السبت 23 تموز , 2022 12:20

تركيا وأعضاء منتدى غاز الشرق المتوسط: صراع الغاز مستمر

اردوغان

تأسس منتدى غاز الشرق المتوسط (EMGF) في كانون الثاني/ يناير 2019 في القاهرة، بمشاركة مصر، الأردن، قبرص، اليونان، ايطاليا، فلسطين، الكيان الاسرائيلي والإمارات بالإضافة الى فرنسا التي قدّمت طلبًا بالانضمام، الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي اللذين حضرا المنتدى بصفة "مراقب دولي". وبحسب البيان الصحفي للمنتدى، يهدف الأخير الى العمل على إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.  وفي هذا السياق، اتفق المنتدى على أن تكون مصر المركز المحوري ونقطة انطلاق لتصدير غاز منطقة شرق المتوسط.  وبالرغم من أن هذا المنتدى جمع أكبر الدول المنتجة والمستهلكة والمستثمرة في غاز الشرق المتوسط إلّا أنه استثنى تركيا التي استهلكت 62 مليار متر مكعب من الغاز خلال عام 2021 والتي استوردت أكبر كمية غاز من مصر خلال الربع الأول من عام 2022 حيث بلغت قيمة صادرات مصر لها 917.2 مليون دولار، مما يجعلها من أكبر دول العالم استيرادًا واستهلاكًا للغاز في منطقة غرب آسيا.

أين هي رقعة الصراع؟

بعد استبعاد تركيا من منتدى غاز الشرق المتوسط واحتدام التوترات بين تركيا واليونان وقبرص الرومية ومصر، والتي كانت من مظاهرها إرسال تركيا سفناً للاستكشاف والتنقيب في مناطق متنازع عليها مع اليونان وقبرص، أصبحت منطقة غرب آسيا رقعة صراع واسعة، سنحاول تفنيدها في السطور التالية:

الى جانب الصراع التاريخي الذي يقوّد تطور العلاقات التركية اليونانية، ظهر تطوران جيوسياسيان لعبا دورًا أساسيًا في تفاقم الصراع بين تركيا وبين دول أعضاء منتدى غاز الشرق المتوسط، هما: استكشاف الطاقة والاتفاق الليبي التركي.

استكشاف الطاقة

أدت اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق البحر المتوسط، إلى زيادة طموح تركيا للتنقيب عن الغاز، لأن الطاقة هي المصدر الرئيسي لعجز ميزانية الدولة التركية، حيث سجلّت فاتورة واردات تركيا من الطاقة 55 مليار دولار خلال عام 2021، وبلغ إجمالي عجز الميزانية التركية 220 مليار دولار، وفقًا لبيانات من معهد الإحصاء التركي والبنك المركزي. من خلال التنقيب عن الغاز، تأمل تركيا في معالجة مشاكلها الاقتصادية المزمنة. تحقيقًا لهذه الغاية، ضاعفت تركيا من أنشطتها في التنقيب عن الطاقة في كل من شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، الأمر الذي اعتبره أعضاء منتدى غاز الشرق المتوسط استفزازًا لهم وتعدّي على حقوقهم البحرية. بالإضافة الى ذلك، ترمي استراتيجية تركيا إلى تحقيق طموحها بأن تكون معبر "ترانزيت" للغاز الطبيعي إلى أوروبا استناداً إلى موقعها الجغرافي بين الدول الأوروبية وبين آسيا الوسطى ودول القوقاز والشرق الأوسط، أي نقل الغاز من مصادر عدّة إلى السوق الأوروبية. وقد بدأت العمل على ذلك من خلال إنشاء خطَّي "تاب" و"تاناب" عام 2019 لنقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا (عبر خط تاناب) ثم إلى السوق الأوروبية (عبر خط تاب). الأمر الذي وصفه أردوغان بـ"مشروع سلام إقليمي". وتصل القدرة الاستيعابية لهذين الخطين إلى 16 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وفي تصريح لفاتح دونماز وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي في شباط/ فبراير 2022 يقول أن بلاده تدعم زيادة سعة خط أنابيب "تاناب" وأضاف: "أثناء تصميم خط الأنابيب تم التخطيط لرفع السعة السنوية إلى 31 مليار متر مكعب وفقاً للعرض والطلب مستقبلاً. ربما سنرى معاً أن خط الأنابيب سيصل إلى السعة التي صُمم من أجله دون انتظار وقت طويل. ندعم زيادة السعة".

ويأتي هذا المطلب من أجل طرح تركيا نفسها كبديل عن الغاز الروسي على خلفية تداعيات الحرب الأوكرانية ولتكون بوابة الطاقة أمام الدول الأوروبية.  وبالرغم من الطموحات التركية في مجال الطاقة الا أنه تم تهميشها من قبل أعضاء منتدى غاز الشرق المتوسط وقاموا بدعم انشاء مشروع "إيست ميد" وهو أطول أنبوب نقل الغاز في العالم، انطلاقاً من سواحل الأراضي المحتلة، مروراً بقبرص واليونان، ووصولاً إلى شبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا. الأمر الذي فاقم حدّة التوترات بين تركيا وأعضاء المنتدى والولايات المتحدة التي دعمت هذا المشروع في 2020، بمباركة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في 26 كانون الثاني 2022 إنهاء العمل بمشروع "إيست ميد" متذرعةً بالأسباب البيئية، لكنْ تزامن هذا الموقف مع قرار إسرائيلي بإيقاف التنقيب عن الغاز لفترة محدودة، إضافةً إلى ما ذكره بيان السفارة الأميركية، بأنَّ المشروع "بات مصدراً رئيسياً للتوتر وزعزعة استقرار المنطقة".  وردًّا على هذا القرار صرّح أردوغان أن " مثل هذه المشاريع لا يمكن أن تنجح بمعزل عن تركيا، عملية نقل الغاز الطبيعي من هذه المنطقة إلى أوروبا، لا يتم إلا عبر تركيا".

يبدو أن هذه الخطوة الأميركية كانت دفعة في رصيد أنقرة، إذ كان لافتاً عدم إبدائها أيّ رد فعل على عودة شركة "إكسون موبيل" الأميركيَّة إلى أعمال الحفر في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة، وهو ما كانت أنقرة تعارضه سابقاً، وتقف ضدّه بحزم. 

الاتفاق الليبي التركي

وقعت تركيا مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في نوفمبر 2019: تعيين حدود مناطق الاختصاص البحري في البحر الأبيض المتوسط واتفاقية التعاون الأمني والعسكري. حددت الاتفاقية الأولى الحدود البحرية لتركيا مع ليبيا، مع الإنشاء الثنائي لمنطقة اقتصادية خالصة تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا على البحر المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا من خلال تجاهل الجزر اليونانية الرئيسية مثل جزيرة كريت ورودس، فأصبح هذا التجاهل محل نزاع شديد بين اليونان وتركيا. ولم تؤد هذه الخطوة إلى زيادة التوتر بين تركيا واليونان فحسب، بل مهدت الطريق أيضًا لليونان لتوقيع اتفاق مماثل مع مصر في أغسطس 2020 لتحديد السلطات البحرية لكل منهما، حيث تجاهلت حقوق تركيا مثلما فعلت الاتفاقية الليبية التركية.

بالإضافة إلى ذلك، وضع الإتفاق الليبي التركي تركيا في مواجهة الإمارات ومصر وفرنسا، حيث قررت الإمارات واليونان ومصر وقبرص الرومية (أعضاء المنتدى) بإجراء مناورات عسكرية في جزيرة كريت وبحر ايجه، في حين كانت التوترات التركية اليونانية عالية، فضلًا عن تعبير الامارات عن دعم موقف اليونان في شرق البحر المتوسط. وفي الوقت نفسه، دفعت كلٌّ من مصر والسعودية والامارات قوات حفتر في شنّ سلسلة من الهجومات على حكومة الوفاق الليبية المدعومة تركيًّا. كما قامت الإمارات بعقد استثمارات مشتركة مع اليونان في مجال الطاقة بقيمة أربعة مليارات يورو، 4.2 مليار دولار. وبالمثل، نظرًا لأن تركيا وفرنسا تدعمان الأطراف المتنافسة في ليبيا، فقد أدى الاتفاق الليبي التركي إلى تأجيج التوترات بينهما بشكل كبير، مما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة في شرق البحر المتوسط. أصبحت فرنسا القوة الأوروبية الأكثر صوتًا التي تدعم الموقف القبرصي اليوناني، وأقدمت على إجراء تدريبات عسكرية مع اليونان وإرسال حاملة الطائرات شارل ديغول التي تعمل بالطاقة النووية إلى شرق البحر المتوسط.

ترتبط المنافسة بين فرنسا وتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ارتباطًا وثيقًا بمنافستهما في ليبيا حيث وفر شرق البحر المتوسط لفرنسا وسيلة أكثر شعبية للتعبير عن معارضتها واستيائها من السياسة الخارجية لتركيا، والتي تتعارض مع تطلعات فرنسا الجيوسياسية في العديد من السياقات المختلفة. كذلك توترت العلاقات المصرية التركية بسبب تدخل تركيا في شرق ليبيا التي تعد منطقة نفوذ مصري حيث أقدمت مصر على التصويت على خط أنبوب الكيان-قبرص-اليونان من أجل استفزاز تركيا والردّ على أعمالها التوسيعية في ليبيا.

العلاقات التركية الإسرائيلية

ادّى توتر العلاقات بين تركيا والإمارات ومصر وفرنسا واليونان وقبرص الرومية بخصوص غاز الشرق المتوسط، ونشوب الحرب في أوكرانيا التي زادت حدّة المشكلة الإقتصادية التركية الى لجوء الطرفان التركي والاسرائيلي الى التقارب بما أن تجمعها مصالح مشتركة، وهو الأمر الذي كان أحد الملامح الرئيسة التي حملتها زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوج إلى أنقرة في اذار/مارس 2022. وبناءًا على تصريح أردوغان بأن التعاون على مستوى الغاز والطاقة هو دافع أساسي وراء تحسين علاقات بلاده مع كيان الاحتلال، يمكن القول أن تركيا تحاول بتأمين احتياجاتها من الطاقة وتخفيف اعتمادها على الغاز الروسي من خلال التعاون مع الكيان ولكن هناك عوائق كثيرة تمنع تحقيق ذلك، فبحسب الخبراء فإن المسائل اللوجيستية لتوريد الغاز الاسرائيلي معقدة وباهظة التكاليف، كما أن هذا الطموح سيضر بمصالح الكيان مع قبرص الرومية واليونان والاتحاد الأوروبي الأمر الذي لن يسمح به الكيان. كذلك دول أعضاء منتدى لن تقبل بهذا الطرح لأنها ستعارض مصالحها.

أصبح ضمان الحصول على موارد الطاقة المتعلقة بالغاز هدفًا محوريًا في السياسة الخارجية التركية، لذلك اعتمدت تركيا نهجًا جديدًا في التعامل مع هذا الملف مستفيدةً من مفهوم قوة الطاقة الذي رسم ملامحه مايكل تي كلير دكتور في دراسات السلام والأمن العالمي بأنه "استغلال لمزايا دولة ما في إنتاج الطاقة والتكنولوجيا لتعزيز مصالحها العالمية وتقويض مصالح منافسيها"، لذلك تفاوضت تركيا مع أكبر مصدرين للغاز روسيا وايران، وكان اللقاء الأخير بين أردوغان وبوتين والسيد علي الخامنئي في تموز 2022 من أبرز ظواهر تحقيق هذا الأمر.  وفي الوقت الحالي، لا تزود منطقة شرق المتوسط أنقرة بالغاز الطبيعي، باستثناء صفقات السوق الفورية بين الحين والآخر مع مصر. ومع ذلك، تتجلى هذه المسألة بوصفها نقطة حاسمة على جدول أعمال السياسة الخارجية التركية، طالما أن أنقرة لا تنظر إلى المنطقة من منظور أمن الطاقة فحسب، بل أيضًا من خلال صراعها الطويل الأمد مع قبرص واليونان وفي السياق الأوسع للمنافسة الإقليمية الكبرى على السلطة ومفاتيح شرق المتوسط. وأخيرًا، إن إقصاء تركيا من عضوية منتدى غاز شرق المتوسط وتشكيل أعضاءه "تحالف إقليمي"، فيزيد ذلك من رغبة تركيا الانضمام الى المحور الايراني – الروسي في ما يتعلق بأمن الغاز.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور