الأربعاء 03 آب , 2022 09:51

دمج جيش الاحتلال بالقيادة الوسطى ليس عبثياً!

جنود الاحتلال في تدريب مشترك مع الجيش الاميركي

قبيل زيارة بايدن إلي الشرق الأوسط وأثناء الزيارة برز، عنوان مهم من ضمن أهدافها، وقد أثير نقاش طويل حولها، وهي مسألة الناتو الشرق أوسطي، أو خطة دمج (الكيان المؤقت) عسكرياً وأمنياً في المنطقة استكمالاً لخطوات التطبيع واتفاقات أبرهام الاقتصادية، وبين تلك المعطيات ظهر نقاش متعدد المشارب عن إمكانية تحقيق هذا التعاون من عدمه في المستقبل، وهل هو فقاعة غير قابلة للتحقيق، تأتي نتيجة ضغط اللحظة، ومما لا شك فيه فإن تحقيق مشروع من هذا النوع لا ينضج بزيارة واحدة، وكذلك لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بالنفي أو الاثبات بقدر الإلمام بتحركات الاحتلال ورؤيته لهذا الملف، وفي هذه المقالة سنقف على أرقام وحقائق تم تداولها في الفترة الأخيرة حول اتفاقيات ثنائية مع بعض القوى الإقليمية بشأن التعاون الأمني والعسكري المشترك، ويبرز العنوان الأكبر فيها التعاون في المجال الجوي، كأحد الخطوات الأولى الفاعلة.

أولاً: الإمارات: وقّعت مجموعة التكنولوجيا المتقدمة في قطاع الدفاع بالإمارات (إيدج)، مذكرة تفاهم مع شركة الصناعات الجوية للكيان، وذلك لتطوير الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وبناء نظام متقدم للدفاع ضد الطائرات من دون طيار، وكذلك زيارات رسمية مكوكية بصحبة سبع شركات أمنية وعسكرية وسيبرانية إسرائيلية، وذلك لتعزيز الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وتصميم وتصنيع سفن غير مأهولة قادرة على تنفيذ هجمات مضادة للغواصات من فئة "إم-170"مع تواتر أنباء عن قيام إسرائيل بنصب منظومات رادار في الإمارات لاعتراض أيّ هجمات تنطلق من إيران، والفضاء. هذا المستوى من التعاون يعطى مؤشرات مهمة عن طبيعة حراك الكيان ويعزز فرضية المسارات الهادئة والمستمرة التي يعمل على تحقيقها.

ثانياً: دولة المغرب: وقع كل من الكيان والمغرب اتفاقيات تعاون أمني وعسكري في مجالات متعددة، وصفت بغير المسبوقة، "خلق قنوات رسمية بين الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للبلدين"، ووضع أرضية للتعاون الصناعي والتقني، وتبادل الزيارات والتدريبات العسكرية المشتركة، وهذا النشاط تطور بعدها مرات متعددة وهو مستمر كذلك في الانضاج وصولاً للهدف الذي يرجوه الاحتلال.

(الكيان المؤقت) والقيادة الوسطى: في أعقاب اتفاقات إبراهام التي أدّت إلى تطبيع علاقات "إسرائيل" مع الإمارات والبحرين، كثّفت الجماعات الموالية للكيان من مساعي ضمه لقيادة المنطقة الوسطى، لتتولى القيادة مسؤولية العمليات العسكرية والتخطيط له لتحقيق تعاون أكبر مع جيرانه العرب. هناك من يقول إن الاتفاقات تأتي في سياق محاولة أمريكية لاحتواء سلوك الكيان خاصة بعد التهديدات المستمرة بشأن الموقف من المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية والغرب. وبعيداً عن وجهة النظر الأمريكية وما هو سياقها يجب فحص رواية الكيان وطبيعة موقفه من القضايا، وتطويع رأس السلطة الأمريكي لتحقيق برامجه أكبر من ذلك. وهو ما يزيد التحقق من الجدوى أمام القدرة التي يعمل عليها الاحتلال في تطويع النظام لتحقيق برامجه وأهدافه.

تحديات الكيان المؤقت والمنافسة الإقليمية: تبقى مجموعة من العقبات والتحديات في تحقيق خطوات من هذا النوع، موقف قوى عربية رسمية مثل جمهورية مصر العربية، التي تنظر بقلق إلي مصالحها الحيوية من وجود الكيان كقوة عسكرية متقدمة ومتفوقة في الشرق الأوسط ضمن الدفاع المشترك، والتي تنظر له كتحدي أمام نشوء أي تعاون بيني عربي وهي بعيدة عنه، فكيف (بالكيان المؤقت) خاصة في سياق يعبر عن حالة تراجع الدور الإقليمي لمصر إلا أنه الكيان الأبرز عربياً من حيث مفهوم الدولة والقرار والسيادة، وكذلك قوى مركزية في المنطقة منها تركيا أيضاً كدولة ذات سيادة وقرار مستقل، علاوة على تداخل المصالح بينها وبين إيران، بالإضافة لحجم الثقة التي يمكن النظر له بعين القلق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فبين التعهدات التاريخية التي تقدمها الأخيرة للاحتلال عبر تاريخها، إلا أنها تدرك المنهجية التي يعمل عليها الاحتلال بالسباحة بعيداً عن الاستراتيجية الأمريكية، خلال الفترة الماضية خاصة مع روسيا والصين، وشاهدنا المواقف المضطربة تجاه عديد من الملفات، والذي يحسب فيه المشهد في ظل اختلال موازين القوى للأقطاب الدولية، وهذا ما تنظر له أمريكا بعين الريبة، فهي تعمل معه بين الاحتواء والتمكين، لكن الحذر حاضر بالنسبة للأخيرة.

موجة التطبيع المستمرة: محاولة الاحتلال العمل أن يكون مركز القوة الشرق أوسطية بفرض نفسه أميناً على المصالح الحيوية للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ضمن نظريته القائمة على التفوق الأمني والعسكري وهو أحد محركات معاركه السياسية والأمنية والعسكرية في الفترة الماضية لا سيما مع إيران وحلفائها، بمنع التوصل الى الاتفاق النووي من خلال الضغط على أمريكا والأطراف، أو من خلال الاستهدافات السيبرانية لأجهزة الطرد المركزي أو اغتيال العلماء النوويين الايرانيين، أو من خلال الحروب غير التقليدية، بالإضافة لضبط برنامج التطبيع في إطار ضاغط غير تقليدي سواء من خلال إعلان علاقات تحت الطاولة، أو تعميق الاتفاقات والتعاون مع دول أخرى، ضمن نظام إقليمي يسمح لها بالاتساع والانتشار عبر الأدوات الإقليمية.

الخلاصة:

كل المؤشرات السابقة تضعنا بطبيعة التحولات التي يعمل الاحتلال عليها، ضمن مسارات مستمرة في انضاج الملفات حيث يسير بخطوات هادئة مستمرة منها ما أخذ عشرات السنين ومنها ما هو أكثر من ذلك، فلم يكن ملف التطبيع حاضراً في الذهن العربي بالطريقة التي كان ينظر لها الاحتلال، ولكنه أخذ وقتاً كبيراً في إنضاج ملف من هذا النوع، وهو ما يعمل عليه في الفترة الحالية استكمالاً لمشروع إقليمي كبير تحت عنوان استهلك سابقاً (الشرق الأوسط الجديد)، ومن ضمن تلك الأنشطة الملف العسكري والأمني، والذي ذكرنا بعض بنوده، فلم يكن عبثاً إلحاق الاحتلال في القيادة الوسطى الأمريكية، ضمن منظومة الحماية والدفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وهنا تبقى إرادة الكيان المؤقت مقابل إرادات أخرى عنصراً حاسماً ومهماً في تحقيق هذا الطموح أو منعه ضمن رؤية واضحة.


المصدر: باحث متخصص بالشؤون الإقليمية والدولية

الكاتب: د. خالد هنية




روزنامة المحور