الأربعاء 06 نيسان , 2022 04:02

معركة مكافحة الفساد: من أراد إسقاطها وكيف؟

كتلة الوفاء للمقاومة

كشف حزب الله في معركته ضد الفساد، هدر المال العام للدولة في 14 ملفاً توزعوا بشكل أساسي على المستويين المالي والتنموي، وتوصّل الى تحديد حجم المبالغ المالية الضائعة من الخزينة وتسمية الجهات المسؤولة، بالإضافة الى التقدّم بالإخبار والمستندات لدى القضاء المختص.

في المقابل، تضر هذه المعركة بمصالح بعض القوى السياسية في الداخل ولا تتناسب مع أجندات الخارج المرسومة للبنان، فكيف تمت محاولة عرقلتها؟

محاولات داخلية وخارجية لإسقاط المشروع

الواقع أن المعركة ضد الفساد هي معركة تتسم بالأمد الطويل والنتائج المتأخرة، وليست شبيهة بالمعارك العسكرية التي تحصد نتائجها بتوقيت وزمان معين، وفيها الكثير من التعقيدات حيث الفاسد يفتقر إلى أدنى مستويات الأخلاق. كما أن المعارك والمواجهات الخارجية تقوم مع الأعداء، أما في الداخل فتقوم مع الشركاء، وعليه فإن معركة حزب الله في الداخل تشوبها الكثير من التحديات. وبالتوازي، فإن الإدارة الأمريكية تعرف جيّدًا أن حزب الله، إذا انتصر في معركته ضد الفساد، فقد انتصر في معركة المشروعية على مستوى الوطن بأكمله، مضافاً اليه أن كل وكلاء أمريكا في الداخل هم من الفاسدين. من هنا بدأ المتضررون من الداخل والخارج بالعمل على كافة الجبهات لإسقاط مشروع الحزب بمكافحة الفساد خاصة بعدما نجح في مجموعة من الملفات، واستطاع الضغط من خلال ملفات أخرى على الرغم من كل القيود والعوائق والتحديات داخل المؤسسات الرسمية والقضاء، فبعد رفع شعار "كلن يعني كلن" واللعب على وتره، بدأوا بالتصويب على:

1.  أن حلفاء حزب الله متورطون بقضايا فساد، وقاموا بتحميل الحزب مسؤولية تأمين غطاء لهم.

2.  استهداف مكامن الفساد الموجودة في البيئة الداخلية والبيئة المحيطة بالحزب. مثل اتهام أحد الكوادر في البقاع بملفات فساد، ومسألة القضاة الشرعيين وتحريك ملفات في المجلس الشيعي الأعلى بهدف ضرب المصداقية ونزع صفة العدالة.

3. استخدام الأحداث التي تحصل لتوجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى حزب الله، مثل استغلال انفجار المرفأ لاستدعاء القادة الأمنيين المحسوبين على الحزب وتوريطهم بمحاكمات تشبه المحكمة الدولية.

4.  الحرب الإعلامية على مستوى السياسيين ووسائل الإعلام التي تتهم الحزب بالفساد وأنه من يوصل لبنان إلى الانهيار والمجاعة.

5. تعزيز الحصار الاقتصادي على الحزب وحلفائه في مؤسسات الدولة، واتهامه بالتسبب بحصار لبنان.

6. عرقلة كل الحلول للخروج من نفق الانهيار وتحميل حزب الله مسؤولية الأزمة.

كيف تعامل حزب الله مع القضية

لم يقدم حزب الله نفسه يومًا على أنه فوق المحاسبة، فور إعلانه الحرب على الفساد دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "من لديه أي معطى أو شك بتورط أي مسؤول في حزب الله بفساد، فليقدم لنا الأدلة لأننا مصممون على الحفاظ على نقاء مسيرتنا". وهو بالتالي وعلى الرغم من شهادة القاصي والداني بنظافة كفّه، سواء في الوزارات أو في الملفات النيابية والانتخابية -حتى أن بعض الحلفاء اتهموا قيادة الحزب باعتماد ضوابط مثالية في العديد من القرارات التي تخص الشأن الداخلي- لم يقدّم نفسه بشكل تمايزي وانعزالي بل أكد على محاسبة أي فاسد.

وعلى الرغم من الكمية الهائلة من التحريض والتجييش والتضليل التي يتم بثها في الخطابات السياسية والإعلامية والاستفزازات الأمنية التي كانت تحصل بسببها أو عن سابق تخطيط، إلا أن الحزب كان يعي منذ اليوم الأول حجم المؤامرة وما الذي يراد جرّ البلد إليه، وبقي متمسكًا بمبدئه الأساسي وهو المحاسبة عبر القانون ومؤسسات الدولة.

تحديات التزام حزب الله بمكافحة الفساد

_ تحدي الضوابط الأخلاقية:

 منذ اليوم الأول لوضع الخطة كان ثمة سياسات عامة رسمها مجلس شورى الحزب وتم وضع مجموعة من ضوابط:

_ مكافحة الفساد من خلال القضاء ومؤسسات الدولة.

_ لا تذهب الملفات إلى القضاء إلا مرفقة بالمستندات والدلائل.

_ لا نعالج الملفات بالسجالات السياسية.

_ ليست مهمة الحزب التسمية والتشهير فالتسمية هي مسؤولية القضاء هو الذي يسمي ويحاسب وفق الآليات القانونية.

عندما تضع جهة معينة قادرة وقوية على مختلف المستويات وتملك قاعدة جماهيرية ملتفة حولها وملتصقة بها بحجم القاعدة الشعبية التي يملكها حزب الله، عندما تضع هكذا ضوابط وسياسات مبنية على الأخلاق والمبادئ التي يقوم عليها الحزب، فهذا يرمز إلى أن الحزب يسعى إلى تركيز فكرة أنه حزب يؤمن بمشروع الدولة ومؤسساتها، ويربي جمهوره على هذا المبدأ، وعدم التشهير والتسمية والخوض في سجالات بما هو عكس السائد بين الأطراف المتخاصمة في لبنان، يعكس أن حزب الله لا يهمه تسجيل النقاط والتصويب على خصومه السياسيين حتى لو جاء ذلك على حساب شعبيته ومصالحه. وقد تم استثمار هذه المسألة من قبل الإعلام المعادي من خلال اللعب على وتر طبيعة الجمهور الذي يميل إلى الفضيحة وتبسيط الأشياء، فبدأ العمل على تسخيف هذه السياسات والضوابط. وتجاهل جديتها وفعاليتها، بدلًا من تسليط الضوء والثناء عليها لأنها تأكيد على أن الحزب لا يسعى إلى مكاسب سياسية وشعبوية، ولا حتى يستغلها. وبدأ إغراق السوق بالمطالبة بفضح الأسماء والتشهير بها على أنها الطريقة الوحيدة لمكافحة الفساد وكل ما عدا ذلك هو عجز وفشل، وذلك بهدف إحباط المسار الجديد.

يرى حزب الله أن مقولة "السياسة لا دين لها" هي مقولة غير دقيقة، وحزب الله في ممارسته للسياسة يعتمد على مبدأ "سياستنا عين عبادتنا وعبادتنا عين سياستنا"، وقد قدم الحزب نموذج أخلاقي في السياسة قائم على الالتزام مع الحلفاء والوفاء بالوعود مع الناس والمصداقية، وهو لا يخدم شعبه ليحصل على شعبية، بل يذهب إلى الخدمة لأنه يعتبرها واجبًا شرعيًا، ويوازن في سياسته بين واجباته تجاه الجمهور وبين الشراكة والسلم الأهلي.

_ تحدي محاسبة الفاسدين عبر القانون

منذ اليوم الأول كان حزب الله يعرف جيدًا أن هناك مشاكل كبيرة في القضاء، إلا أن الخطوة الأولى في محاربة الفساد كانت كشف الفساد من خلال مؤسسات الدولة والمتمثلة بالقضاء، وأي طريقة أخرى في المعالجة ليست عبر مؤسسات الدولة هي فساد بعينها، لأنها ستتخطى مؤسسات الدولة والقانون. وكان يجب وضع القضاء أمام مسؤولياته حتى لو كانت أبوابه مغلقة في أغلب الملفات. إلا أن هذا المسار في العلاقة مع القضاء لم يكن وحيدًا، بل عمل الحزب على تقديم مشاريع قوانين لإصلاح القضاء، فبدأ العمل على كشف الثغرات وتقديم المشاريع وهي موجودة الآن بلجنة الإدارة والعدل ويوجد لها لجنة داخل الحزب.

إلى ذلك قدم نواب حزب الله مشاريع قوانين أينما وجد ثغرات، مثل قانون المنافسة، قانون الشراء العام (المناقصات)، اقتراح خفض الانفاق لبعض بنود موازنة 2019، قانون تضارب المصالح، وقانون تعديل هيئة التحقيق الخاصة. ويعتبر الحزب عرّاب قانون رفع الحصانات عن الموظفين والرؤساء والوزراء. وكانت هذه المنهجية هي المنهجية الصحيحة لأي طرف يريد أن يحارب الفساد برأي الحزب. فبدأ العمل من قبل الإعلام المعادي على تسطيح وتسخيف هذا المسار من خلال الاستهزاء بفكرة الملفات والمستندات، وكان يتم التهكم في كل مرة يُتحدث فيها عن الملفات والمستندات، فالتهكم على فكرة الدلائل والإثباتات يعطي انطباعًا بأن هذه المسألة غير مجدية وليست هي الطريقة الصحيحة، مع العلم أن الدلائل والمستندات هي الوحيدة القادرة على إنزال العقوبات بالفاسدين، وعدم وجودها يعني أن كل الجهود لا تتعدى السجالات السياسية، وهو الأمر الذي يحتاجه الفاسدون ويناسبهم الترويج له.

_ تحدي الشركاء والحلفاء:

لم يُذكر أن حزب الله دافع يومًا عن أي حليف ظهر له ملف فساد أو أنه أوقفه، وهو يردد على لسان كوادره من لديه ملف فساد ضد حلفائنا فليذهب إلى القضاء ويقدمه. إلى ذلك فإن حزب الله باعتماده سياسة عدم التسمية والتشهير فإن ذلك لا يعني التغطية بأي حال من الأحوال.

_ تحدي التطلعات الشعبية:

 ينظر إلى حزب الله على أنه الحزب القادر على حل جميع المشاكل ولديه الحلول لكل شيء باعتباره الحزب الأقوى والذي أثبت قدرته بالتراكم منذ نشأته إلى اليوم، وهي بالتالي عندما تحمله المسؤولية، فإنها أيضًا تحمله النتائج، والواقع أن حزب الله هو جزء من الجهات الناشطة المساعدة في بلد مليء بالتعقيدات والأطراف المتنازعة داخليًا وخارجيًا، وأن حلّ المشاكل نظريًا لا يمكن أن يحصل إلا عبر مؤسسات الدولة، وأنه وحده لا يستطيع تمرير الإصلاحات المطلوبة، بل يحتاج إلى الآخرين لتمرير القوانين ولتحقيق ذلك يحتاج إلى تأييد الأغلبية النيابية. على مستوى الجمهور قد يتمكن من تقديم الخدمات وإصلاح بعض المشاكل، ولكن في الإصلاحات الكلية يحتاج إلى الآخرين، كما أن إصلاح الفساد لا يتحقق بالذراع بل بالمسارات القانونية. والواقع أن الإعلام المعادي قد استغل أيضًا هذه المسألة. صحيح أن من القاعدة الشعبية من يتطلع إلى الحزب على أنه قادر عن حسن نية، إلا أن هناك فئة تروج لهذا المنطق باعتبار الحزب قوة متعاظمة على الرغم من معرفتها بأن الحزب غير قادر على ذلك، وذلك لتحميله مسؤولية فشل الإصلاح.

_ تحدي الوفاء بالوعود الانتخابية والإصلاحية:

يمكن ملاحظة أن كل ما تمّ طرحه في البرنامج الانتخابي بدأ العمل به ومنه ما أنجز، مع العلم أن سنة واحدة فقط كان فيها نوع من الاستقرار لتحقيق الإنجازات التنموية والتشريعات والرقابات قبل أن يبدأ حراك 17 تشرين الذي اعقبه انهيار في سعر صرف الليرة واستقالة حكومة الحريري وكورونا ومن ثم انفجار المرفأ واستقالة حكومة دياب والحصار الاقتصادي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور