الخميس 26 أيار , 2022 04:43

هل جر الصين نحو حرب في تايوان لصرف الانتباه عن أوكرانيا؟

البحرية الصينية

يبدو أن التوتر الصيني الأميركي قد وصل مرحلة ما قبل الأوج! ففي حين اعتبر المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، تجو فينغليان، يوم الإثنين في 23/5، أن "​الولايات المتحدة​ تلعب بالنار في ملف تايوان"، وهي تستخدم ورقة تايوان لاحتواء الصين وستحترق بنفسها. وذلك رداً على كلام الرئيس الأميركي جو بايدن بأن "بلاده مستعدة للدفاع عن الجزيرة عسكرياً في وجه أي غزو صيني"، فيما حذّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون، من أن إجمالي صفقات الأسلحة الأميركية لتايوان قد تجاوزت مبلغ 70 مليار دولار، مؤكّداً أن بلاده لن تسمح لأي دولة من دول العالم بالتدخل في سياستها الداخلية، بما في ذلك قضية تايوان.

اذاً محاولات الولايات المتحدة إلهاء الصين بحرب في تايوان وتسليح الأخيرة، كما حدث مع روسيا في أوكرانيا تجري على قدم وساق. ولكن التحضيرات الأميركية للحرب في أوكرانيا وبعد ثلاثة أشهر ومحاولة التفريق بين الصين وروسيا لم تأت أُكُلها. لذلك يحاول الأميركيون الاستفادة من أخطائهم في أوكرانيا لجر الصين نحو حرب تلهيها في تايوان. ولكن السؤال، هل جر الصين نحو حرب في تايوان مرتبط بجذب الإنتباه عن أوكرانيا ومما يمكن أن يحدث فيها؟ أو هو صراع مزدوج يكون رافعة لأميركا لتعود قوة عظمى في العالم؟ بالتأكيد لن تكون المرة الأولى التي يقوم بها النظام العالمي الإمبريالي العالمي بجذب الإنتباه عن منطقة صراع إلى اخرى خدمة لمصالحه، وخاصة بعد أن تفوح رائحته النتنة فيها.

وأهم ما يمكن قراءته عن علاقة الحرب على الصين ما بعد الحرب على روسيا، ما أشار اليه توماس فريدمان في مقالة له في صحيفة نيويورك تايمز في أوائل شهر آذار/ مارس الماضي تحت عنوان "إلغاء الأم روسيا يجري على قدم وساق". حيث يتهم فريدمان روسيا بأنها المسؤولة الوحيدة عن الحرب على أوكرانيا، وكأن الغرب بمساعدة حليفهم ذو الجنسية "الإسرائيلية"، فلوديمير زيلنسكي، لم يفعلوا كل ما بوسعهم من أجل تسعير نار الخطر الداهم على روسيا من خلال تسليح أوكرانيا منذ أعوام، ومحاولة ضمها إلى الحلف الأطلسي، ونيته نشر قواته على طول الحدود الأوكرانية مع روسيا، ولم يتبق إلا دخول موسكو.

في مقاله، حمّل فريدمان الصين المسؤولية عن استمرار الحرب على أوكرانيا لأنها لم تعارض العملية الروسية في الدونباس، ولم تقم بفرض عقوبات اقتصادية عليها أسوة بالعالم الغربي وحلفائه. ويقول إن الصين لو قامت بما هو مطلوب منها لما استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإستمرار بالحرب في أوكرانيا. يبدو واضحاً ان ما يكتبه فريدمان في الحقيقة تحريضي، وهو يحاول من خلاله دفع أمريكا نحو اتخاذ مواقف من أجل تأجيج الصراع في العالم لمصالحها، خاصة وأنه كان قد كتب في بداية شهر أيار/ مايو الجاري، حول خطر استمرار الحرب في أوكرانيا على الولايات المتحدة، وخطر التسريبات القائلة بأن أمريكا تزود الأوكرانيين بمعلومات حول المواقع الروسية والضباط الروس وتساعد على تحقيق أهداف ضدهم. وأن هذا النوع من التفاخر هو قمة في الحماقة.

في الحقيقة، أن فريدمان في مقاله الثاني بدا وكأنه يرد على مقاله الأول. فالقضية ليست في الصين وبعلاقتها مع الولايات المتحدة، والتي يبدو أنها ذاهبة نحو التصعيد. فما فعلته الولايات المتحدة من تحريض وترغيب في أوكرانيا لتكون جزءاً من منظومة الأطلسي، تفعله اليوم في تايوان وتستفز بها الصين، التي تعتبر أن قضية تايوان قضية داخلية. تماماً كما تعتبر روسيا قضية الدونباس، قضية تتعلق بمواطنين روس وبأراض اقتطعها بورس يلتسن ليعطيها لأوكرانيا في شرق نهر الدنيير، وهي عبر التاريخ أراض روسية.

والأمر الذي يجب ان يلتفت اليه فريدمان، أن أمريكا وحليفتها أوروبا اليوم كانتا تمران في حالة من الركود الاقتصادي، وأهم اسبابه هو تدخل ترامب الوقح، ودفع بريطانيا نحو الخروج من الإتحاد الأوروبي. وإن كانت الأوضاع عالمياً تسير نحو الركود منذ العام 2014، ولم يستطع ترامب عبر الغاء اتفاقيات العلاقات التجارية مع الصين، والغاء الإتفاق النووي مع إيران، وإدخال العالم في متاهات المقاطعات والعقوبات إخراج أوروبا وأميركا من حالة الركود الإقتصادي والتي استفحلت اليوم مع سوء العلاقة مع معظم دول العالم.

لذلك فإن الصين لن تقوم بخيانة دولة جارة وحليفة، وباتت اليوم شريكة في مشروع حزام وطريق، ودخول الإستثمارات الصينية إلى روسيا، والتي تهدف إلى تطوير طريق بحر الشمال، الذي يعبر المحيط المتجمد الشمالي، والمرافئ فيه والبنى التحتية إليه. وسيسمح ذلك بازدياد حركة الشحن إلى 80 مليون طن حتى العام 2024. كما يتضمن المشروع تطوير خط الغاز الروسي إلى الصين، وهو مشروع متكامل من استخراج الغاز إلى تسييله ومن ثم توريده. أمر غفل فريدمان عن إيضاحه خلال مقاله الاول، مستغلاً بالتأكيد جهل الأميركيين بمثل هذه مشاريع.

وبالتالي لا مصلحة للصين بخنق الإقتصاد الروسي، ولن تقوم بأمر كهذا لصالح عيون الولايات المتحدة، والتي تهدد الصين اليوم بمعاقبتها إذا ما استمرت بالإستفزاز في المحيط الهادي، وخاصة عبر التدريبات التي تجريها تارة مع استراليا وتارة أخرى مع اليابان. وفي تصريحات وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، جواب كامل لما يتعلق بقضية تايوان، اذ جزم بأنه لا يمكن المقارنة بين تايوان وأوكرانيا، فتايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأما قضية أوكرانيا فتنبع أساساً من خلافاتها مع روسيا. وأن إعطاء أوكرانيا الحق بالدفاع عن جزء من أراضيها بينما يمنع هذا الحق عن الصين فيه ازدواجية للمعايير. لذلك، لو أرادت الصين الوقوف إلى جانب الغرب، فإن الموقف الأميركي من قضية تايوان كفيل وحده لدفع الصين للوقوف مع روسيا في أي محفل دولي.

يتضح في البيّن ان الصين لا تستطيع أن تصدق فرضية أن العاطفة من أجل أوكرانيا هي التي تأخذ بيد أوروبا وأميركا من أجل دعم أوكرانيا. ما يريده الغرب هو وقف التطور الروسي ومحاربته وإضعاف روسيا عبر حربها مع أوكرانيا كما فعلت عند احتلال الإتحاد السوفييتي لأفغانستان. وروسيا اليوم لا تمثل أدولف هتلر، ولا تحاول التوسع لتحكم أوروبا، هي أساساً لا تريد ذلك. وقد عبّر بوتين مراراً وتكراراً عن أمله بفتح المجال من أجل تطوير العلاقات الإقتصادية والإجتماعية مع أوروبا، لا سيما أن روسيا هي جزء من النسيج الأوروبي.

في الخامس والعشرين من شهر أيار الجاري، قامت أوروبا بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، وهو أمر لم يكن لا فريدمان ولا الدولة الأميركية، ولا حتى الرئيس الأميركي الذي تناول طعام الغذاء معه منذ يومين، بقادرين على تصور منحى ما سارت إليه الأمور. فبوتين، الذي كان همه النهوض بالبلاد مدعوماً بشعب لديه كل التصميم للعودة ببلده إلى مجدها التاريخي، وغسل عار يلتسن، وفي هذا شهادات مواطنين روس متعددة، قد فعلها، فعند بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كان سعر الدولار مقابل الروبل الروسي يتأرجح ما بين 80- 89 روبل. واليوم بات سعر الدولار مقابل الروبل يتأرجح ما بين 56-60 روبل، هو عامل قياس اقتصادي مهم لصالح روسيا.

وأما انهيار سعر أسهم بنك سبير، الذي تحدث عنه فريدمان، فلا علاقة له بإقتصاد روسيا، التي أعدت العدة تماماً قبل بدء الهجوم على اوكرانيا. بل الأمر له علاقة بتعاطي السوق الغربي مع المصالح الإقتصادية والروسية والعمل على هزيمتها اقتصادياً قبل هزيمتها عسكرياً، وهو أساساً أحد أهم أسباب إشعال فتيل الحرب ما بينها وبين أوكرانيا. وبالتالي فإن استنتاج فريدمان لم يكن بسبب جهل بوتين بأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وإنما سببه الأساس أن فريدمان وما يمثله من نظام أميركي متزمت غير قادر على فهم أن أيام التسعينات من القرن الماضي، حين كانت أمريكا الدولة الوحيدة العظمى، وحين سادت الأحادية القطبية، قد ولّت بلا عودة. وعلى أمريكا أن تعيد حساباتها في العالم حتى لا يجري عليها ما جرى على الإتحاد السوفيتي، وأن العالم قد تغير، ومن لا يرى من طاقة الغربال يكون أعمىً.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 



دول ومناطق


روزنامة المحور