الإثنين 12 أيلول , 2022 01:39

أحداث 11 أيلول وأزمة السردية الأميركية

11 أيلول

في الوقت الذي اصطدمت فيه الطائرات بمركز التجارة العالمي في نيويورك، كان الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، في مدرسة بولاية فلوريدا، يجلس بين الأطفال ويراقب العملية التعليمية عن كثب، قبل ان ينحني نحوه، رئيس موظفي البيت الأبيض، أندرو هيل كارد، ويهمس له بأن هجوماً عنيفاً قد حدث. وقتها، غادر بوش على وجه السرعة دون تقديم أي تعليق. واليوم، بعد 21 عاماً على الأحداث، لا أجوبة قدمت للأطفال الذين أضحوا في عداد الناخبين، ولا رواية موحدة تُدرّس في المدارس والجامعات عما جرى في ذلك اليوم الذي انعكس على "الأمة الأميركية" والعالم.

بحسب استطلاع للرأي أجري أخيراً، فإن ما يقارب 54 مليون طفل أميركي قد ولدوا منذ ذلك اليوم، يتوزعون على 131 ألف مدرسة. وفي ظل الاعتماد على نظام تعليم لامركزي فإن كل من هؤلاء الأطفال يتلقى سردية خاصة بما يتعلق بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.

ويقول الاستطلاع الذي أجري على 1047 معلماً ان أغلب أساتذة التاريخ في تلك المدارس، يذهبون نحو سرد أحداث ما جرى فقط، كسرد قصصي من دون خلفية، او كحدث تذكاري لا غير.

ويبيّن الاستطلاع الذي رصد مواد التاريخ والدراسات الاجتماعية، ان المدارس في 9 ولايات تقدّم الاحداث على أنها "أتت في سياق الحرب على الإرهاب" بينما تتجاهل 16 ولاية الأحداث نهائياً ولا تتطرق إليها.

تجتهد كل ولاية على حدا في تفكيك هذه المعضلة والتعامل معها. فلا توجد "ذاكرة جماعية وشخصية" أميركية لما جرى. والأكثر سوءاً، ان ذلك لا ينحصر بالمؤسسة التعليمية، بل بمسؤولي البيت الأبيض أيضاً. فبعد ان غرق نائب الرئيس، ديك تشيني في "عقدة الانتقام" -وكان من أبرز الوجوه المتشددة والمتحمسة لشن الحروب- وشجع مع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الرئيس بوش للتصعيد، حمل باراك أوباما الإرث "الثقيل" ووجد نفسه متخبطاً بين أمرين: قرارات سلفه التي نفت شرعيتها الأدلة، والمضي لتحقيق نصر ما في وجه التنظيمات الإرهابية التي غزت العراق.

في حين وجد دونالد ترامب ان الالتفات إلى الداخل، وإثارة الكراهية ضد "المسلمين" أكثر جدوى من العبث في الخارج وهدر الأموال، وهو ما أعطاه رصيداً انتخابياً جيداً، إلى حين دخول أنصاره إلى مبنى الكونغرس، لتجد واشنطن نفسها انها قد بدأت تدفع ثمن ما جرى قبل 20 عاماً.

بعد خريطة التموضعات الجديدة التي افرزتها التغيرات الدولية الأخيرة، بات رؤساء "أحداث 11 أيلول" بالإضافة لمساعديهم ومختلف الحلقات السياسية والاستخباراتية المحيطة بهم، كمَن ينظر إلى المشهد من عل. وعلى الرغم من ان جلّهم كان قد صرّح سابقاً عن حجم القرارات الخاطئة التي اتخذت، إلا انه مما لا شك فيه، ان ما يحكى في الغرف المغلقة أكثر خطورة.

في تمام الساعة 08:36 بتوقيت نيويورك، كان مصور وكالة أسوشيتد برس، دوغ ميلز، يصوّب كاميرته على وجه بوش، راصداً تعابير وجهه التي امتزجت ما بين الصدمة والذهول، حتى أصبح أحمراً لا يمكن تفسيره، بعد ان أخبره، كارد بالاستهداف. وربّ قائل ان وجوه مَن يقيّمون اليوم، ما أسفرت عنه العمليات العسكرية في الخارج، ومدى انعكاساتها العميقة على بنية المجتمع الأميركي، لن تكون أحسن حالاً من تعابير وجه بوش.


الكاتب: مريم السبلاني




روزنامة المحور