الجمعة 04 حزيران , 2021 12:45

سياسات حاكم مصرف لبنان تعمّق الأزمة الاقتصادية

تتواصل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة التي يعاني منها لبنان في ظل استمرار انهيار العملة الوطنية امام سعر صرف الدولار الاميركي مع اختفائه تدريجيا من السوق او التداول به بشكل طبيعي مع ما يترتب على ذلك من انعكاس مباشر على غلاء أسعار الكثير من السلع الأساسية وسحب بعضها من السوق او عدم استيرادها بحجة عدم توفر الدولار او إصدار الاعتمادات من قبل مصرف لبنان.

فما علاقة مصرف لبنان بكل ما يجري وبالتحديد ما علاقة حاكم المصرف رياض سلامة بذلك؟ وهل يمكن تحميل هذا الرجل مسؤولية كل ما يحصل في لبنان بدون الطبقة السياسية الطائفية التي كانت وما تزال تحميه؟

بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة الى ان حاكم مصرف لبنان بموجب قانون النقد والتسليف يجب عليه ان يقوم بكل الاجراءات والاعمال لتسيير أعمال مؤسسة مصرف لبنان، وبيد الحاكم صلاحيات كبيرة في هذا الاطار بظل عدم وجود أي صلاحيات فعلية لنواب الحاكم الاربعة، اللهم إلا اذا كلف الحاكم أحد نوابه بمهام معينة، وبالتالي فإن رياض سلامة الذي عيّن في منصبه في شهر آب/أغسطس 1993 لديه الصلاحيات الواسعة في إدارة شؤون المصرف المركزي الذي يطلع بدوره بموجب قانون النقد والتسليف بكل ما يتعلق بالعملة الوطنية، ما يبين أهمية دور سلامة في يوميات الاقتصاد والمالية العامة في لبنان منذ 28 سنة، وبالتالي فإن أول من سيتحمل مسؤولية الانتكاسات التي يعيشها لبنان باقتصاده وتدهور قيمة عملته لا بد هو رياض سلامة ولو كان هنا طبقة -من سياسيين ورجال دين- عينته وحمته وكلفته بمهام جسيمة منذ وصولها لاستلام السلطة في لبنان مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وبحسب المادة 19 من قانون النقد والتسليف يمكن إقالة حاكم مصرف لبنان بسبب العجز الصحي المثبت بحسب الاصول او بسبب الاخلال بالواجبات الوظيفية او لارتكابه خطأ فادحا في قيامه بأعماله، (وأيضا يمكن لحاكم مصرف لبنان ان يقدم استقالته تلقائيا أيضا ليترك منصبه بحسب ما حددت المادة المذكورة)، وبالحقيقة ان مجرد وصول الاوضاع في لبنان الى ما وصلت عليه من الانهيار الاقتصادي والمالي وتدني قيمة العملة الوطنية هو من القرائن الواضحة على فشل رياض سلامة من القيام بواجباته وارتكابه الأخطاء الجسام في عمله.

ومع كل ذلك يمكن الاشارة الى العديد من المسائل التي تؤكد دور سلامة في الانهيار الحاصل في لبنان، من بينها:

-الإصرار على تثبيت سعر صرف الليرة وما كلف ذلك الخزينة اللبنانية من خسائر فادحة، بينما كان بالامكان القيام بخطوات تساهم بحفظ قيمة العملة والانتقال الى الاقتصاد المنتج بدل الاعتماد بشكل كلي على قطاع الخدمات وتدعيم المؤسسات المصرفية التابعة للمنظومة المسيطرة والجهات التي عينت ودعمت سلامة.

-قيام سلامة بهندسات مالية بهدف سحب أموال الناس وبالتحديد الدولارت ورفع قيمة الفوائد بالليرة اللبنانية بشكل كبير للاستيلاء على الودائع وتحقيق أرباح خيالية للمصارف على حساب المالية العامة.

-تعمد سلامة عدم اتخاذ اجراءات كفيلة بضبط الاوضاع منذ خريف العام 2019 وصولا الى اليوم، ما أدى الى سحب كثير من السياسيين والمودعين التابعين لهم، اموالهم وتهريبها الى خارج لبنان، وتذرع حاكم المصرف المركزي بعدم قدرته على فعل شيء في ظل غياب أي قانون يسمح له بذلك صراحة، مع العلم انه في الفترات اللاحقة اتخذ بالتعاون مع جمعية المصارف، العديد من الخطوات التي ضيقت على ناس ومنعتها من الاستفادة من ودائعها حتى ولو كانت بالليرة اللبنانية.

-وعد سلامة بشكل متكرر بإطلاق منصة للصيرفة وتحديد سعر صرف الدولار كي لا يتم التلاعب به في السوق السوداء، ومع ذلك ماطل بشكل كبير قبل ان يطلقها بسعر 12000 ليرة للدولار الواحد، ما أدى الى انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار وزيادة التلاعب بقيمة العملة الوطنية.

وقد تداولت بعض المصادر معلومات عن ان المجلس المركزي لمصرف لبنان سيبحث في إمكانية الدفع للمودعين شهريا مبلغ وقدره 400 دولار أميركي (دولار كاش)، و400 دولار على سعر الصرف بحسب المنصة التي أطلقها رياض سلامة أي على 12000 ليرة لكل دولار، والمجلس المركزي(بتألف من الحاكم ونوابه بالاضافة الى مدير عام وزارة المالية ومدير عام وزارة الاقتصاد) ويبحث بالسياسات النقدية والمالية والامور المتعلقة بالمصارف.

هذا وستتوقف المصارف عن العمل بقرار مجلس شورى الدولة الذي أبطل سعر الصرف على أساس الـ3900 ليرة للدولار الواحد، وذلك بعد ان حصل "تخريجة" للموضوع باجتماع عُقد في بعبدا بحضور سلامة وبرئاسة الرئيس ميشال عون، حيث اعتبر أن قرار مجلس الشورى لم يبلغ الى المصرف المركزي(علما ان شورى الدولة أصدر قرارا بإبطال إعطاء المودعين دولاراتهم على أساس الـ3900 بل يجب دفعها لهم بالدولار).

-يمتنع او يتأخر حاكم مصرف لبنان عن إصدار الاعتمادات المطلوبة لاستيراد بعض السلع الاساسية وفي مقدمتها الادوية والمستلزمات الطبية وحليب الاطفال.. والمحروقات وغيرها من السلع، ما أدى الى انقطاع العديد من هذه المواد من السوق او شحها بشكل كبير، هذا الأداء يسمح بالتلاعب بسعر السلع ما يعني فعليا ارتفاع الدعم تدريجيا او بصورة واقعية عن هذه المواد في حركة استباقية لما تخطط له حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب لاطلاق البطاقة التمويلية للاسر الاكثر فقرا، ما يعني زيادة الازمة والإمعان بإفقار الناس.

-كما يسجل على مصرف لبنان الذي يديره سلامة بصلاحياته الواسعة، الكثير من التجاوزات والممارسات المريبة، منها على سبيل المثال إعطاء قروض مدعومة لسياسيين وقضاة، غياب الشفافية والوضوح في عمله وما يؤكد ذلك عدم تقديمه الارقام المطلوبة للتدقيق الجنائي الذي أقره مجلس النواب اللبناني، عدم تطبيق قانون الدولار الطالبي او الضغط على المصارف لتنفيذه بتحويل الدولار الاميركي للطلاب في الخارج من حسابات عائلاتهم، التزامه الكامل بالتعليمات الاميركية لجهة الحسابات التي كان يُطلب منه إغلاقها وكشف سريتها وصولا الى دوره في تصفية واغلاق بعض المصارف اللبنانية(البنك اللبناني الكندي في العام 2013 وبنك الجمال في العام 2019) بناء لرغبات الجهات المالية والامنية في الولايات المتحدة.

كل ذلك أوصل لبنان الى مرحلة وصفها البنك الدولي في تقرير له مؤخرا انه "يعيش إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية.. وان لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر.."، وأشار التقرير الى أن "استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات على صعيد السياسات العامة كانت غير كافية إلى حد كبير.. في مقابل وجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس، أفاد أعدادا قليلة لفترة طويلة".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور