , 2021 11:53

هآرتس: التحدي الأخطر الذي يواجه حكومة بينت هو الصواريخ الدقيقة لحزب الله

نفتالي بينت

كانت الولادة التي شهدتها حكومة "التغيير" متعثرة للغاية، وبظروف غير طبيعية، فهي المرة الأولى في تاريخ كيان الاحتلال التي يستعصي فيها الاتفاق على حكومة بهذا الشكل، خاصة مع الاحتدام والانقسام الحاد الذي شهدته جلسة الكنيست. نتنياهو "المستبعد" عن السلطة عمل جاهدا لزرع الألغام في طريق لابيد وبينيت اثناء سعيهما لتشكيل الإئتلاف، وحرص ان تستمر هذه العراقيل إلى ما بعد التشكيل ونيل الثقة، فلقد أعدّها جيدًا كي تنفجر في أقرب تحد تشهده هذه الحكومة وهي متعددة الجوانب الأمنية العسكرية والاقتصادية إضافة لكسب تأييد الداخل الإسرائيلي.

هآرتس وفي مقال لها تحت عنوان "بينت تنتظره تحديات في لبنان وغزة، لكن تنتظره أيضاً فرصة فتح صفحة جديدة مع القيادة الأمنية" اعتبرت انه خلال الأيام الأولى سيُطلب من حكومة نفتالي بينت ويائير لبيد معالجة ألغام أمنية وسياسية تركها رئيس الحكومة المنتهية ولايته خلفه".  لافتة إلى انه "من الصعب استبعاد سيناريو أن يحاول أحد جيراننا - مع احتمال كبير جداً أن يكون من بين هؤلاء الفصائل الفلسطينية في غزة - اختبار الحكومة الجديدة في وقت قريب" مؤكدة على ان "المشكلة الأكثر إلحاحاً على جدول الأعمال السياسي للحكومة الجديدة هي قطاع غزة (...)والتحدي الأمني الأخطر الذي يمكن أن يواجهه بينت ولبيد وغانتس ربما في السنة المقبلة هو المتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله. منذ اللحظة التي يصبح لدى الحزب القدرة على إنتاج سلاح دقيق على الأراضي اللبنانية، ستواجه إسرائيل معضلة صعبة: هل يجب تدمير هذه القدرات والمخاطرة بنشوب حرب؟"

النص المترجم:

في الأيام الأولى سيُطلب من حكومة نفتالي بينت ويائير لبيد معالجة ألغام أمنية وسياسية تركها رئيس الحكومة المنتهية ولايته خلفه: مسيرة الأعلام التي جرت الثلاثاء ضمن مخطط محدود في القدس القديمة، والبؤرة الاستيطانية غير القانونية أفيتار جنوبي نابلس، التي على ما يبدو سيُطلب من الجيش الإسرائيلي إخلاؤها. لكن تنتظر رئيس الحكومة بينت ووزير الخارجية لبيد ووزير الدفاع غانتس لاحقاً تحديات استراتيجية أهم بكثير. هذه التحديات لها علاقة بكل الساحات المركزية التي تعمل فيها إسرائيل: إيران، والساحة الشمالية (سورية ولبنان)، والساحة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وفي كل الساحات. القوة التي ستُظهرها إسرائيل وهامش المناورة لديها سيكونان مرتبطين إلى حد بعيد بالعلاقة بالإدارة الأميركية.

خلال 12 عاماً من تولّيه رئاسة الحكومة سجل رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو نجاحاً كبيراً في القبض على المسار الفلسطيني إلى جانب فشل خطِر لا يعترف به في المسألة الإيرانية. لقد استغل نتنياهو حتى النهاية التطورات من حوله - الربيع العربي وبعده صعود إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة- من أجل تنويم المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية.

لقد انجرّ إلى العمليات العسكرية في قطاع غزة رغماً عن إرادته، وفقط في حالة واحدة – الجرف الصامد 2014 - اقتربت العملية في حجمها من حرب حقيقية. في الضفة الغربية، وعلى الرغم من العلاقات المتوترة مع رئيس السلطة محمود عباس، إلاّ إن السلطة واصلت عملها كمتعهد أمني فرعي لإسرائيل وساعدتها في إحباط هجمات "حماس". تردُّد نتنياهو المعروف في اتخاذ خطوات عسكرية بالإضافة إلى الأداء الناجع للجيش الإسرائيلي والشاباك، حوّلا فترة ولايته إلى فترة أكثر هدوءاً من العقد الذي سبقها، والذي تميز بالانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية.

استغل نتنياهو جيداً تراجُع اهتمام المجتمع الدولي بما يحدث في المناطق الفلسطينية لمصلحته. في فترة ولايته ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية بمقدار 200 ألف مستوطن (أغلبيتهم نتيجة الزيادة الطبيعية، وفي الأساس في مستوطنات الحريديم). لم تُضَف مستوطنة جديدة، لكن لم يجرِ إخلاء أي بؤرة استيطانية، وفي المقابل شُرعِن عدد من البؤر الاستيطانية القديمة.

خلال فترة حكم نتنياهو ازداد نفوذ زعماء المستوطنين في مركز الليكود وفي أروقة الحكومة. وتُرجم ذلك بتدفق ميزانيات ضخمة، وفي القدرة على التأثير في اتخاذ القرارات. وفي هذا الشأن من المعقول ألاّ يحدث تغيير في الحكومة الجديدة: بينت ترعرع في الحضن السياسي لحركة غوش إيمونيم [حركة دينية قومية]، بينما يؤيد أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر تعزيز الاستيطان. ليس هناك فرصة حقيقية لوزراء اليسار في حكومة الوحدة في عرقلة وإحباط كل ما يُتفَق عليه سراً بين المستوطنين وبين وزراء اليمين والجيش.

لم ينجح نتنياهو في تحقيق تطلعاته في المسألة النووية الإيرانية. على الرغم من مدح نفسه في خطابه في الكنيست أول أمس، إلاّ إن من الصعب دحض الوقائع: إيران اليوم هي أقرب بكثير من القنبلة مما كانت عليه لدى عودة نتنياهو إلى الحكم في سنة 2009. صحيح أن رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب استجاب لضغوط نتنياهو واستقال من الاتفاق النووي في سنة 2018، لكن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الأميركيون مجدداً والعمليات السرية المنسوبة إلى إسرائيل لم تكبح التقدم النووي. لا بل على العكس ثمة أساس للحجة التي تقول إنها شجعت الإيرانيين على خرق الاتفاق. العملية البارعة التي قام بها الموساد لسرقة الأرشيف النووي من طهران ترك انطباعاً كبيراً لدى ترامب، لكنها لم تؤثر في سير المشروع. ويمكن أن نرى في ذلك نموذجاً كلاسيكياً من ضعف نتنياهو: استعراض خطابي عدائي غير مدعوم بنتائج عملية.

إن نقطة ضعف بينت المركزية هي خبرته القليلة نسبياً. لا تكفي بضعة أعوام كان فيها عضواً في المجلس الوزاري المصغر ونحو نصف سنة في وزارة الدفاع، جزء أساسي منها هُدر على مناكفات بادر إليها نتنياهو، لإعداد الشخص بصورة كاملة لتحمّل المسؤوليات التي تنطوي عليها قيادة دولة معقدة مثل إسرائيل.

لقد تعرّض نتنياهو لانتقادات بسبب خطابه السام في الكنيست، والذي ادّعى فيه أن أعداءنا راضون عن قيام الحكومة الجديدة. لكن من الصعب استبعاد سيناريو أن يحاول أحد جيراننا - مع احتمال كبير جداً أن يكون من بين هؤلاء الفصائل الفلسطينية في غزة - اختبار الحكومة الجديدة في وقت قريب. وكون هذه الحكومة مؤلفة من أحزاب على خلاف أيديولوجي حاد، وتعتمد للمرة الأولى على دعم حزب عربي من الخارج يجعل الوضع أكثر تعقيداً.

ثمة علامة استفهام أُخرى تتعلق بالعلاقات بالولايات المتحدة. إدارة ترامب كانت سيئة بالنسبة إلى المواطنين الأميركيين، إذ ثبُت ذلك في معالجة وباء الكورونا الذي أدى إلى نهاية ترامب السياسية. لكن في كل ما يتعلق بصورة القوة الإسرائيلية في المنطقة، كان لترامب مساهمة حقيقية في ذلك. فقد تجنبت إيران وحزب الله احتكاكاً مباشراً بإسرائيل، لأنهما كانا يعرفان الشيك المفتوح الذي فتحه ترامب لنتنياهو ضدهما.

العلاقات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو، بحسب اعتراف هذا الأخير بصورة غير مباشرة في خطابه في الكنيست، كانت باردة جداً. لقد سارع بايدن أمس إلى احتضان بينت عندما اتصل به فور نيل الحكومة الثقة. وبخلاف ادعاءات المعارضة، من الصعب رؤية الرئيس المحنك يضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية الشاب من أجل الدفع قدماً برؤيا الدولتين. لكن هذا لا يشبه بأي صورة من الصور دعم ترامب المطلق لنتنياهو.

المشكلة الأكثر إلحاحاً على جدول الأعمال السياسي للحكومة الجديدة هي قطاع غزة. وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الوسطاء المصريون نصّ فقط على هدوء مقابل هدوء، في هذه الأثناء لم يُضَف أي مضمون على التفاهمات. وقد قررت الحكومة السابقة إبقاء جزء كبير من القيود على معابر القطاع على حالها، بهدف الدفع قدماً بمعالجة مسألة الأسرى والمفقودين. ومن دون تسوية واسعة ستشتعل غزة من جديد.

لقد سبق أن أعلن بينت أنه سيواصل سياسة نتنياهو إزاء إيران. عملياً تتقدم واشنطن نحو توقيع الاتفاق النووي من جديد، وبينت يوظف جهوداً أقل من سلفه في محاربة المشروع النووي. التقدير المنطقي أن إسرائيل ستحتج على الاتفاق، لكنها عملياً ستضبط نفسها (ومن المحتمل جداً أن هذا ما كان سيفعله نتنياهو أيضاً). التحدي الأمني الأخطر الذي يمكن أن يواجهه بينت ولبيد وغانتس ربما في السنة المقبلة هو المتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله. منذ اللحظة التي يصبح لدى الحزب القدرة على إنتاج سلاح دقيق على الأراضي اللبنانية، ستواجه إسرائيل معضلة صعبة: هل يجب تدمير هذه القدرات والمخاطرة بنشوب حرب؟

في ذروة أزمة اقتصادية ستضطر الحكومة إلى مواجهة مطالبة الجيش الإسرائيلي بزيادة ميزانياته، سواء لملء مخازن السلاح بعد جولة القتال الأخيرة في غزة أو من أجل تحقيق الخطة الطموحة المتعددة السنوات لرئيس الأركان أفيف كوخافي. بينت سيضطر قريباً إلى حسم مصير تعيين مستشار جديد للأمن القومي، وتعيين رئيس جديد للشاباك.

لكن الأهم من كل هذا أن نيل الحكومة الثقة يبشر بفرصة لإعادة تحريك علاقات رئيس الحكومة بالقيادة الأمنية. وحقيقة أن نتنياهو نجح في التشاجر تقريباً مع كل زعماء الأجهزة الذين عملوا معه أن أغلبية هؤلاء وقفوا ضده علناً بعد استقالتهم، تدل على عمق الأزمة. بينت يبدأ من نقطة انطلاق مختلفة تماماً وأكثر إيجابية.


المصدر: هآرتس

الكاتب: عاموس هرئيل




روزنامة المحور