الخميس 22 نيسان , 2021 04:51

العلاقة الروسية التركية في مقياس المصالح

شكل انهيار الاتحاد السوفياتي وتكّون روسيا الجديدة فرصة لخلق فضاء جديد من العلاقات بين روسيا وتركيا وعلى الرغم من أنّ هذه العلاقة غير جيّدة تاريخياً، فضلاً عن التوتر الذي حصل بين البلدين في التسعينيات فإن المستوى العالي من التعاون بين الطرفين على مدى الأعوام القليلة الماضية يظهر أن أنقرة وموسكو حاولتا نسيان الحالة العدائية السابقة.

 وبناء عليه ازداد التنسيق السياسي والتجاري بين البلدين بشكل لافت، وفي غضون ذلك فشلت حتى بعض الاشتباكات المحدودة مثل إسقاط طائرة مقاتلة روسية في سوريا، أو اغتيال السفير الروسي لدى تركيا في تقويض العلاقات بين البلدين لفترة طويلة. وهنا يطرح السؤال التالي: "هل دخلت العلاقات الروسية التركية عصر التقارب الذي يمكن من خلاله للطرفين التغلب على التناقضات، أم أنه لا تزال هناك نقاط عالقة قد تشعل صراعا في أية لحظة؟

إنّ تشكيل نموذج للتعاون بين روسيا وتركيا ممكن لأن البلدين يهتمان بتطوير علاقاتهما، فقد زاد حجم التبادل التجاري مع أنقرة من أهمية تلك الأخيرة بالنّسبة لموسكو بشكل كبير، ونظراً لموقع تركيا الحالي في غرب آسيا، فإن تطوير الصداقة مع أنقرة يشكل ميزة في الشرق الأوسط بالنسبة لموسكو؛ ومن وجهة النظر الروسية، فإن الموقع الجيوسياسي الخاص لتركيا، هو الطريقة الأقرب لروسيا للوصول إلى المياه الدافئة، لكنّه لطالما كان دائماً مصدر قلق لها العبور عبر تركيا.

وفي المقابل من وجهة نظر تركيا، فإن روسيا بلد يتمتع بقوة عسكرية وجاذبية اقتصادية، لا سيما في قطاع الطاقة، وله عضوية في مجلس الأمن وتأثير كبير على التطورات العالمية. وتدرك تركيا جيداً أنه مع إغلاق مضيق البحر الأسود وحقيقة أن بعض خطوط أنابيب الطاقة في بحر قزوين على الأقل سوف تمر عبر روسيا، فإنها كانت دائماً تخفف من سياساتها تجاه روسيا ولا تزال تأخذ الأهمية الجيوسياسية لروسيا على محمل الجد.

ومن جهة أخرى تبذل أوروبا والولايات المتحدة جهدًا كبيرًا لمنع التعاون التركي الروسي لأن تشكيل أي تحالف بينهما يمكن أن يخلق العديد من التحديات للغرب، ولاسيّما في المناطق الجيوسياسية.

وهكذا، في الظروف الطبيعية، تتاح لروسيا وتركيا الفرصة لخلق نموذج للتعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي، بيد أن الحالة السائدة في العلاقات بين الجانبين ليست طبيعية جدا لسببين على الأقل:

_ يتعلق السبب الأول بالخلافات الإقليمية بين البلدين؛ حيث تختلف كل من روسيا وتركيا حول القضايا والصراعات الإقليمية الهامة جميعها تقريبًا فى المناطق المحيطة. فمن أهم الأمثلة على الخلافات: النزاع في ناغورني _ كاراباخ في القوقاز، والأزمة السورية في غرب آسيا، والأزمة الليبية في شمال أفريقيا. فضلاً عن ذلك، لطالما عارضت تركيا سعي روسيا إلى السيطرة في المنطقة. ففي عام 2008 -على سبيل المثال- عارضت تركيّا الغزو الروسي لجورجيا، وفي عام 2014، في أزمة أوكرانيا، اتهمت تركيّا روسيا بالتوسع الإقليمي. ومن ناحية أخرى، ومن وجهة النظر الروسية، كانت سياسات تركيا في سوريا وليبيا متدخّلة إلى حد كبير، وفي البحر الأسود والبلقان، كانت هناك دائمًا تناقضات عميقة بين تركيا وروسيا.

_ السبب الثاني هو أن العامل الدولي أو الغربي كان له دائماً تأثير على العلاقات الروسية - التركية. وهذا يعني أن العلاقات بين البلدين، عبر التاريخ وفي الفترة الحالية على حد سواء، كانت علاقة ثلاثية اضطلعت فيها الجهة الدولية أو الغربية بدور مهم جداً.

وفي النتيجة نرى انه كلما تحركت السياسة الخارجية التركية نحو الغرب، ظهرت توترات سياسية وأمنية مع روسيا، والعكس صحيح، فكلما تحولت السياسة التركية إلى الشرق، تحسنت العلاقات بين موسكو وأنقرة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور